| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين  10 / 3 / 2014

 

افتتاحية المدى
 

أولاد الخايبة في ظل "دولة القانون": "فقاعات" وزراء الصدفة ومحنة العراقيين..

فخري كريم 

بقدر انحدار الدولة العراقية واقترابها من الهاوية، تتسع دائرة الفضائح والخروقات اليومية للدستور، والأكاذيب التي تُساق على ألسنة وزراء وقادة "دولة القانون" والحزب الحاكم. ولكثـرة ما يسمعه المواطن من تلفيقات وتجاوز على القوانين، وخرق للدستور، وتلاعب بمقدرات الناس، وفساد ونهبٍ للمال العام علناً وبلا أي شعورٍ بالخطيئة أو الخوف من الملاحقة القانونية، صار هذا المواطن لا يجد ما يداري به حيرته، وقلة حيلته، إلا أن يردد مع نفسه، ليجاري حكومته الإسلامية، وقادتها "المتدينين": لا حول ولا قوة الا بالله..! لعل في ذلك شيئاً من الشفاعة وتخفيف المصيبة..!

ان ثروة الامم والشعوب، تقاس بحجم ما يصيب أبناءها من منجزات تؤّمن لهم الرفاهية والتطور في العلوم والاداب والتربية، واقامة دولة القانون والمؤسسات الضامنة للحريات والحقوق والعدالة الاجتماعية، تبعاً للنظام الاقتصادي - الاجتماعي والسياسي.

اما ثروة العراق التي تضاهي موازنات عددٍ من الدول المجاورة والبعيدة، فتقاس بحجم الفضائح، وبعدد الشركات الوهمية المتصاهرة مع قادة الدولة وبناتهم وابنائهم، وبمؤسسات وسماسرة غسيل الاموال الحرام، ووسطاء "البزنس" و"الكومشن" الذين اصبحت أسماؤهم إعلاماً يشار لها بالبنان، في الداخل والخارج.

ومن الصعب ان تحصد هذا القدر من الفضائح والارتكابات المخلة بالشرف والاخلاق، في اي دولة مهما كانت متخلفة وفقيرة، في غير عراق الدولة الفاشلة وحكومتها الرشيدة.

وقد حاولت ان أحدد موضوعاً واحداً فقط، لأتناوله في معالجة اليوم، فأصبت بالخيبة، وتشتتت أفكاري حول اي موضوع يكتسب الأولوية بالنسبة للمواطن العراقي، غير الملوث بوباء الطائفية او العمى السياسي الذي يجعله يتغافل عن جرائم ترتكب أمام عينيه، ويظل ينحاز إلى إطارٍ طائفي فاسد بانت عيوبه، ولم يعد نفسه حريصاً على رد التهمة عنه.

ولتجاوز الحيرة، رأيت ان امر على عددٍ من الاقترافات المتصلة لقادة الدولة من رهط "دولة القانون" والحزب المالكي الحاكم، والوزراء المتضامنين معه، واترك للمواطن والقارئ، ان يداري معي الحيرة، لعلنا معاً، نتضافر ولو بعد حين، ونكسر ظاهرة الصمت المشين، وما يسببه من ضرر بالغ علينا وعلى مستقبلنا :

نبدأ بأبي مهدي، الوزير هادي العامري. الذي نطّ بعد صمت، وهبط في مطار بيروت، مع حشدٍ من المرافقين، وحشدٍ من المستقبلين، وبدلاً من اعلان استقالته، وهذا ما يفعله أي وزير يحترم كرامة شعبه، ويتمثل بخُلق من يدعي اتباع سيرته، ويندد بولده المعروف في اوساط رجال الاعمال والشركات في بيروت، بعد عمان وبغداد، اعلن ان ما حصل ليس سوى "فقاعة" وهذه الفقاعات التي يجري تضخيمها من قبل الإعلام، لا قيمة لها في العلاقات بين لبنان والعراق، وانه قرر "على مسؤوليته الشخصية" اعطاء الموافقات على زيادة الرحلات، "قبل توقيع الاتفاق"!
ان السيد الوزير المحترم، يبيع ويشتري على "مسؤوليته الشخصية"، واكاد اجزم انه يفعل ذلك في كل امور وزارته وإدارة مصالحها، دون ان يعرف (وكيف له ان يعرف؟) موازين القوانين والعقود التي تحفظ حقوق العراق، وهو اذ يفعل ذلك، فإنما "يغرف" من خبرة وطريقة رئيس وزرائه في ادارة الدولة الفاشلة والفاسدة بامتياز نُحسَدُ عليه.

وبتعهده المنافي للأعراف الحكومية، ومنطق المصلحة الذي تفرضه عليه وظيفته المؤقتة كوزير، يظن انه يطوي فضيحة الطائرة المغدورة بجريرة ولده المدلل مهدي العامري، المعروف على نطاق واسع في محافل رحال الأعمال، و"البزنز" في عمان وفي بيروت، وربما توقع أن يسمع اعتذاراً من الوزير اللبناني، الحريص على التقاط المناسبة، لتحقيق منجز لدولته، ومن رئيس الشركة، لعدم انتباهها الى ان المتأخر عن موعد اقلاع الطائرة هو ولده المدلل القادر على تقديم خدمات جليلة للبنان والميدل أيست..!

وفي حوادث الامس، تصدى السيد العبادي، القيادي البارز في حزب الدعوة ودولة القانون، للخلاف المفتعل الذي يديره المالكي، بمساعدة دائمة من الشهرستاني، بدوافع انتخابية "طائفية" بائسة، واعلن مثل اي مواطن لا معرفة له بشؤون المال والدولة، انه لا يعرف اين تذهب اموال مبيعات نفط اقليم كردستان، و"لا يدري احد اين تذهب"! ويتحامل مثلما كان يفعل اركان النظام الدكتاتوري السابق، على الاقليم، ويسعى خائباً لتحريض المواطنين الكرد على حكومتهم.

والسيد العبادي معروف بتجلياته الاعلامية، وحرصه على ان يكون ظاهراً على الشاشات التلفزيونية، كلما تعلق الامر بخلاف مع اقليم كردستان، او مع الكتل الاخرى، مع ان المفترض ان يقلل من هذا "التنطع" الضار بنواياه في ان يكون البديل عما هو قائم. ورغم الانتظار الطويل، لم ينبس العبادي وقادة حزب الدعوة الحاكم ببنت شفة، عن مليارات الدولارات الضائعة والمبددة بالنهب والفساد على أيدي قادة الدولة وعلى مقربة منه، وبعلمٍ أكيد من الدوائر المحيطة به. ثم اذا كان على هذا الحرص بشأن أموال العراق، فأين هو من ملفات الفساد والرشوة والفضائح المالية التي قيلت عن عقود السلاح، وغيرها من الصفقات التجارية بالمليارات المهدورة، وهي فضائح اثيرت في وسائل الاعلام واروقة مجلس النواب، واجتماعات مجلس الوزراء، وعلى لسان رئيسه، وزعيم حزبه المالكي، وهو يلوح طوال ولايتيه بملفات الفساد التي من شأن "فتحها" قلب الطاولة على رؤوس قادة الكتل، وتحويل البرلمان الى حلبة مصارعة وتبادل الضرب بالكراسي. ثم من يعرف ايها السيد العبادي، باموال النفط التي تتسرب، بلا عدادات من منافذ البيع..؟

لو كانت للعراق حكومة رشيدة، تحترم الدستور، ولا تفرط بالوحدة الوطنية، والتوافق غير المختل باللوثة الطائفية، وتسترشد بما قامت عليه العملية السياسية "على علّاتها"، لما اصبح الوضع على ما هو من ازمات لانهاية لها، ولما تلاعب وعبث بها جماعة من المغامرين الذين لا هم لهم سوى تمرير وتكريس ما يُديم لهم نهب الثروات، والاستمتاع بالرتب والامتيازات، ولما تنطع مسؤول في اللجنة المالية في البرلمان ليقول "عيباً" انه لا يعرف اين تذهب اموال النفط في كردستان، مع انه لا يقول انه يعرف كيف تُنهب اموال العراق، ويتفشى الفساد المالي والاداري امام عينيه..؟!

اما الحدث الابرز في حواريات الامس والايام الماضيات، فهو رئيس مجلس الوزراء. ودون توقفٍ منه، واصل المالكي توزيع تعريضاته واتهاماته شمالاً وجنوباً، على حلفائه في "التحالف الوطني الشيعي" قاصداً هذه المرة ايضاً، زعيم تيار الاحرار "المُستعفي من المسؤولية" السيد مقتدى الصدر، بعد ان ناش بسهامه رئاسة البرلمان، والنجيفي شخصياً.

يقول السيد المالكي، الذي بدا في خطبة الاربعاء الاخيرة، انه "ضليعٌ حد الحسد" بالدستور ومواده ومضامينه وتفسيراته، ان السيد الصدر غير "معنيٍ بالدستور" وأن "الدستور لا يعني شيئاً عند الصدر"!

وكان السيد المالكي قد افاض في خطابه عن "خرق البرلمان للدستور"، وتحريف رئاسته لعمل السلطة التشريعية، واتهم "هيئة رئاسة البرلمان بالحكم عليه بالانتهاء". مؤكداً هذه المرة، ان رئاسة البرلمان، هي من تتآمر عليه وعلى حكومته لافشالها، وقد تمكنت من ذلك، مبرئاً ساحة الدول "المتآمرة" الاخرى من هذه التهمة! وختم اطروحته الدستورية، بنعي البرلمان العراقي، الذي انتهى "حسب تقديره" من خلال مجموعة المخالفات الدستورية، وإغراقه بالتشريعات الباطلة! والمقصود من وجهة نظر الوزير الاول في الدولة الفاشلة، ان السلطة التشريعية المعنية بإصدار القوانين، تتلاعب بما يحول إليها من قوانين، بالتعديل او الاضافة، خلافاً لما يريده لها من الالتزام بحرفية المقترحات القانونية التي يُفترض انها معنية بإقرارها بعد اجراء التعديلات والاضافات عليها. بل إنها، لو لا التدخلات المخلة بضغطٍ من المالكي، هي السلطة المفوضة وفقاً للدستور بالتشريع دون اي تدخل من السلطة التنفيذية او القضائية.

السيد المالكي، لم يكتف بالخرق المستمر للدستور والتجاوز عليه يومياً، وتعطيله عبر كتلته "دولة اللاقانون" ووسائل أخرى، وهو يحاول اليوم، ونحن على بعد اسابيع من الاستحقاق الانتخابي، ان يأتي على ما تبقى من صلاحيات مجلس النواب، فيفرض عليه امرار ما يريد، دون التزامٍ بحصول النصاب المطلوب لذلك، بل هو يلوح باستفزاز "بانتهائه" اي باسقاطه! والمالكي لا يدرك بان هذا التلويح ما هو الا افدح خرق للدستور، يُلزمه بالاستقالة الفورية، لو انه يحترم ولو بالحدود الدنيا دستور بلاده الذي بفضله اصبح في موقع قد لا يستحقه.

والمالكي إذ يتحدث عن السياقات الدستورية، عليه ان يتوقف عند طائفة من المخالفات الدستورية، الادارية والمالية والقانونية التي تضعه امام المساءلة والقضاء، عاجلاً أم آجلاً، مهما توهم ان ذلك بعيدٌ عنه.

ويكفي إيراد حقيقة تؤكد بالادلة والوقائع الدامغة، ان حكومته "الناقصة" منذ تشكيلها، ومنذ التزم امام البرلمان والرئيس بإمهاله بضعة ايام لإكمال وزاراتها الشاغرة، هي حكومة خاضعة هي وقراراتها، لما يجعلها غير شرعية وباطلة. كما ان ديوان حكومته ورئاستها ومستشاريه، كلهم مطعون بشرعيتهم، لان البرلمان لم يصوت على اعتمادهم في وظائفهم. اما قادة الفرق والاجهزة الامنية والهيئات المستقلة وغير ذلك من الدرجات الخاصة، فهي باطلة، لا شرعية لها، وُيقاضى المسؤول عن امرارها بحكم الدستور، لانها جميعاً لم تخضع لدراسة البرلمان ولم تقر وتصادق على التعيينات المذكورة، واغلبها خطير لوظائفه علاقة بالأمن العام والسلامة الوطنية والحريات العامة والخاصة.

بقي ان نذكّر المالكي بان ما سيكون وبالاً عليه "دستورياً" ويتطلب منه الاسترحام بعفو برلماني، والتزامٍ من القوى السياسية والشعب، هو التجاوز الخطير على الدستور الذي اكد صراحة، ودون اي لفٍ او دوران، على تحريم تحريك القوات المسلحة في زمن الحرب او السلم، دون موافقة برلمانية صريحة وواضحة عبر التصويت.
والجريمة الأكبر دستورياً، تتمثل في زج الجيش والقوات المسلحة في الصراع السياسي، واستدراجهما الى الميادين والساحات لترويع المواطنين المسالمين، وضربهم وترويعهم، ناهيك عن تعذيبهم وقتلهم امام عدسات التلفزيون..!

والباقي... يعرفه هو شخصياً، لكنه لن يخفى على من يريد ان يعرف، ويحقق العدالة، ولو بعد حين...


المدى
العدد (3027) 10/3/2014


 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات