| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 12 / 1 / 2014

 

افتتاحية المدى

التعبئة الوطنية الشاملة أداة دحر داعش والقاعدة: من أين نبدأ...؟

فخري كريم 

للمرة الأولى، تعلن جميع القوى السياسية بوضوح، وقوفها ضد الإرهاب، واستعدادها لدعم الجهد العسكري والسياسي في مواجهة تنظيمي القاعدة وداعش. واستنكارها لمن يلتزم الصمت او يبرر خلط الأوراق، بحجة النهج الحكومي المغامر، او التدابير ذات الطابع الانتقامي او الانتقائي لها، ضد المكون السني، او مناطق سكانية بعينها.

وهذا الموقف يستند إلى التجربة العيانية التي عاشها العراقيون بكل مكوناتهم طوال السنوات الماضية، في مواجهة النشاط الإرهابي التكفيري للقاعدة بمختلف مسمياتها، وتأثير ذلك على إبقاء العراق في حالة تخلخل دائم، ووضع بالغ التوتر والتأزم، يتعذر معه استنهاضه اقتصادياً، وتمكينه سياسياً لمعالجة الاستحقاقات المصيرية وحل المشاكل البنيوية، ووقف نزيف ثرواته، وخلق البيئة الضرورية للشروع باستكمال مؤسسات الدولة الديمقراطية، وتأمين ما بات ضرورياً لاستمرار دورة حياة المجتمع وافراده، بتلبية ابسط الخدمات الحياتية، من ماء نقي وكهرباء وفرص عمل متكافئة، وتقليص الفوارق الطبقية، وكل ما لا تستقيم الحياة الطبيعية بدونه.

ولا يقتصر الضرر، على من يتعرض للنشاط الإجرامي، عبر مفخخات القاعدة وتفجيراتها وأحزمتها الناسفة، بل هي تصيب على نحو مباشر او غير مباشر، كل عراقي تتعطل مصالحه، ويجري التضييق عليه، بسبب البيئة اللاأمنية التي يخلقها الارهاب، ويفرضها على المواطن والدولة، ويكبلهما ويحول دون معافاتهما.

إن شبه الإجماع الذي وحد القوى في الموقف من ادانة الارهاب، يُذّكر بالموقف ممّا عُرف بـ"صولة البصرة" التي استهدفت التصدي للميليشيات المنفلتة، لصالح تكريس سلطة الدولة وأجهزتها. وقد تجاوز التأييد الذي حظيت به الصولة المذكورة، العمليات العسكرية والامنية، الى الاستعداد للانطلاق منها، لترميم ما تصدع من العلاقات بين اطراف العملية السياسية آنذاك، وإعادتها الى طريق التطور المبني على المشاركة، وان كانت هي بحد ذاتها، عاملاً من عوامل الفشل والانكفاء.

وكما جرى التأكيد في كل المراحل التي شهدتها العملية السياسية، فان قاعدة معالجة القضية الامنية، وإلحاق الهزيمة بالارهاب، واجتثاثه من الجذور، وتجفيف منابعه، لا يمكن ان تتحقق بالتدابير العسكرية والامنية وادواتهما المعزولة، بل هي تتطلب بالضرورة، خلق انعطاف جذري، يعيد الثقة بين جميع مكونات الشعب، ويكرسها بين الفرقاء السياسيين المعنيين بالعملية السياسية، ويؤدي في نهاية المطاف الى تعبئة وطنية شاملة، هي الكفيلة بتضييق الخناق على الإرهابيين، وتجريدهم من اي ملاذ متعاطف آمن.

وحين تتحقق مثل هذه التعبئة، يتحول التدبير العسكري الى أداة مباشرة ماكنة بكل المعايير لتشتيت قوى الإرهاب وتصفيتها.

واليوم، كما كان الحال في تجربة صولة البصرة، بل واكثر منها، تتوفر فرصة تاريخية، لإنهاء اي وجود للقاعدة وداعش، واي مظهر مخل للارهاب، يتخذ طابعاً ميليشياوياً خارج اطار الدولة والقانون، شرط البدء من تأمين الحدود الدنيا من الثقة بين مكونات المجتمع والقوى الممثلة لها. ولا احد يزايد على حقيقة انها بلغت مستوى دونياً لم يسبق له مثيل.

إن من يبادر لإبداء المرونة والتنازل المبدئي، أياً كان الموقف منه ومن سياساته، سيحظى بالتعاطف والتأييد، ارتباطاً بإخضاعه ما هو فئوي وخاص، لما هو مجتمعي، يتعالى فوق الصغائر والهويات الفرعية. وليس صحيحاً ان الأمور تتحمل الإبقاء على ما هو قائم، للأشهر المتبقية حتى الانتخابات التشريعية في نيسان، اذ أن من المحتمل ان تتجه الاوضاع المتردية أصلاً الى ما هو أسوأ، وأن تجر البلاد الى نكسة خطيرة تضعها أمام خيارات، افضلها علقم.

وحتى اذا أُريد، وضع آلية للتهدئة، وإيقاف التدهور، فأن ذلك يستلزم الشروع بإطلاق مبادرة حسن نوايا، يعتمد فك بعض العقد في الحياة السياسية، وايجاد مشتركات تضمن تهيئة الاجواء الكفيلة باجراء انتخابات نزيهة، في ظل منافسة تتحقق فيها الفرص المتكافئة للمتنافسين من القوائم والشخصيات، فليس مطلوباً ولا ممكناً خلال الفترة المتبقية من الولاية الحكومية والنيابية اجراء اي تغيير مهما كان محدوداً، وبالتالي فأن عقد لقاء وطني يضع له هدف تعبئة وطنية على قاعدة التهدئة، وترميم جوانب ممكنة من تحلل الالتزامات وانعدام الثقة، لن يقوي اي طرف على حساب طرف آخر. بل قد يساعد في التخفيف من الاحتقان الطائفي والسياسي الذي تعاني منه الاوساط الشعبية، بغض النظر عن انتماءاتها وانحيازاتها، ويشجعها على الانخراط في المشاركة النشيطة في الانتخابات القادمة، وهذا بحد ذاته هدف يستحق المحاولة.

إن أي محاولة لإيهام العراقيين بأن المعركة ضد القاعدة وداعش، تمر عبر توسيع العمليات العسكرية، في وضع عسكري وامني ملتبس، سوف لن تحقق، حتى لو استطاعت تذليل صعوبات لوجستية وغيرها، سوى مكاسب جزئية وآنية، يوظفها البعض للاعتبارات الانتخابية، التي ستواجه فيما بعد إعادة انتاج بؤر آمنة للإرهاب وإعادة تنشيط خلايا نائمة تتغذى على العمى السياسي، والمغامرة غير المحسوبة، وحماقة قيادات لم تتعلم من رصيد التجربة التاريخية وإشكالياتها المعقدة.

الوطني الغيور، وحده من يرى في الحاق الهزيمة بالإرهاب المتمثل في المنظمات التكفيرية، مهمة ملحة مباشرة لكل العراقيين، ومن هذا المنطلق يرى أنها لن تتحقق بتدابير عسكرية معزولة عن الواقع السياسي، وإنما تتطلب تعبئة وطنية شاملة، في اطار مبادرة للقاء وطني عاجل وغير مشروط.


المدى
العدد (2979) 12/1/2014

 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات