| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 12/11/ 2011                                                                                                 

 

في الذكرى السابعة لإستشهاد وضاح
فداءا لمثواك من مضجع

كفاح حسن

إعتاد وضاح في سنوات صباه تخيل معارك يخوضها في صراع طويل وصبور دون ملل أو إنقطاع. فإمتزجت أحلام طفولته وصباه، بحياة ملأتها المغامرات والمخاطر. وكأن وضاح يجد راحته في قلب المعارك والقتال.

ولم تقتصر معاركه في وديان جبال شمال العراق الشماء، بل إمتدت معاركه إلى أزقة بغداد. فحين إنقض النظام الصدامي في أنفاله ضد قرى ووديان كردستان، عقب إنتهاء الحرب الإستنزافية العراقية الإيرانية، برزت فرصة لوضاح ولرفاقه للإلتحاق للعمل داخل المدن العراقية، بضمنها العاصمة بغداد. لقد إختار وضاح ورفاقه الطريق الصحيح، بدلا من الهرب إلى المواقع الحدودية ومن ثم الضياع في غربة قاتلة.

إن فرصة العمل الحقيقي وسط المدن، منحت وضاح ورفاقه خبرة غنية تضاعف خبرة العمل المسلح في أودية الجبال. فوسط الجماهير تنفتح آفاق العمل الواسعة والوفيرة. على عكس العمل المسلح المحصور في وديان ضيقة بعيدة عن الجماهير.

وفي الدهاليز ما
بين باب المراد وباب الدروازة يتجول وضاح وسط الصبايا الكاظميات السابحات بمسيرهن المتغنج لتمنح وضاح الطمأنينة والإفتخار. ولقد إعتدت المرور عند صديق بزاز هناك، كان وضاح يزوره بإنتظام، ويجد عنده الآمان والأمل بالمستقبل. وكنت أمازحه دائما بالعتاب : لماذا قتلوا "دعبول" وورطونا، طالبا منه "فصلية" بفاتنة من الفاتنات المتراقصات في مشيتهن في الأسواق المحيطة بالحرم الكاظمي. إلتقيته بأعوام بعد إستشهاد وضاح، فمازحني طالبا مني الكف عن طلب "فصلية" فقد أرسلوا لنا "الأفغاني" ليجعلونا نترحم على قتلة دعبول. فلقد ركب "الأفغاني" الموجة ما بعد إحتلال العراق، لتلتحق به جمهرة واسعة من المحرومين و المتذمرين. وبدلا من الوفاء لجمهرة مؤيديه، زج بهم في سياسة مغامرة و متقلبة تعتمد الشعارات الجوفاء و تغطية أعمال الإجرام و السلب و صب النار في حرب طائفية تحرق الأخضر و اليابس. ولا يعتبر "الأفغاني" حالة نادرة في تأريخ العراق عبر العصور. فهو واحد من عديدين خربوا البلد خلال عصوره المختلفة. وكان دورهم تخريبي ومدمر، و حيث كانت هناك هوة واسعة ما بين أفعالهم و أقوالهم. و كانوا السبب في دخول البلد في عصور مظلمة.

ورغم مزاح صديقي الكاظمي، إلا إنه لم يخفي حزنه بفقدان وضاح، رغم إنني قابلته بعد أكثر من أربع سنوات من بعد إستشهاد وضاح
. لقد كان حزنه ممزوج بمشاعر من الغضب، و هو يردد مقطع من أغنية عراقية قديمة:

"يا
من تعب يا من شقى يا من على الحاضر لقى"

حيث يصف هذا المقطع بوضوح لما آل إليه وضع البلاد. فوضاح واحد من الذين بذلوا بالغالي و النفيس لأجل مصلحة الوطن و الناس، منهم من إستشهد، ومنهم من بقى يراقب الأحداث مترفعا من الإنغماس في غمرة أعمال سرقة و نهب و إغتصاب للوطن تحت شعارات وطنية جوفاء.

و نحن نشرب مع صديقي البزاز شربت البالانكو عند بائع متجول في سوق الأستربادي، تحدث معي بحسرة عن حال السوق. فبسبب الإرهاب الصدامي، إضطر تجار السوق و أولادهم إلى الفرار من مرتع صباهم. ليدخل السوق أناس جدد، حتى تجد نفسك غريبا في هذا السوق الذي كان قلب المدينة النابض و ملتقى شبابه. فأجبته بأن هذه هي نفس مشاعري عندما أتجول في أسواق مدينتي كربلاء، حيث أتجول فيها كغريب، و أنا الذي نشأت و ترعرت في هذه الأسواق.

وهنا تذكرنا مقولة الإمام علي "الفقر في الوطن غربة" حيث تشاهد مشاعر الإنفصام عن الوطنية المنتشرة وسط الناس، والرغبة المتزايدة في الهجرة و ترك الوطن لسارقيه. فهل هو الفقر لوحده يقود العراقي للإغتراب في بلده، أم الأحداث المأساوية المتلاحقة.

إن بصيص الأمل يتجدد ونحن نواكب تنامي مظاهر المعارضة للنظام والإحتلال. ولكن هذه المظاهر لازالت بدائية. ولم تتخذ بعد ظاهرة جماهيرية متنامية، في ظل سياسة التجهيل الثقافي، وإجبار الناس على الإنغمار في المراسم العزائية الجاهلية.

إن بصيص الأمل ننتظره من الجيل القادم الذي ينبغي أن ينهض من وسط الرماد لإعادة الحياة للعراق الذي عرفناه، وليس عراق اليوم المنهوب المسلوب الإرادة.

و يبقى مثوى وضاح و رفاقه ملهما للنهوض، فمضاجع الشهداء هي محطات للثورة و التمرد.


كربلاء - سوق العلاوي
2011-11-11
 

 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات