| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                        الجمعة 10/6/ 2011

     

المندائيون ..غربة في الوطن

حسين طعمة

في عالمنا الغرائبي الجديد ، الندبة السوداء في جبين التأريخ ، تنسفح الدماء في شوارع المدن وتصير ساحاتها حمامات لدم يراق كل حين . تنحسر عن أفاق الوطن أقماره ونوره ويصير هواؤه سما زعافا يظهر بين الفينة والفينة من كهوف الظلام وأقبية الموت أفاقون يحملون حرابا وخناجر يغرزونها في خاصرة الوطن ، من ثم يهللون ويكبرون رافعين راياتهم المخضبة بدماء الأبرياء علامة لنصرهم . حين تتقيح الضمائر ، يمسخ الإنسان غولا وتظهر نوازعه المدمرة ويغرس أنيابا يقطر منها الدم في قلوب الآخرين .عبر تأريخ مدننا الثكلى بالتوجع ، وقبل الهجرات العديدة من كل أصقاع الأرض ، كان هنالك من عاش طويلا على هذه الأرض ، تمتد جذورهم عبر أزمنة سحيقة ، كان المندائيون هنا ... بقلوبهم الناصعة البياض مثل لباسهم ، يحنو الفرات عليهم ويغمرهم بالنور والمحبة والطهر .المندائيون ملح هذه الأرض وزهرة حدائقها ، عرفوا التوحيد قبل ان تعرفه البشرية ، فتحوا قلوبهم النقية لكل الذين ضاقت بهم السبل ، والذين هاموا في الأرض يبحثون عن ارض خصب وحياة يسيرة ، فجمعتهم بالآخرين قلوب مليئة بالمحبة والوئام . لم يشعلوا حربا أو يسفكوا دما ، ومن فرط هذا النقاء كانوا ضحية لبربرية الإنسان ووحشيته ، فكان صبرهم أسطوريا تحملوا فيه الكثير من المآسي والمحن ولم تسلم عقائدهم من التشويه والتحريف ، فألقى كثير من المتعصبين التهم جزافا على ديانتهم التوحيدية وطقوسهم بأساليب عنصرية مقيتة ...

في بدايات المعرفة ، أول عهدنا بالدراسة الابتدائية كان معلم الدين يغمر قلوبنا بألق أنساني فريد ، ونورا يسطع في حياتنا القادمة (لكم أخوة معكم الان من المندائيين في الصف يتوجب على الجميع أن يكونوا جنبا إلى جنب ، لا يفرقنا اختلافنا في الدين ، فكلنا أبناء هذا الوطن) هذا ما علق في ذاكرة الصبية ذلك الحين (ولتتذكروا يا أولاد إن ابناء الوطن الواحد ، لهم أديان عديدة مثلما يختلفون بالقومية واللون والأفكار ، لكنهم جميعا يجتمعون إخوة تحت علم الوطن) هذا ما تعلمناه صغارا ، من منطق السمو الإنساني والرقي الحضاري . تلك بذرة صغيرة زرعها معلم الصف الأول في وعينا الصغير ، لتكبر وتنمو لتصبح شجرة كبيرة للسلام ، بعيدا عن كل ما يسوء الإنسان وينال من شأنه وقيمته ، من بغض وكراهية .

فلنقرع الأجراس الآن ، أجراس السلام بين أبناء الوطن الواحد ، ولتنطلق حناجر وأقلام ترد الاعتبار لإنسانية الإنسان المهدورة ، وكذلك لقيمه وأخلاقه وأديانه ، تلك التي تنشد السلام بين البشر وتغمرهم بالطمأنينة والمحبة ، لا فرقة ولا سفك دماء وحينما يصطف الجميع ، وخاصة من له الدور المؤثر في الناس ، مع أبناء الأقليات الدينية ، سنكون حتما من أحباء الله ، ومخلصون صادقون للوطن . ان الذين يشيعون الهلع والخوف بين الناس لم يغمرهم الإيمان وهم يريدون أن يكونوا بديلا عن خالقهم في شرائع غريبة وبعيدة عن شرائع الأديان كافة ، شرائع تمتهن فيها كرامة الإنسان ووجوده ، حين لا يسلم منها حتى ابناء دينهم الواحد بمذاهبه العديدة .

لقد سنت قوانين عديدة في الدساتير العراقية تجلت في نصوصها احترام الأديان كافة ، ولكننا نريد أن تحكمنا إنسانيتنا قبل أن تحكمنا الدساتير والقوانين . إننا نقف الآن في مفترق طرق وهو اختبار حقيقي لهويتنا الانسانية ونختار بين أن نكون أو لا نكون .
 

الناصرية

free web counter

 

أرشيف المقالات