| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 11/7/ 2009



الفكر القومي الكلداني

فاضل رمو *

قبل الدخول في هذه المسألة لابد لنا من دراسة بسيطة او القاء نظرة حول المسألة القومية منذ بداياتها ومدى تأثيرها على شعوب منطقتنا ومنها شعبنا (مسيحيي العراق ) ، كما يجب علينا أن نجيب على اسئلة معينة ونتفق على تحديد الاجابات ، لكون مثل هذه الاسئلة غير متفق عليها ولا تمتلك اي جهة الحقيقة الكاملة للاعتماد بوضع الاجابات والحلول حول هويتنا أو هوياتنا وخصوصا بالنسبة لما أستجد من جدل حول التسمية الكلدانية ، فهنالك تساؤل مهم يجب ان نتفق عليه وهو من هم الكلدان اصلا ؟ ماهي الخصوصيات الكلدانية ؟ هل يوجد اطار قومي كلداني وما هو ذلك الاطار أن وجد ؟ هل الكلدان شعب مستقل ؟ ما الفرق بين الشعب والقومية ؟ اسئلة عديدة لابد من الاجابة عليها قبل البدء بتفاصيل هذا الموضوع ، فلأجل نجاح اي مشروع عمل لابد ان تسبقه دراسة موسعة تكون شاملة ومتسعة لكل الجوانب المتعلقة بذلك المشروع ، علما بان مسيحيو العراق يتميزون من بين كل مسيحيو منطقة الشرق الاوسط بتبني الفكر القومي ، فلاجل ان ننفذ مشروعا قوميا بمسمى كلداني لابد لنا اولا من تنفيذ دراسة جدوى لهكذا مشروع تتضمن مناقشة لامور عديدة متعلقة بالفكر القومي نفسه والغرض منه ، كما ولابد لهذه الدراسة لان تحتوي على جوانب عديدة تجيب على كل الاسئلة المطروحة بالاضافة الى اسئلة اخرى قد تظهر عرضيا اثناء الدراسة ، وكذلك لابد لنا اولا ان نتجرد عن الانحياز ووضع الحواجز المسبّقة وان نحذر لئلا تقودنا العاطفة نحو نتائج مهيئة سابقا تتلائم مع عواطفنا ، فليس شرطا من أن كل مشروع لابد له أن يرضي عاطفتنا ، فقد تكون هنالك اعمال ضخمة ولكن فوائدها قليلة جدا وبالتالي تكون الجدوى منها قليلة.

سأحاول في هذه الدراسة البسيطة أن أحلل العناصر المتعلقة باكثر الجوانب المحيطة لما مطروح الان تحت تسمية المشروع القومي الكلداني مجيبا على التساؤلات الحتمية التي قد تطرح والتي من شأنها الكشف عما يخفيه المستقبل لمثل هكذا مشروع من اجل اما انجاحه او التخلص من خسائر قد تواجه النخب القومية من جرّائه .

الفكر القومي وبداياته
أن تناولي في هذا التحليل البسيط فقط الفكر القومي الكلداني أن صح التعبير من دون بقية التسميات كالاشورية مثلا ، لكون ما يطرح الان تحت تسمية الفكر القومي الكلداني يختلف عن ما طرح تحت تسمية الفكر القومي الاشوري ، وذلك لان ولادة الاول جاءت متأزمة ونتيجة لتراكمات احداث سلبية قديمة في الماضي لم يتم التعامل معها بشفافية ، بل غذيت وتم تنميتها ، لكي يأتي اليوم وتنفجر ، فكان ظهور هذه الموجة التي تسمى بالفكر القومي الكلداني ، كما ان هذا التيار جاءت ولادته ايضا بطريقة غير علمية فقد سقط من فوق ، اي من النخب ، الى الاسفل ولكنه بالتأكيد لم يرى أحد من القاعدة لكي يتلقفه وينميه ، ليس كما حدث في اوربا حيث هنالك الفكر القومي نهض من الاسفل وانتقل الى فوق ، سأبتدىء أولا في تقديم بعض الاراء والطروحات عن بدايات الفكر القومي وما يتعلق به من تعاريف مستخلصة عن تجارب الشعوب التي سبقتنا في النضال القومي .

غالباً ما تُقَدَّم القومية بوصفها تعبيراً عن أمة موجودة مسبقاً، بل وأزلية، إلا أن البحث الاجتماعي الحديث ينزع إلى التأكيد على أنَّ القومية هي نوع من الخطاب الذي يُستخدَم في بناء الأمم ، حيث أن الفكر القومي ليس مجرد حالة رومانسية من مشاعر و أحاسيس فقط بل حاجة عملية ماسّة وبراغماتية في الوصول ليس فقط إلى مجتمع حديث قائم على الانتماء الفردي، بل أيضاً لتزويد المواطن بهوية ثقافية جامعة تحيّد غالبية الطوائف والعشائر والانتماءات المناطقية عن التحكّم في انتماء الفرد السياسي ، كما أن القومية هي تيار فكري أو فلسفة سياسية تنادي بالحفاظ على : الهوية الانتمائية, الاستقلالية, الكرامة, السمو و الرفاهية لما يصطلح على تسميته بالدولة القومية أو الأمة .
فقد حاول العديد من الفلاسفة والمفكرين الاوربيين دراسة مسألة التميّز بين المجموعات البشرية وعناصر هذا التميّز ، وكيف يمكن تحديد أن مجموعة من هؤلاء يمثلون أمة خاصة ، حيث برز أتجاهين أساسيين :
الاول : يؤكد على أن الرابطة القومية هي ذلك الفعل الشعوري لقوة عليا لدى المجموعة البشرية وهذا الفعل حدده الالمان بمصطلح خاص هو ( روح الشعب) ، الذي يمكن التعرف عليه من خلال العديد من المظاهر منها : اللغة ، العادات والتقاليد ، والانتماء العرقي .
الثاني : أعتبر الشعور والاحساس محركين اساسيين لتشكيل الامة ، ولذلك يقول مازيني القومي الايطالي " ان الوطن هو قبل كل شيء " وهذا ما استند عليه المفكر الفرنسي رينان في نظريته حول الامة حيث قال : أن ما يشكل الامة ليس التكلم باللغة نفسها أو الانتماء الى الجماعة الاثنوغرافية ، بل هو الامور الجسام التي صنعت معا في الماضي والرغبة في صنع مثلها في المستقبل .

أن الفكر القومي هو ببساطة الارادة المشتركة للاشخاص الراغبين في العيش المشترك ، وعلى هذا الاساس ظهرت الحركات القومية في اوربا وخصوصا في ايطاليا والمانيا والتي كانت في اساسها حركات وحدوية قومية لتشكيل القاعدة القومية اللازمة لقيام دولة أو أي كيان يتمتع بدرجة من الاستقلالية .

أن الفكر الالماني حقيقة هو من اثّر على الافكار القومية في منطقتنا اكثر من الفكر الفرنسي على الرغم من كون هنالك عدد غير قليل من النخب في منطقتنا ( الشرق الاوسط وشمال افريقيا ) من تأثر في الفكر الفرنسي ، ولكن وبصورة رئيسية فان بصمات الفكر الالماني كانت اوضح واشد تأثيراً على واقع شعوب هذه المنطقة ، وذلك لاسباب ، أحاول أن أدرج أهمها :
1. التباين في الانتماءات الدينية للجماعات البشرية التي تتشكل منها منطقتنا لما يتشابه مع التباين في الانتماء المذهبي الموجود في المانيا
2. التباين في الانتماء الجغرافي واللغوي والثقافي الواسع لهذه الجماعات البشرية مما حدا بها الى تبني الفكر القومي الالماني أو التأثر به
3. التباين الشديد في العنصر التأريخي في موضوعة الانتماء الفردي

فاول ما ظهر كناتج للتأثر بالفكر القومي الالماني هو الفكر القومي الطوراني التركي ومن بعده الفكر القومي العربي الذي كان هو الاخر متأثرا بالفكر الالماني ورد فعل للتيار القومي التركي حتى وان كان بلباس خلافة عثمانية اسلامية ، وبين ظهرانيهم ظهر الفكر القومي الكوردي والفكر القومي الاشوري والارمني ايضا ، حيث ان كل هذه الشعوب تعتبر ان اللغة والانتماء العرقي هما اساس الامة والقومية والشعب بحيث تتميع هذه المصطلحات فيما بينها .

لابد هنا من الاشارة الى أن تأريخ هذه التيّارات القومية لم يخلو من صفحات سيئة ومظلمة بحق جماعات قدر لها أن تعيش في نفس النطاق الجغرافي لانتشار تلك التيارات ، وخصوصا تجارب الفكر القومي التركي والعربي ، وذلك لتقاطع هذه الافكار مع بعض معطيات الواقع التي تفرضه وجود جماعات صغيرة نسبيا تباينت في الانتماء القومي أنطلاقا من نفس الافكار التي تبنتها هاتين التجربتين .

بناءا على ذلك سوف أحاول أن أحلل الواقع القومي لفئة من مسيحيي العراق والمنتمين الى الكنيسة الكلدانية الذين منهم خرجت الدعوة لتبني الاسم الكلداني كاسم قومي وشعبي لامة مستقلة ، رغم ان التاريخ يقر بوضوح ان للكلدان قومية لها بصماتها على التطور الحضاري في وادي الرافدين لكن المراحل التي توالت بعد دخول الاسلام غيبت المشاعر القومية لتتحمل اعباء الشعب المظلوم الكنيسة وقيادتها ( وهذا ينطبق على بقايا جميع الاقوام النهرينية الاخرى ) .

هنا نأتي الى سؤال مهم وهو : من هم الكلدان ؟
هنالك أجابتان لهذا السؤال او بالاحرى هنالك طريقان يقودانا للاجابة على هذا السؤال ، اولهما هو ما قرأناه في التأريخ المبني على اكتشافات الآثاريين ، حيث أنه في تلافيف القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين انطلقت بعثات آثارية لتجوب صحراء وجبال العراق أو بلاد مابين النهرين (آنذاك لم يكن هنالك صفة رسمية لاسم العراق كما هي عليه الان ، وانما كان عبارة عن ثلاث ولايات هي البصرة وبغداد والموصل ضمن الدولة العثمانية وكان الغرب يطلق عليهم مجتمعين اسم بلاد مابين النهرين (ميسوبوتيميا ) على الرغم من أن هذه الاخيرة في حقيقتها لا تشمل كل العراق الحالي وأنما فقط الجزء الشمالي منه تلحقه أجزاء أخرى من تركيا الحالية وسوريا ) فمن بين هذه القراءات نجد ذكرا لجماعة بشرية عاشت على هذه الارض تدعى باللغة العربية ( بالكلدان) او باسماء اخرى قريبة من هذا الاسم لكن اسم الكلدان اتخذ طابعا اكثر استعمالا من بقية الاسماء التي أعتبرت لنفس المجموعة البشرية (كلدي ، كلدو ، كاسديم ) ، وارتبطت بهذا الاسم قيام دولة على ارجاء واسعة من بلادنا وخصوصا في الجنوب ، ولكن هنالك أمور عديدة نجدها غير متفق عليها في هذه المسألة ، حيث انه في كل فترة يظهر عالما آثاريا أو مؤرخا مهتما بالتأريخ أو ناشطا قوميا من أحد الاقوام يدحض نظرية قديمة ويقدم لنا أخرى وبعده يظهر آخر يؤيد تلك وينفي هذه ، فمثلا كان من المتعارف عليه من ان المدينة الاثرية التي اكتشفها السير ليونارد في جنوب بلاد ما بين النهرين قرب مدينة الناصرية والمسمّاة حاليا بتل المقيّر والتي أظهرت اللقيات الاثرية أن أسمها (أور) والتي كانت أحدى المدن السومرية الكبرى ، تم ربطها نتيجة لاصرار ليونارد بالمدينة المذكورة بالتوراة حسب الترجمات الحديثة والتي ذكرت كموطن لابينا ابراهيم ( أور الكلدانيين ) علما أن النص العبري لا يذكرها بهذه الصيغة وأنما يذكرها بصيغة ( أور كاسديم ) ، فعلى الرغم من أن كل الاكتشافات الاثرية والتي كان السير ليونارد مشاركا فيها أشارت الى ان تلك المنطقة معروفة ببلاد شنعار أو بلاد سومر وان تلك البقاع شهدت ظهور اولى المدن السومرية وان السومريين ليسوا من نفس جنس وعنصر الكلدانيين بحيث ان الكلدان هم من الاقوام السامية على عكس السومريين ، كما أن تأريخ تلك المدينة اقدم من اقدم ذكر للكلدان ، لا بل انها اقدم من سرجون الاكدي الذي في عهده نرى وجود لذكر الكلدان على شكل (مات كلدو) ونتيجة للشكوك في ألاعلان الذي نادى به ليونارد ولعدم اقتناع علماء آخرين فقد استمرت الدراسات حول هذا الامر لتصل الى نتيجة أخرى مغايرة جدا لما وصل اليه ليونارد فقد أشار علماء وباحثون عديدون الى ان أور الكلدانيين تقع في اعالي بلاد ما بين النهرين وليس جنوبها ، حيث أنهم يربطون مابين المواقع العديدة التي تحمل أسم ابراهيم الخليل في مدينة أورفا (الرها، أورهي ) التي تقع الان في جنوب تركيا بالاضافة الى شهادات آباء الكنيسة وخصوصا مار أفرام الذي هو الاخر يربط ما بين ابراهيم الخليل ونمرود ومدينة الرها ، كما الى الاشارات اللغوية التي تتضمنها كلمة (أورهاي) بعد أضافة كلمة (كلذايي) اليها لتصبح (أور هاي د كلذايي) أي اور التي للكلدان وكما هو معلوم من ان كلمة اور تعني مدينة باللغة السومرية لذلك سيكون معنى الكلمة هو ( مدينة الكلدان )

كما أن الشواهد الاثارية الكثيرة التي تدل على أن الكلدان القدامى كانوا قبائل آرامية وكما هو معروف من أن الارامين جاءوا وانتشروا من أعالي الفرات الى الجنوب في المنطقة التي كانت سابقا بلاد شنعار او بلاد سومر ، أنا هنا لا اريد ان اتشعب بهذا الامر كثيرا فبأمكاني أن اذكر العديد من الامثلة التي تشير الى ان المسائل التأريخية يجب أن لا تؤخذ بمفردها كأساس لاثبات أمر ما يتعلق بالحاضر وخصوصا عندما يكون عنصر التسلسل التاريخي مفقود ، كما تجدر الاشارة الى أن ما تلقيناه من معلومات تاريخية لم تكن عن طريق مراسل صحفي ذهب الى الماضي واتى الينا باخباره ، وانما اخبار كتبها الغالبون والمسيطرون آنذاك ، لذلك علينا أن نولي الجانب الواقعي المعاش يوميا أهمية أكبر في مسألة تحديد الهوية ، هذا بالنسبة للجواب الاول للسؤال اعلاه والذي تناول المسألة من جانب تأريخي قديم ، والذي يدل الى أن الاصل التأريخي غير دقيق بحيث يشير من ناحية الى أن الكلدان قبائل آرامية وهذا يقود الى أن المفترض بالتسمية أن تأخذ بالاصل لا بالفرع ، ومن جانب آخر يشير الى الغموض في موطن وأسم هذه الجماعة التي تدعى باللغة العربية كلدان وبالاكدية كلدو وبالعبرية كاسديم ومرة أخرى كلذايي ، أما بالنسبة للأجابة الثانية حول ماهية الكلدان ، فأن الكلدان ألان هم أبناء الكنيسة الكلدانية ، أي المنتمين لهذه الكنيسة التي أطلق عليها هذا الاسم بعد ان تبعت جماعة من اتباع كنيسة المشرق النسطورية كنيسة روما الكاثوليكية فتم اعطاء أسم رمزي (كلدان أو بابل حتى أنه في البداية كان هناك اسم آثور مقترناً بأسم الكلدان ايضا ولكن في آخر الامر تكرس وبصورة نهائية ورسمية اسم الكنيسة الكلدانية او كرسي بابل على الكلدان ) ، فقبل أن يتم هذا الارتباط الذي يدعوه البعض انشقاقا لكون هذه الجماعة انشقت عن الكنيسة الام ، بينما ندعوه نحن اتحادا ورجوعا الى حضن الكنيسة الجامعة الرسولية ، فقبل حدوث هذا الامر لم يكن حقيقة للاسم الكلداني (و الاشوري كذلك) أي وجود او استخدام شعبي أو رسمي وأن وجد فأنه لا يزيد عن ذكر في كتب الصلاة أو اشارات ناتجة عن أجتهادات شخصية ، فخلال الفترة المظلمة بعد سقوط الحكم العباسي ساد التسيب أرجاء هذه الارض التي نحن جزء منها وتحكّمتها الفوضى ، ولكن تجدر الاشارة من أن الاسم الرسمي والشعبي – نوعا ما - في فترة الخلافة الاسلامية الذي أطلق على شعبنا كان (السريان ) والذي كان يرادف (سوريايي أو سورايي أختصارا ) الذي كنا ولا نزال نطلقه على انفسنا ، وبذلك فأن الاسم الكلداني الموجود حاليا لا يتجاوز عمره خمسة قرون من الزمان ، فعلى الرغم من أن هذا الاسم قد أمتلك نوعا من الارتباط لدى المتسمين به وتبلورت حوله بعض الخصوصيات ، ولكن يا ترى هل هذه الخصوصيات التي تبلورت حول أسم الكلدان منذ خمسة قرون الى الآن تجعل من الكرمليسيين مثلا يختلفون قوميا عن الغديدايي كما يختلف ابن السليمانية عن ابن الانبار ؟؟؟!!!.

فحينما نربط الاجابتين مع بعضهما البعض نكتشف أنه هنالك اشكالية في المسألة وعدم وضوح في الفهم في مسألة (الاصل العرقي والتأريخي) لدى المنادين بقومية كلدانية تضم أبناء الكنيسة الكلدانية فقط ، حيث يتبين لنا أن القائلين بهذه الدعوة أعتمدوا نقاطا ضعيفة تخيلية لخلق قومية لا أستمرار زمني لها ، فأنهم من جانب يعتمدون على العمق التأريخي أو على الدلائل التأريخية لوجود اسم الكلدان بربطها بما موجود حاليا من مجموعة بشرية تحمل هذا الاسم ، أذن فالعملية هي ( صناعة قومية ) من دون تسلسل تأريخي وهذا بحد ذاته ليس امرا خاطىء لو اتخذت من أجله سبل انسانية ومنطقية وبراغماتية ، فالامة الامريكية (American nation ) لم يكن لديها تسلسل تأريخي وهي الان من أعظم الامم ، ولكن لم يتم أستخدام كلمة من عمق تأريخي معين وفرضها على الجميع ، لذلك فأن التعبير الذي ينطبق على الاخوة دعاة القومية الكلدانية كقومية منفصلة ومستقلة تضم المؤمنين المنتمين الى حضن الكنيسة الكلدانية فقط ، هي دعوة ذات نطاق ضيق وطائفي ، والا ان كانت المسألة تأريخية فقط فلماذا تم حصرها بكنيسة واحدة وهي الشطر الكاثوليكي لكنيسة المشرق ، حيث هي بذلك همّشت العنصر التأريخي ولغته وما ترتب عنها من بناء ثقافي مشترك ، حتى أننا نلاحظ أن محركي هذه الدعوة ومراجعها هم رجالات كنيسة ، وهذا دليل على أن المسألة ليست قومية ، لان رجالات الكنيسة الكاثوليكية بصورة عامة غير مسموح لهم أن يكونوا قوميين لسبب كبير الا وهو أن الكنيسة الكاثوليكية هي فوق القوميات وهي أم لجميع البشر بدون تمييز قومي ، فمن الممكن أن ينتمي الى رعية غبطة ابينا الباطريرك مار عمانوئيل الثالث دلي أناس ذو أصل عربي أو كوردي أو هندي أو أي عنصر آخر ، وهذا موجود في الفعل ، أذن نحن أمام تحويل للهوية الكنسية الى هوية قومية سياسية ، كما ان بهذا الكلام اشارة ايضا الى حالة الكنيسة الاشورية ، عندما يتكلم رجالها وأساقفتها بنفس قومي مخاطبين أبناءهم ، فهم ايضا يحولون هويتهم الكنسية الطائفية الى هوية قومية ، حيث أن رعاياهم لا يشكلوا قومية مستقله بذاتهم وانما هم جزء من قومية أكبر .

فعندما نقارن هذه الاراء التي برزت هذه الايام بقوة ، والتي معظمها قد أنطلق من ابناء الكنيسة الكلدانية الذين يعيشون في الخارج ، أي انهم أما كلدان امريكيين او كلدان استراليين او اسكندنافيين ..... ، عندما نقارن طروحاتهم ودعاواهم مع تجارب الشعوب المتقدمة والتي هم يعيشون ضمنهم والمفروض انهم جزء منها ، فاننا نجد هنالك تناقضا وابتعادا كبيرا بين ثوابت الفكر القومي وبين أرائهم هذه ، حيث أن من ثوابت العمل القومي هو التوجه الوحدوي الذي يعتبر أن توحيد الامة هو أساس كل نضال قومي بينما نضال هؤلاء الاخوة يعتمد على التقسيم ، حيث من البديهي هنالك جماعة ذات ثقافة واحدة متأتية لانتمائهم اللغوي المشترك وعاداتهم وتقاليدهم المشتركة ايضا ، كما لرغبتهم بالعيش المشترك ، فبالتأكيد لابد لان يتبنى الناشط القومي الحقيقي من هذا الشعب اسلوبا يعمل من أجل توحيده كوسيلة ضامنة لينال بها حقوق شعبه ، وفي حالتنا نحن ضمن هذه البقعة من الارض تكمن نقطة جدا حساسة تدفعنا اكثر من أجل ان نوجّه خطابا قوميا وحدويا جامعا لا مفرقا ، كوننا نحن نتبنى خاصية دينية وايمانية مختلفة عن ما يحيط بنا من جماعات بشرية ، هذا الايمان الذي يعتبر كنزنا الذي نعتز به ، فلذلك أن كانت هناك شكوك من اننا لسنا قومية واحدة ، وهذا غير حقيقي ، فلابد لنا ان نعمل من اجل ان نكون قومية وامة وشعب واحد .

فخلاصة القول أن المسألة القومية أعتمادا على تجارب الشعوب والمفاهيم التي ظهرت خلال القرنين الماضيين حول هذا الموضوع ، نستطيع أن نشخص حالتنا نحن مسيحيو العراق والمنتمون الى الكنائس الشرقية الخمس ، بأننا بالكاد نشكل قومية وذلك أن زاوجنا بين المفهومين الفرنسي والالماني للفكر القومي ، فحقيقة المسألة الديموغرافية لدينا تشكل عنصر أحراج في قضيتنا القومية ، كما أن طبيعة اقليمنا أو منطقة تواجدنا هي الاخرى تعتبر التحدي الاكبر لوجودنا القومي كقومية واحدة ، فكيف أن قررنا أن نكون ثلاث قوميات ؟؟
 

 

* مسؤل الاعلام / المنبر الديمقراطي الكلداني
العراق
 





 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات