الأحد 10/2/ 2013

الزمن الجميل في مدينتي البصرة لطيف صالح اسرتني نفسي ان احدثكم عن مدينة طفولتي وشبابي البصرة... البصرة العريقة بتاريخها الحافل ادبيا وسياسيا... البصرة الحنونة, الوديعة, الطيبة, الحلوة كحلاوة تمرها والمشهورة بتقاليدها الجميلة الرائعة, وتآلف اهلها وحبهم للجيرة والتعاطف والتواصل فيما بينهم سواءا في افراحهم او احزانهم. فالمحلة تشكل مجتمعا مصغرا لعموم مدينة البصرة, فالجار الجديد القادم الى محلتهم يعتبر بشارة خير ومحبة فيتسارعون لاعداد الطعام له حيث انه ما ان تطأ اقدامهم البيت الجديد حتى تطرق صبية صغيرة الباب (امي تكول لا تطبخون اليوم غداكم علينا), ويتكرر المشهد من جيران اخرين . اما في ايام الجمع وشهر رمضان ترى الصواني المحملة بما لذ وطاب متجهة الى اقرب جامع حيث ينتظرها المحرومون والجياع . اذا نجح الشبان والفتيات في امتحاناتهم تصدح الهلاهل (الزغاريد) ويوزع الشربت والحلوى على البيوت. في المحلة الواحدة يتجاور المسلم مع المسيحي والصابئي واليهودي حيث يتزاورون فيما بينهم. واذكر ان والدتي كانت تذهب من البصرة القديمة الى العشار لتزور عائلة يهودية كانت تربطنا واياها علاقات وطيدة وكانت عائلة خالي الحاج وخالتي وانا نسهر كل ليلة اربعاء عندهم حيث الحكايات الجميلة والسمر. كانت مدينتي الفيحاء تعج بالفرح والغناء ورقص (الهيوه), وفي مواكب الاعراس تصدح ابواق السيارات تحية لهذا العرس المبارك من القريب والغريب. اما في عيد نوروز الذي يعتبر كرنفالا حقيقيا حيث تتجه عشرات بل مئات العائلات البصراوية الى شارع الكورنيش حيث تفرش ابسطتها بالقرب من ضفاف شط العرب ويعدوا موائدهم بما حملوه من الفواكه والمعجنات ولاسيما الخس, يتفرجون ويلوحون الى ركاب القوارب والماطورات والابلام الذين يضربون على طبولهم ودفوفهم واغانيهم تصدح, يجوبون شط العرب ذهابا وايابا ليغدو الموكب اسطوريا حتى ان البواخر الاجنبية الراسية في شط العرب تطلق صفاراتها مشاركة بهذا الفرح. البصرة الجميلة المناضلة من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة.... مدينة عمال الميناء واضراباتهم, والطالبات والطلاب بتظاهراتهم, ودور منظمة الحزب الشيوعي ومنظماته الديمقراطية التي كانت تعمل بجد وحماس على تطوير الوعي الاجتماعي فترى البيوت مشرعة ابوابها لاستقبال الاهل والجيران والضيوف... كانت علاقة الصداقة بين الشابات والشباب مبنية على التقدير والاحترام والحشمة . يقوم بعض شباب المحلة النشطين بتنظيم سفرات للعوائل بشكل مختلط الى الاثل او بساتين ابو الخصيب الواقعة على شط العرب. في مدينتي البصرة وردة البستان اعتاد اهلها من البصرة القديمة او العشار بعد قيلولة الظهيرة وانتعاش الجو قبل الغروب ان يتوجهوا الى سوق الصيادلة (سوق الهنود) حيث المحلات الزاهية والزاخرة ببضائعها الجميلة ودكاكين البهارات الهندية التي تعبق بالجو وهم يحييون بعضهم البعض بالابتسامات والمرح, وكذلك الحال في الشارع الوطني والكورنيش حيث الكازينوهات والبارات والملاهي والمقاهي. في مدينتي البصرة اكثر من اثني عشرة دار عرض سينمائية شتوية وصيفية حيث تقصدها العوائل لاسيما عند دور الساعة التاسعة مساءا وهم يرفلون اناقة وهنداما. اما الحديث عن منطقة ام البروم التي لا تنام ومنطقة المعقل بحدائقها الغناء فلها حديث طويل اخر.     غوتنبرغ 12/2/2013