| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 11/7/ 2009



ماذا بعد 30 حزيران؟
ما هو المطلوب لتعزيز السيادة؟ ما هو دور اليسار ؟

كفاح عادل

مقدمة:
أنتهى في يوم 30 حزيران أنسحاب القوات الأميركية المقاتلة من المدن و ذلك تنفيذاً للأتفاقية الأمنية الموقعة بين العراق و الولايات المتحدة و التي بموجبها يتم أنسحاب القوات بشكل نهائي من الأراضي العراقية في نهاية2011.

و عليه و بعد 30 حزيان 2009 فأن الحكومة العراقية و مؤسساتها الأمنية و العسكرية تُعد المسؤولة الأولى عن أستتباب الأمن و حماية المواطن و الدولة و هذا ما أكده الرئيس الأميركي أوباما حيث قال ما معناه أن العراق متروك للعراقيين و هم عليهم حل مشاكلهم و بناء بلدهم و حمايته و نحن سوف نساعدهم!

و قد أحتقل العراقيون في بغداد ومدن أخرى بعودة السيادة و شهدت سماء بغداد العاباً نارية لأول مرة منذ فترة طويلة. و بقى السؤال المهم ماذا بعد؟ ما هي الخطوة التالية؟ هل نبقى نردد كلمات "السيادة" و "الكرامة" و "الجلاء" و غيرها من الكلمات التي أمتلأ بها قاموسنا السياسي و الشعبي لعقود طويلة و حتى أصبحت لنا ايام في السنة للأحتفال بها بدون التفكير بالمعاني الحقيقية لهذه الكلمات و بدون أستثمار حقيقي لهذا "الحق الشرعي" لبناء مجتمع و نظام اقتصادي – سياسي أفضل؟! شخصياُ أنا لست ضد الأحتفال و الأبتهاج أو حتى التقليل من أهمية 30 حزيران أو خطوة أنسحاب القوات الأميركية من المدن و لكني أود التركيز في هذه المقالة على أهمية الدور العراقي في المضي قدماً من أجل بناء عراق أفضل و تحقيق سيادة فعلية و كرامة حقيقية تبدأ بأحترام الفرد المواطن العراقي و بتوفير افضل الخدمات و فرص العمل له و ليس فقط الأكتفاء بالشعارات و الهتافات التي قادتنا الى كوارث كما يشهد تاريخ العراق و المنطقة على ذلك.

مستحقات المرحلة:
أن الأنسحاب الأميركي وضع الحكومة العراقية و القوات الأمنية و العسكرية العراقية و كافة القوى السياسية أمام مسؤولية تاريخية تتطلب العمل الدؤوب و البصيرة و الحكمة لمواجهة مشاكل في قطاعات عديدة من أجل تحقيق سيادة حقيقية:
1- على الصعيد الأمني: لا تزال هناك أختراقات و ثغرات أمنية و تواجد لقوى التخريب و الجريمة المنظمة من بعثيين و قاعدة و تدخل سافر من قبل دول الجوار ناهيك عن ضعف الأمكانية الفنية و الحرفية للقوات الأمنية و العسكرية و التي لم تكتمل بعد .

2- على الصعيد السياسي: لا زالت العملية السياسية و مؤسسات الدولة هشة و الدستور يتطلب التعديل و استمرار حالة الشك و التشكيك بين الفرقاء السياسين و غياب مفهوم المواطنة. هناك الكثير من القوى السياسية من داخل العملية و خارجها يعملون بالعقلية الصدامية في الهيمنة و التصفية و تحقيق أكبر نفوذ على حساب الآخر العراقي!

3- على الصعيد الأقتصادي - الأجتماعي: ليست هناك رؤية واضحة للسياسة الأقتصادية العراقية و أستثمار موارد النفط و دور القطاع العام و الخاص و الرقابة على المال العام و محاربة المحسوبية و الفساد المستشري في كافة مفاصل الدولة و المجتمع و الذي جعل العراق يحتل ذيل قائمة منظمة الشفافية الدولية حول الدول الأكثر فساداً! (برأيي فأن جوهر الصراع يكمن في هذا الصعيد).

4- على الصعيد الخدمات: لازال المواطن يعاني من أنقطاع بل حتى أنعدام الكهرباء و من ضعف أو عدم وجود خدمات الماء النقي و المجاري و رفع الأوساخ و الخدمات البلدية و خدمات أتصالات و أنتريت و الخدمات الصحية و غيرها من مستلزمات المعيشة العصرية و العيش الكريم للمواطن العراقي! فأين هي الكرامة و المواطن لا يحصل على الماء النقي و الكهرباء و غيرها من الخدمات الأساسية؟؟

و بأختصار فأن صراع البدائل و الرؤى بين الفرقاء العراقيين و قوى الأحتلال و دول الجوار لازال مستمراً و المواطن العراقي يعاني يومياُ نتيجة لهذا الصراع كما مؤشر في المحاور أعلاه!

البديل المطلوب – دور اليسار:
في ظل هذه الأجواء المعقدة و المعاناة اليومية للمواطن من أنعدام وسائل العيش الكريم و فرص العمل الكريمة و الفساد الأداري و المالي و السياسي فأن الحديث عن سيادة حقيقية و كاملة أو أستعادة كرامة و أستقلال و غيرها يعد ناقصاً ما لم تعاد الكرامة و الأحترام للمواطن العراقي و تستعاد حقوقه الشخصية و المعنوية و أن ينعم بمستوى خدمات عالي و فرص عمل كريمة و بقضاء نزيه و عدالة أجتماعية و سياسية و أمن و أمان حقيقي على نفسه و عائلته و ممتلكاته. عند ذاك نكون قد حققنا سيادتنا و أستقلالنا و أرجعنا كرامتنا التي أهدرتها الدكتاتورية البعثية و الأحتلال.

في خضم هذه المستحقات و معركة البدائل فأن اليسار العراقي, وهو الذي يمتلك التجربة التاريخية و العمق المجتمعي منذ عشرينيات القرن الماضي وأول من ربط بين النضالين السياسي و الأجتماعي – الأقتصادي, تقع عليه مسؤولية تاريخية بحكم طبيعة المرحلة و دوره و رسالته التاريخية في صياغة بديل حقيقي للشعب و أعادة تعريف مفردات السيادة و الكرامة و الأستقلال و تطبيقها عملياً على أرض الواقع و بعيداً عن الشعارات و الهتافات التي تزيف وعي الجماهير و لا تقدم أي أجراءات عملية أو ملموسة على الواقع اليومي للشعب.

هذا البديل لا يمكن أن يتحقق في ظل تشتت قوى اليسار الديمقراطي و عدم توحيد رؤيتها لتقديم بديل حقيقي و ملموس للفرد العراقي الذي أكتوى بنار الدكتاتورية و الحروب و الحصار و الأحتلال و اليوم يكتوي بسبب أنعدام الماء و الكهرباء في صيف العراقي القاسي! أن الأتهامات و التخوين و المساجلات في الصحف و في صفحات الأنترنيت لا تغني و لا تسمن و لا تقوي من مركز اليسار في المجتمع و في العميلة السياسية و لا تجلب سوى الخراب و مزيد من التخلف و التعصب و الفوضى للشعب العراقي. المطلوب اليوم هو رؤية وطنية و واقعية للتعامل مع هذا الواقع المعقد و نبذ الرؤى الضيقة و توحيد الجهود للوقوف بوجه القوى المتعصبة و الطائفية و التدخل الأجنبي و الأقليمي في الشؤون العراقية و بوجه المزايدين و مدّعي الديمقراطية و العلمانية.

و بالملموس فأن القوى المحسوبة على اليسار الديمقراطي عليها:
1- توحيد جهودها و تكثيف لقاءاتها من أجل الوصول الى مشتركات بينها و تجنب الخلافات الثانوية و الرؤية الضيقة و عدم أتهام الأطراف الأخرى باللاوطنية و الأنحراف و غيرها من التهم و قراءة الواقع كما هو بصورة علمية من أجل تغييره.

2- الحفاظ على الخصوصية التنظيمية و الأستقلال التنظيمي و الفكري لكل جهة و حزب يدخل في هذا الحوار و عدم البحث عن زعامات و كسب مواقع بل التأكيد على البحث عن مشتركات و حلول لتعزيز وضع اليسار و صياغة برنامج ملموس يقدم للشعب العراقي.

3- بناءاً على الخطوات أعلاه, فأن اليسار مطالب اليوم بتقديم حلول علمية و ملموسة للواقع المتردي للفرد العراقي من خدمات و قلة فرص العمل الكريمة و مواجهة الفساد و اصلاح النظام الأداري للحكومة العراقية. في هذا المجال يمكن تشكيل فرق عمل لتقديم حلول حول الملفات الآتية:
أ‌- الكهرباء: ماهي الحلول للنهوض بواقع الكهرباء؟ هل هي مشكلة مستعصية و لا يمكن حلها؟ ما هي الأحتياجات المالية و الفنية؟ ما هو الأفق الزمني الحقيقي و العلمي لأنجاز هذه المهمة؟ و غيرها من الأسئلة التي تتعلق بهذا الملف المهم و الحيوي.

ب‌- الماء و المجاري: هل يُعقل بأن فقط 40% من العراقيين و في القرن الحادي و العشرين يمتلكون ماء صالح للشرب؟ ماهي المناطق التي تتطلب قبل غيرها الشروع بمشاريع ماء و مجاري؟ ماهو دور مجالس المحافظات؟ ما هي الأحتياجات المالية و الفنية لأنجاز هذه المشاريع؟ ما هو الأفق الزمني الواقعي لأنجاز هذه المشاريع؟ و غيرها من الأمور الفنية و العلمية لمعالجة هذا الملف.

ت‌- الأتصالات: هذا القطاع هو الأساس لدعم عملية التنمية و الأستثمار وتطوير عمل الحكومة بكافة مفاصلها و بعمل المصارف و الشركات و غيرها ناهيك عن الحاجة اليومية للمواطن العادي. هذا يتطلب دراسة علمية و خطة مستقبلية لتطوير هذا القطاع و نهوضه و دور الدولة و القطاع الخاص و بما فيها أنشاء شركة وطنية للهاتف النقال و دراسة كافة الأحتياجات الفنية و المالية مع وضع افق زمني واقعي و علمي لتنفيذ المشاريع.

ث‌- الخدمات الصحية: الواقع الصحي المزري و تقديم الخدمات للمواطنين و سهولة الحصول عليها يعتبر تحدياً حقيقياً يتطلب دراسة جدية و تقديم مقترحات لأصلاحه و أرتقائه و تقديم أفضل الخدمات للمواطن و دراسة الخطط العملية لتطوير هذا القطاع الحيوي.

ج‌- التعليم و البحث العلمي: ماهي سبل الأرتقاء بالتعليم بكافة مراحله و ربطه بالحاجة الأقتصادية و الأجتماعية لمجتمعنا؟ كيف نرتقي بواقع الأسرة التعليمية و بالمناهج؟ ماهي الرؤى و الأفكار العملية للأرتقاء بواقع البحث العلمي و تحويل نتائج البحوث الى واقع ملموس يخدم قطاعات أخرى مثل الزراعة و الصناعة و غيرها من القطاعات؟

ح‌- الأقتصاد العراقي: منذ عقود و الأقتصاد العراقي يشكو من خلل بنيوي رئيسي و هو كونه أحاي الجانب و يعتمد على النفط بصورة رئيسية. هنا يجب أن يكون برنامج أقتصادي واضح و ملموس يستهدف النهوض بواقع الصناعة و الزراعة و تحديد دور القطاع العام و الخاص و كيفية تطوير الصناعة النفطية و توزيع موارده من أجل تطوير القطاعات الأخرى .

وهناك قطاعات و محاور أخرى يمكن أن تقدم فيها دراسات ملموسة بما فيها أزمة السكن و دور المثقفين ودور السياحة و غيرها. لقد كان الحزب الشيوعي و جريدة طريق الشعب سباقين في أجراء الطاولات المستديرة من أجل مناقشة قضية معينة و محاولة الخروج بحلول علمية بمشاركة مختصين مما يتطلب من القوى اليسارية دعم هذا الجهد و الأرتقاء به و تحويله الى وسيلة لتثقيف الشعب به و برنامج أنتخابي و مطلبي أن أمكن.

لم يعد الحديث عن العموميات و الدخول في صراعات أيدلوجية و أتهامات مجدياً و لم تعد الجماهير في خضم مشاكلها الكثيرة و تعقيدات الحياة مهتمة بهذه الصراعات بقدر أهتمامها بمن حقاً يعمل و يقدم الحلول لهم و بملموسية و بوضوح.

هناك من يأتي بالوعود و بمعسول الكلام و يتاجر بالكلمات من خلال وعود لا تمتلك نصيب من ارض الواقع من قبيل تحويل مدن العراق الى دبي أو نيويورك في خلال خمس سنوات و آخرين يتلاعبون بمشاعر الناس الدينية و القومية لتمرير مشاريع و أجندات لا تخدم الشعب و الوطن و مع الأسف تنطلي على شريحة واسعة من العراقيين. بدون تقديم بديل عملي و علمي لا يمكن كشف زيف المدعين و وعودهم الكاذبة و هذا لا يحدث بدون توحيد جهود قوى اليسار و التقدم و الأستعانة بالقدرات العلمية و الفنية في الداخل و الخارج لصياغة مشاريع (حقيقية و علمية) خدمة للوطن و الشعب.

أن الحديث عن السيادة و الكرامة و الديمقراطية لا قيمة له بدون مؤسسات فاعلة و مستقرة و خدمات للمواطن و عدالة أجتماعية و سياسية خدمة للفرد العراقي و أعتباره أثمن رأس مال. فلا يمكن تصور السيادة و الكرامة لشعب تعيش نسبة كبيرة منه تحت مستوى خط الفقر البطالة فيه وصلت الى أرقام قياسية (يقال أكثر من 20%) و فيه أكثر من مليون متسرب من المدارس و لا يحصل على الماء الصافي و الكهرباء و غيرها من الخدمات التي تحفظ أنسانية الأنسان! و بخلاف ذلك فأن البديل سيكون فوضى و أرهاب و ربما ديكتاتورية أخرى بلبوس جديد.

هل يتعظ اليساريون من دروس الماضي و من أحتمالات المستقبل لتوحيد القوى و خاصة و نحن على بعد أيام من الذكرى 51 لثورة 14 تموز المجيدة و أستخلاص الدروس منها و خاصة تجربة أغتيالها في 8 شباط الأسود على يد عصابات البعث بالتعاون مع الأقليم و العم سام بسبب تناحر القوى الوطنية الحقيقية؟ أرجو أن يتلاحق المخلصين الوقت و أن يضعوا خلافاتهم الشخصية و الثانوية جانباً و التحضير لمستحقات ما بعد 30 حزيران و عدم أضاعة الوقت فلقد خسرنا الكثير!


 





 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات