| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 12 / 11 / 2013

 

افتتاحية المدى

لنأخذ الدرس والحكمة من بترايوس ما دامت "مغنية الحي لا تطرب"!

فخري كريم 
 

ليس ثمة جديد في ما ذكره الجنرال ديفيد بترايوس ابرز قائد لقوات التحالف في العراق، في المذكرات التي نشرتها "المدى" ضمن أعداد متتالية الأسبوع الماضي، زيادة على ما أكدنا عليه، منذ إسقاط النظام الدكتاتوري السابق، سوى انه أضاف شرطاً جديداً ملفتاً، الى ثالوث "السياسة، والتدابير الأمنية والعسكرية، والتنمية الاقتصادية وتأمين الخدمات ومعالجة البطالة" في الحرب على الإرهاب.

وشرط بترايوس لا يُؤخذ به في العراق، كما في عموم بلدان العالم الثالث. لان "موضوعه" يُعتبر تقليعة أميركية، وأوربية، يُراد تسويقها علينا لترويضنا وربما، تنويمنا مغناطيسياً، واستدراجنا لفضح دواخلنا ونبش أسرارنا! وكأن هناك بقية باقية من الأسرار، نخفيها عن العالمين، الاعداء منهم قبل الأصدقاء، او اننا كليّو الإرادة والحول والاستقلالية، لنخشى على ما يخدش حياءَنا الوطني، بعد ما استبيحت كرامة شعبنا ودُنِّسَت مقدساتنا، على أيدي حكامنا، المتمسكين بأذيال الإيمان والتقوى، والسلطة، قبل ذلك وبعده.

يؤكد بترايوس، على أهمية مراعاة "العامل النفسي" عند العراقيين، كشرطٍ من شروط تحقيق السلم الأهلي، ودحر الإرهاب، وتجفيف مصادر انبعاث وقوة التنظيمات الإرهابية المسلحة، مؤكداً على ما بذلته القوات الأميركية قبل رحيلها من جهدٍ، لخلق مناخٍ سياسيٍ لتكريس الوحدة الوطنية، وبيئة المصالحة بين السنة والشيعة والكرد.

ويدري بترايوس، كما اوباما وقادة الولايات المتحدة في البيت الابيض والكونغرس، ان ادارة الدول، وتصريف الازمات، وتنمية مكاسبها، او تبديدها، ترتبط بمن يتولى قيادة الدولة. وخطيئة الإدارة المدنية والعسكرية للاحتلال الاميركي، انها لم تتعلم الدرس العراقي، منذ ان وطأت أقدامها الأرض العراقية، بعد الغزو العسكري. بل انها لم تحسن التصرف حتى قبل الغزو باكثر من عقد، وهي تعد العدة، وتمهد المناخ السياسي، بالتشارك مع حلفائها في المنطقة، لإسقاط النظام الدكتاتوري. وقد تكون هي، في تلك المرحلة العصيبة من تاريخ العراق، اولى بالعلاج النفسي، لتتحكم بقراراتها مع قدر من التوازن والرويّة، في الاستماع الى اصوات العقلاء في المعارضة العراقية يومذاك، واعطائهم فسحة كافية لتدبير ما يساعد على ضبط حركة التغيير اللاحق في بلادهم، وتجنب الكوارث التي تطيح بآمالهم وتطلعاتهم في اقامة النظام الديمقراطي الاتحادي، بعيداً عن قسرهم بقبول الوصاية والاحتلال.

ولست في وارد العودة لسرد تاريخ الفشل الاميركي في العراق، وتدمير بناه، واعادة بنائه على الخرائب والاطلال. كما ليس المجال مخصصا لاعادة الحديث عن نظام المحاصصة الطائفية ومثالبها وخطاياها، وتكريس الاسوأ منها، مع ولايتي السيد المالكي في الحكم، وغض النظر عن استباحاته وتخريبه لبيئة المصالحة، وتدميره لما خلفه الاميركان من منجزات على صعيد الامن والاستقرار، كما جاء في مذكرات بترايوس.

ان قيادة الدولة الفاشلة، لا تهتم بالشروط الكفيلة بتحقيق السلم الاهلي والمصالحة والاستقرار، لان مثل هذا الاهتمام يحتاج إلى ترفّعٍ عن مطامع السلطة، ويتطلب تماهياً مع نزوع الناس الى فتح صفحة جديدة، بعد عشر سنواتٍ من الخذلان والخيبة والمصائب المتتالية، واصبح واضحاً ان هذا منال صعبٌ، يتطلب حكمة ودراية وتنازلات متبادلة، وقبلها وفي مقدمتها، رجلُ دولة، بمواصفات استثنائية، على رأس الحكومة والدولة، وهو ما يأمل الأخيار من بنات وابناء العراق ان يتحقق لهم في الانتخابات التشريعية القادمة.

لقد وضع بترايوس العامل النفسي، بين العوامل الأساسية التي تتطلبها عملية دحر الإرهاب وتحقيق الامن والاستقرار. وهو يذكر ان القيادة الأميركية استطاعت ان تحقق خطوات ملموسة هامة على هذا الصعيد، لكنه لا يدري او يريد ان يتناسى، ان الغباء والجهل والاستقواء بالسلطة وأدواتها القمعية، والانفراد بادارة المفاصل الاساسية في الحكومة، قد عمقت الشرخ بين الحكومة او بالأحرى، الشخص المغتصب لإدارة دفتها، وجميع أطراف وقيادات العملية السياسية، وجعلت من الصعب إزالة الشكوك فيما بينهما، مما يجعل من العلاج النفساني، غاية لا يمكن الوصول الى ضفافها، دون ازالة العامل الأساسي المسؤول عن هذا الشرخ، وإزاحته عن المشهد، وخلق بيئة حوارٍ بنّاءٍ يستوفي المقدمات الضرورية لتجاوز حالة الارتياب المتبادل، وتبديدها او تخفيف حدتها على الأقل.

وأياً كانت النوايا وصدقيتها، فان أي مسعىً يبذل خلال الاشهر القادمة التي تسبق الانتخابات، في اطار يزعم انقاذ البلاد من الانقسام تحت القيادة الفاشلة ذاتها، سيكون في الوعي الجمعي، وفي ادراك القوى السياسية المعنية بالصراع، نوعاً من الدعاية الانتخابية، وتداركاً لفشل انتخابي من قبل المتسببين بالخراب الذي لحق بالعلاقات بين القوى، والمتسببين بالتدهور الخطير في الأوضاع الامنية، وباستمرار المعاناة التي ترهق كاهل المواطنين دون استثناء، سوى اللصوص والطبقة السياسية الفاسدة، والمتحكمين بالقرار وتحديد مسارات ومصائر البلاد. وان كان ذلك لا يعني تأجيل او تقويض أي مسعىً مخلصٍ، لتطويق اسباب التدهور وإيقافه.


المدى
العدد (2936) 12/11/2013

 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات