| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء  11 / 9 / 2013



افتتاحية المدى

"ميثاق شرف": فـي غياب "شرف المبادرة والعمل"!

فخري كريم  

يتابع السيد خضير الخزاعي نائب رئيس الجمهورية، وجهة سير مبادرته التي اطلق عليها "ميثاق الشرف"، أو معاهدة الشرف. وما يجمع بين التسميتين، كلمة "الشرف" التي تحظى باهتمام استثنائي في قاموس السيد النائب، بوصفه زعيم حزب إسلامي، مثلما تتوحد حول "رمزيتها" الأحزاب الإسلامية، الشيعية والسنية.

وبغض النظر عن مدى جدية المبادرة، والنتائج التي ستتمخض عنها، فأن في "الحركة بركة"، كما يقال في المأثور الشعبي، وليس من المنطق حرمان السيد النائب من دور له، وسط الخراب الشامل الذي يواصل زحفه كل يوم، ليأتي على مساحة مضيئة جديدة، بدت عصّية على زواحف الفساد السياسي.

ولكن قراءة متأنية، لديباجة "ميثاق الشرف" ومقدمته الإنشائية، تثير اكثر من تساؤل وحيرة مريرة. فالمقدمة والبنود العشرة، تُعيد الى الذاكرة كتاب طيب الذكر القصيمي، حول مآثر العرب، ونحته البلاغي المشهور، لعنوان يجمع بين السخرية والمرارة أو "المرارة الساخرة" على ما انتهت اليه أمة، تركت بصماتها في صفحات مشرقة من سِفر الحضارة الانسانية الغابرة. وبفضل عبقرية اللغة العربية ومجازيتها، استطاع القصيمي ان يُخالف في عنوان الكتاب، باستخدامه الذكي، لطاقة المفردة اللغوية في التعبير، وتدفق وغزارة المعاني التي تشع منها، وقوة دلالتها الرمزية، ما اراد توصيفه في اكثر من ألف صفحة من القطع الكبير، لحالة العرب الآن. فأصبح عنوان كتابه "العرب ظاهرة صوتية"، مضرب المثل.

فالورقة "الوثيقة" التي أطلق عليها الخزاعي صفة المبادرة، باتت "نحتاً"، بلا معنى، لا تختلف كثيراً من حيث الشكل والمضمون، عن فحوى خطابات وإهابات رئيس مجلس الوزراء، رئيس دولة القانون، وأمين عام حزب الدعوة الإسلامية، وفريقه السياسي المواكب.

ومن المعروف أن المبادرة السياسية، في ظرف عصيب ومعقد وشديد الحساسية والتناقض، تحتاج الى شرطين متلازمين لنجاحها. أولهما يتعلق بتوصيف صاحب المبادرة، من حيث قدرته على استقطاب الأطراف المتنازعة، ومدى "دالته" عليها، منفردة ومجتمعة. والسيد الخزاعي، مع التقدير لشخصه الكريم، لا دالة له، كما تؤكد شواهد محسوسة، حتى على رئيس حزب الدعوة الأم، ورئيس مجلس الوزراء. ولو كان العكس صحيحاً لما احتاج الى المبادرة، ولكان استعاض عنها بنصح صاحب السلطان، للتخلي عن نهجه وسياساته المغامرة التي كانت وراء انزلاق البلاد الى منحدر ازمات لا نهاية لنزيفها. ولو كانت له دالة على التحالف الوطني، الذي ينتمي اليه، لوضع قيادة التحالف امام مسؤولياتها في معالجة الخلل الذي تعاني منه العملية السياسية، وهو خلل بنيوي مستفحل، تؤكد اطراف التحالف، في سرائرها او على الملأ، انه محصور في شخص المالكي ونهجه وانفراده واستعلائه على اقرب حلفائه.

واذا كان السيد الخزاعي عاجزا عن انتزاع اي قدر من التنازل والتجاوب، من الطرف المسبب لكل هذا البلاء، ومن التحالف الذي يمثله، فكيف له ان "يمون" على اطراف، لا يجمعها معه سوى "سوء تفاهم" مستديم، على تقييم اوضاع "الملّة" المغلوبة على امرها؟!

وتقتضي اي مبادرة في اوضاع ملغومة، وفي بيئة "انعدام ثقة" شبه مطلقة، لا بين المالكي والمعارضين "المارقين" على سلطته من الكتل البرلمانية، فحسب، بل أيضاً مع طرفين رئيسيين في التحالف الوطني، ان يكون "المُبادر" على مسافة واحدة من المتحاورين، ومعروفاً عنه "الحياد" والحزم في اتخاذ موقف، قد يتعارض مع كتلته اذا رأى في ذلك انحيازاً لمصلحة وطنية، يعكس ارادة الاكثرية، ويعبر عن نبض "الامة" ومواجعها. وهذا وفقاً للتجربة، متعذر على السيد النائب، بحكم ولاءاته، وكونه "جزءاً من الازمة" وبصفته اميناً عاماً لحزب الدعوة (تنظيم العراق) المشارك والمتشارك في الرأي والتقييم مع المالكي في التعامل مع الوضع القائم على الفساد وسوء التدبير.

ومن "أس" نجاح اي مبادرة، انطواؤها على "امكانية" تضييق مساحة الخلاف، مهما كانت ضئيلة، او تخفيف جانب من التوترات السائدة، واحتواء ولو محدود لبعض مظاهر الازمة المستعصية، او تفكيكٍ لتشابكاتها المعقدة. وليس في مبادرة السيد الخزاعي، كما هو واضح حتى الآن ما يؤشر على ذلك، اذا ما تجاوزنا ما تنطوي عليها، من قرائن المنشدة والتوسل، والدعوة "المجانية" لتلطيف الخطابات المتوترة، وتجنب كشف المستور من "العوار" الذي تعاني منه السلطة، بتعميمها في وسائل الاعلام.

وتنتهي المبادرة "اللفظية" الفائضة عن الحاجة، الى الدعوة الخالصة بالتمسك بأذيال الفضيلة والحكمة والتسامح. وكأن التحديات والمخاطر التي حركت المبادرة، ما هي سوى مسّ من الجن، سيخرج صاغراً منبوذا بدعوات المتخاصمين، وسكينة نفوسهم!

يبقى ان يكون السيد نائب رئيس الجمهورية، مدركاً ان فشل مبادرته، سيترتب عليه، مضاعفة الخيبة والمرارة بين ابناء الأمة المكابرة، الصابرة على الضيم والمسغبة، دون ان ينفع في منع تداعياتها، الادعية والصياغات البلاغية المشبعة بالهواء الجاف.
واذا تجاوزنا كل ذلك، فما الذي سيبحثه اللقاء المنتظر، وما هي محاوره ومفرداته؟

لو اراد السيد الخزاعي ان يسجل لنفسه مأثرة وطنية، لكان مهّد للقاء باستجابة المالكي، لبعض ما جاء في وثيقة اربيل- النجف، ولن نقول كلها. ولو كان جاداً في إنجاح مبادرته، لضغط على امين عام حزب الدعوة الاسلامية، بحكم ما يجمعهما من وشائج ومصالح واهداف، ليشغل الوزارات الشاغرة، بأي مرشح من الشخصيات التي قدمتها العراقية، وليس فيها ما يعيب ويستفز. وكذلك لبادر المالكي وسحب يده من وزارة الداخلية وعين لها شخصية وطنية تحظى بقبول التحالف الوطني.

عيب القيادات الاسلامية الحاكمة، كثير الشبه بعيوبنا، نحن العلمانيين. فأغلبهم يفيض في الحديث عن الدين والمذهب والفرائض، وتكتشف في لحظة عابرة، ان ما يسرده ويحفظه عن ظهر غيب، انما هو مستل من الطبعات الشعبية لكتب الاذكار والاوراد والزيارات. وهذا ما يكاد يشبه حال بعضنا، حين يتحدث عن "فائض القيمة" واستغلال الانسان لاخيه الانسان، ويتبين انه لم يسبق له ان قرأ رأس المال او "اصل العائلة" او "المادية التاريخية"، والتقط مفاهيم مشوهة عنها في كراريس الدعاية والملخصات التعليمية الفظة.

قال النبي العظيم : اذا اراد الله بقوم سوءاً، علمهم الجدل، ومنعهم من العمل!


المدى
العدد (2889) 11/9/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات