| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 12/1/ 2010



 لا حل للأقباط إلا بالخروج من وصاية الكنيسة؟

نادية عيلبوني
nadiamuch@hotmail.com

المجزرة الجديدة التي ارتكبت بدم بارد ، وفي وضح النهار، وعلى أثر خروج المصلين الأقباط من الكنيسة بعد تأديتهم لشعائرهم الدينية بمناسبة عيد الميلاد في نجع حمادي، تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الأقباط جميعا باتوا مهددين بحياتهم في وطنهم أكثر من أي وقت مضى، وأنهم يحتاجون أيضا، أكثر من أي وقت لتغيير كل أساليبهم لمواجهة تلك الهجمة الشرسة على حياتهم وأمنهم ، وخصوصا بعد أن أثبتت السلطات المصرية المرة تلو المرة ، تراخيها وتواطئها مع القتلة والمجرمين الذين عادة ما يجري تبرئتهم ،بدلا من تقديمهم للمحاكمة وإيقاع أقسى العقوبات بهم. لا بل إننا نستطيع القول ،أن السلطات المصرية صارت تتلذذ في إذلال الأقباط ولا تتردد كما حصل في كثير من المرات من تقديم الضحية للمحاكمة ومعاقبتها بدلا من الاقتصاص من المجرم ، لتثبت بسلوكها هذا ،أنها سلطات منحازة بالكامل ، وأنها تمارس بنفسها ومن خلال أجهزتها القضائية والتنفيذية والقمعية، سياسة قائمة على التمييز الديني العلني والوقح والسافر.

وربما لا نتجنى على الحقيقة إذا ما قلنا أن السلطات المصرية وجدت في جسد المسيحيين وأرواحهم وممتلكاتهم المكان الأنسب الذي يجعل القوى الأصولية التي رعتها وربتها في الماضي لتواجه بها تيارات المعارضة ، تنفس عن احتقانها وعدوانيتها وولعها بالعنف ورؤيتها لمشهد الجثث والدماء . وبذلك تحول الأقباط من مواطنين أصليين في بلادهم إلى كبش محرقة ليدفعوا من حياة أبنائهم وأمنهم الاجتماعي فاتورة الحفاظ على بقاء أمن وبقاء هذا النظام الجائر والعنصري .

أما حال القيادات الروحية للأقباط ، فهو أيضا لا يختلف كثيرا عن حال السلطات المصرية .هذه القيادات على ما يبدو قد فقدت الإحساس تماما بمعاناة رعيتها ، وما عاد يعنيها على الإطلاق الحالة الرهيبة التي تهدد وجود الأقباط جميعا في وطنهم مصر ، وهم يعتقدون أن الصمت وتقبيل اللحى مع رأس النظام وأقطابه وممثليه من الشيوخ ، هي الحل الأمثل لوقف شلال دم الأقباط الذي ليس مرشح له أن يتوقف.

لقد آن الأوان للأقباط أن يدركوا حقيقة أن قيادتهم الدينية التي تتربع في أبراجها العاجية وأديرتها وصوامعها المغلقة هي أبعد ما تكون عن الواقع ، وأبعد ما تكون عن الشعور بالمسؤولية إزائهم، وهي ليست ، بأي حال في وارد التفكير الجدي بإيجاد حل لمعاناتهم وألمهم جراء ما يتعرضون له من اعتداءات يومية ، وفي ظل تواطؤ هذه القيادات وصمتها وعدم استعدادها على تسمية الداء باسمه الحقيقي ، والتي تترفع عن تسمية أسبابه الواضحة ورموزه والقائمين عليه والمتمثلة في تلك السلطات التي أخذت على عاتقها وضع الدساتير القائمة على التمييز الديني والاجتماعي بين المواطنين .هؤلاء على ما يبدو مشغولون بمهمات أخرى يعتقدون أنها أهم وأشرف من الدفاع عن رعيتهم ، لديهم مهمات أهم من المطالبة بوقف التمييز وقوانينه الجائرة في مصر المحروسة ،هم معذورون فمشاغلهم أهم من كل هذا الهراء !!!هم في الحقيقة مشغولون بمنافسة نظرائهم من الشيوخ المشعوذين الذين يعالجون المرضى بالقرآن ، مشغولون بممارسة الشعوذة ذاتها ليثبتوا تفوقا في قدرتهم الإعجازية على نظرائهم المسلمين في طرد الأرواح الشريرة والشياطين والجان والعفاريت من أجساد المرضى من الأقباط ، أو قل هم مشغولون عن الواقع وعن ما يجري به من جرائم لرعيتهم ، في تأمين أصوات الأقباط التي احتاجها الديكتاتور لتنصيب ابنه لوراثة " عرش" . والحقيقة أن تلك القيادات الروحية قد قامت بمهامها على أكمل وجه ، وأثبتت للرئيس مبارك قدرتها على الإمساك بأعناق الأقباط وجلبهم طائعين وصاغرين ومحشورين في الأوتوبيسات لإعلان ولائهم للسلطة التي قهرتهم وأذلتهم وتجديد البيعة لرئيس هذه السلطة لولاية رئاسية جديدة.

الأقباط بغالبيتهم منساقون لإرادة البابا شنودة، وهو لا يزال قادرا على تشكيلهم وصياغتهم وتوجيههم بحسب مصلحته التي هي جزء لا يتجزأ من مصلحة النظام القائم، وهو قادر أن يسوسهم كما يسوس الراعي أغنامه ، نعم لنقلها صراحة وبدون لف أو دوران ، أن سقف معظم الأقباط في مصر لا يتجاوز سقف كنيستهم ، وسقف كنيستهم لا يتجاوز سقف النظام القائم على العنصرية ، وإن معظم الأقباط يعتقدون أن هناك حلا فرديا للتمييز الذي يعانونه بعيدا عن سعي جميع أبناء الشعب المصري لإيجاد حلول ديمقراطية وعادلة لما تعانيه البلاد من اختناقات وأزمات وفقر وأمية واستبداد وتسلط.

وفي اعتقادي أن استمرار الأقباط في دفن رؤوسهم بالرمال ، واستمرارهم في الانقياد للسلطة الروحية والتعويل عليها ، قد ثبت فشله والدليل واضح للعيان في استمرار سياسة التمييز، واستمرار الاعتداءات وتواترها بأشد مما كانت عليه في الماضي، فلا الانحياز الكنسي إلى جانب السلطة ، ولا أيضا جر الكنيسة للأقباط لإعلان ولائهم للسلطة المستبدة قد حمى الأقباط من المذابح التي يتعرضون لها ،والتي سيتعرضون في المستقبل ما لم يدرك الأقباط أهمية انخراطهم في العمل السياسي والمدني في مجتمعهم .

التباكي والغضب والحزن والصراخ والعويل لن يفيد في حل تلك معضلة الأقباط التي يتطلب حلها الخروج من أجواء الأديرة والكنائس المحدود والخانق إلى فضاء الحرية والعمل والكفاح الحقيقي مع كل القوى الديمقراطية والحية في المجتمع المصري التي تسعى إلى تحقيق هدف الديمقراطية و المساواة بين كافة مكونات الشعب المصري على أسس عصرية حقيقية.
 


* صحافية فلسطينية مقيمة في فيينا
 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات