| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 12/6/ 2012



ليلة حطت بعقوبة والبصرة على الفرات

أيها المارون بـ (سوق الشيوخ).. آن أن تنتظروا

بسام عبد الرزاق

ارتأيت ان يهطل العنوان شعرا، وعزائي بالشاعر الكبير محمود درويش ان يسمعني حتى النهاية، كي يغفر له ولي الشعر.

جميل ان تحتفي مدينة في اقاصي الناصرية وبشفتيها النهريتين بجمهورية البرتقال التي ما ان تدخلها عرفت شاعرها وهو يرتب لك نهرين من الاستقبال والاحتفاء ببساتين بعقوبة، إنه الشاعر ابراهيم الخياط مدمي الشباب وكاسب الكار الذي تستفيق بعقوبة على صباحاته يوميا، وشاعر آخر، هكذا دائما هو أصفى من البياض، إنه عبد السادة البصري بخطواته السمر وضحكته المستفيقة على جيكور والتنومة والسيبة محاولا اقتناء الفرح، الفرح الدائم.

هكذا كان مساء الجمعة 8 حزيران 2012 في (سوق الشيوخ) معمدا بالشعر والناس، ففي التاسعة منه انطلقت جلسة الاحتفاء بالشاعرين ابراهيم الخياط وعبد السادة البصري وفي هذا الوقت تعودنا على الانزواء تحت السقوف لأن مساء العراق غارق بالخوف والارهاب والمليشيات، هذه المدينة المذواق جعلت من ليلها سفينة للشعر متحدية بتجمعها الثقافي كي يقيم الليل شعرا.

الأمسية الاحتفائية التي حضرها مع الجمهور الغفير نائب رئيس اتحاد أدباء ذي قار الشاعر ناجح ناجي، انطلقت بكلمة لمدير الجلسة الفنان جميل ماهود والتي قال فيها: "اليوم نحتفي بقامتين من قامات الابداع في عراق الحرف والنور والكلمة، من قره تبة وهبهب وشهربان والخالص والسعدية من جمهورية البرتقال وبرتقال الجمهورية يسطع في سماء سوق الشيوخ قمر من ديالى من جمالها وصفاء سمائها وعذوبة مائها انه الشاعر ابراهيم الخياط، ومن الزبير وحمدان والتنومة والسيبة وعشتارنا الجميل من طيبة البصرة وكرم اهلها من ابي الخصيب وحلاوة نهر خوز وبرحية البصرة وحناء الفاو من سماء البصرة يطل علينا الشاعر عبد السادة البصري".

وبعد تحية لطيفة من رئيس التجمع الثقافي في المدينة السيد فرقد الحسيني، قرأ الاستاذ علي طالب الحمدي كلمة التجمع ومنها: "لقد عودنا التجمع الثقافي على الاحتفاء بالمبدعين، وهذا من اساس مسؤوليته، وهو حق الابداع والثقافة والمبدعين عليه، فهو يحتفي بكل المبدعين من ابناء المدينة ومن خارجها، فالابداع والتميز هو ما ينظر اليه تجمعنا الثقافي.

ضيفانا بل أخوانا هما شاعران صادحان مغردان وكلاهما ملأ الساحة الادبية الحانا جميلة، وها هما اليوم بيننا في التجمع الثقافي في سوق الشيوخ ليسمعاننا من سحر البيان وعذوبة الالحان ما يجعل دهشتنا متعة دائمة".
بعدهما قدم الشاعر علي مجبل الخفاجي كلمة جاء فيها:

(إكتب قصيدة تتمنى لك القفول
الى البساتين
فالبساتين
ليمون وانين
البساتين
ملاذ الساسة والعشاق والكلاب
البساتين
بلا سقوف تنوء بكل الاسرار
البساتين لا تنام ولا تموت
)

انه ابراهيم الخياط ابن البساتين والشاعر، انه كاغاني ام كلثوم يشع كلما تقادم، لا يؤمن بالومضة وحدها يصنع الشاعر بل بعراك ومراس، عليه ان يذوب وكفى وعليك الاحتفاظ بذاك الكنز الذي لا يفنى.

(لانك من نصف الف تحرس هودجا
وفي ذات الحدود
ما فيه تاج ولا اميرة
وجيوشا
مرّ على مياسمك البرد الباذخ
وشوط من لهيب تموز
ونامت قدماك الدبقتان
ردحا
في مشوكة الخفارة
)

مرحى لك ايها المبدع الذي تطيّن بآلام ناسه وانهمر كرائحة البرتقال، الخياط، ابن ديالى العتيقة باللازورد والجمال، رأيته حاملا غيمته الغفيرة ومثلوما على شكل قصيدة.

أهلا بك في سوق الشيوخ..

يحتاج الشعر الى اكثر من عمر على حد تعبير الشاعر البصري محمود البريكان، وهو الذي مات ولم يترك سوى مجموعة من القصائد المتناثرة في مجلات وملفات محدودة، هل ترى يصح منك يا صديقي هذا الكلام وانت تتنقل بين مدن العراق كفراشة تنزف المحبة والاسئلة؟

(الناس يدخلون الحرب
بمزاجهم او بالاكراه
اما انت
فالحرب دخلت الى غرفة نومك
ولم تسأل عن مزاجك
)

يا ابن الفاو يا فنار العراق ورقيم العذابات

(ينبغي عليّ مجاراة اصدقائي القدامى / الجدد
بالابتسامة وقليل من الكلمات الانيقة جدا
ينبغي عليّ ان ابارح خطواتي لاكمل مسار العثرات
ينبغي عليّ تأويل ما حدث لاستوعب الحادثة
ولاجل ان اكون بلا تقصير
اعتصر ما تبقى من الليمون
كي اغفو..
علني احلم من جديد
)

عبد السادة انه يختصر البصرة بعذاباتها وطيبتها وابداعها وبسفرها الذي ينوء بالمتعبين.

أهلا بك في سوق الشيوخ".

ثم انطلقت جلسة الذكريات والشعر والاسئلة التي ادارها الشاعر خضر خميس وكانت القصائد التي قرأها الشاعران لا تبتعد عن اسئلة الجلسة فكانت المدينة والحرب والحبيبة حاضرات، فتارة يتدثر البرتقال تحت سقوف نخل البصرة وتارة اخرى يحتضن العشار خريسانا، لتنتهي الجلسة قريبا من منتصف الليل، وبعيدا عن الملل، بما تذوق الجمهور من متعة أخاذة.

والجدير بالتوثيق، أن الجلسة قد سبقتها زيارة لمقر الحزب الشيوعي في المدينة، ورحلة الى الهور العظيم، فقد ذهبنا عصرا الى "أم الودع" في قافلة حملتنا السيارات ثم الشختورات والمشاحيف المباركة، قصدنا السيد نعمة البعاج، ومسكنا مع سيد عامر و"أبو طارق" القصب والبردي، وتعمدنا بالماء المقدس، وشاهدنا عيانا جرائم النظام السابق واهمال النظام اللاحق، واستذكرنا خالد أحمد زكي ومظفر النواب وداخل حسن، وأسلسنا القياد للمعيبر "خالد" لنلعب مع المردي والطيور والجواميس، وفرحنا لغزو اطباق الستلايت، وغنينا مع سامر وحيدر ناشي "للناصرية"، واستمعنا بشغف وعجب للباحث ماجد مفتن السفاح (أبو رياض) الذي لا تحسه الا انسكلوبيديا على رجلين، وشربنا الشاي المعد على نار "المطال".

هذا قبل الجلسة، أما بعدها، أي بعد منتصف الليل، فقد ذهبنا مع المعلم العريق "أبو مشرق" لجلسة العشاء السامرة على ضفاف الفرات، افترشنا الجودليات والرمل، وربطتنا ألفة حميمة مع الفتى المضياف "مصدق" الذي يوزع الطمأنينة بنطاقه ومسدسه، ويوزع الطرائف وشعبيات الاشعار ـ بغزارة ـ كأنه "رام" بشري.

وودعنا المدينة الوديعة ونحن نتباهى معها بما كتبه الشاعر المصري المعروف فاروق شوشة عن ابنها الشاعر "أجود مجبل الخفاجي" في العدد الاخير من مجلة (العربي) الكويتية، وعدنا الى بغداد بعد رحلة ثقافية تاريخية سومرية رائقة.
 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات