| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

زهير عبدالملك

 

 

 

الأثنين 18/1/ 2010



إذا لم تكن جريمة إبادة جماعية فما عساها تكون ؟!!! *

زهير عبد الملك

بعد أيام من الجريمة التي ارتكبها حزب البعث العربي بقصف مدينة حلبجة الكوردية بالسلاح الكيماوي، صرح الرئيس أحمد بن بلة قائلا " إنني أدعو حكومة الجمهورية العراقية للكف عن حرب الإبادة ضد الشعب الكردي، وأدعو الحكومات والقوى السياسية في الوطن العربي والعالم الإسلامي للخروج عن صمتها وممارسة الضغط من أجل إيقاف هذه المجازر… إن هذا الشعب هو في محنته اليوم يستحق من إخوانه العرب والمسلمين أن يرفعوا أصواتهم لحمايته من الإبادة، وهو أضعف الإيمان، ولكي لا يسجل التاريخ بأننا علمنا وشهدنا وسكتنا."

ففي 15/3/1988 احتلت القوات الإيرانية والكردية مدينة حلبجة بعد معركة تكبد خلالها الجيش العراقي خسائر فادحة في الأرواح، شنت الطائرات العراقية في اليوم الثاني على مدينة حلبجة غارات استمرت عدة ساعات.
وفى ما بعد ظهر نفس اليوم استشعر السكان داخل ملاجئ الاحتماء من الغارات الجوية وجود غازات برائحة تماثل رائحة التفاح والثوم. وما أن خرجوا إلى الشوارع حتى بدأت تنتابهم نوبات من الضحك الهيستيرى، وأخذوا يتساقطون على إثر ذلك وقد فارقوا الحياة. وهكذا تراكمت جثث السكان والحيوانات هنا وهناك في شوارع المدينة. وشوهدت جثث أخرى على عتبات المنازل بينها جثث لأطفال صغار يبدون وكأنهم نائمون.

لقد جاوز عدد ضحايا هذه المجزرة الرهيبة باستعمال السلاح الكيماوي والغازات السامة 5000 إنسان، وزاد عدد المصابين من الأحياء الذين سيحملون آثار الحروق وتشويهات أخرى هم وذريتهم من بعدهم سنين طويلة عن 000 10 نسمة.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تستخدم السلطات العراقية هذا السلاح المحرم دوليا. فقد قصفت الطائرات العراقية بالأسلحة الكيماوية خلال عام 1987: منطقة باليسان (أربيل) ودوكان (السليمانية) والقرى التابعة لمنطقة العمادية. وعاودت قصف المدن والمواقع التالية عالم 1988: منطقة دوكان (للمرة الثانية) ومدينة حلبجة ومنطقة قره داغ (السليمانية) وماوت ومنطقة شوان وشيخ بزي (كركوك) وسهول كويسنجق وأربيل (عدة مرات) ومنطقة خواكورك (مثلث الحدود العراقية - الايرانية - التركية)، وباهدينان (محافظة دهوك). وكانت القوات العراقية قد قصفت بالأسلحة الكيماوية خلال الحرب الإيرانية - العراقية عام  1984 مواقع كردية بالقرب من حاج عمران وخانقين ويقدر العدد الإجمالي لضحايا هذه العمليات بنحو 000 20 نسمة.

وعلى الرغم من نداءات التحذير التي وجهتها المنظمات والأحزاب السياسية الكردية ولاسيما تحذيرات الأحزاب السياسية الكوردية إلى الأمم المتحدة وإخطارها باستخدام السلطات العراقية للأسلحة الكيماوية في 16 و 17 و 23 ابريل/نيسان وفى 15 و 19 و 25 مايو/أيار و 4 سبتمبر/أيلول 1987، ونداء زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني السيد مسعود بارزانى يوم 25/6/1988، ووصول بعض ضحايا عمليات الأنفال إلى أوروبا للعلاج، والتقديرات التي نشرتها الصحف الغربية الرئيسية مثل The Daily Telegraph يوم 24/4/1987 و The Guardian يوم 2/5/1987 و Internatinal Herald Tribune يوم 12/5/1987 إلا أن المجتمع الدولي لم يتخذ أي إجراء لمنع السلطات العراقية من استعمال الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا.

والتزمت معظم بلدان العالم في الشرق والغرب وفى العالمين العربي والإسلامي ، باستثناء بعض الأحزاب السياسية اليسارية والمنظمات الإنسانية والمدافعة عن حقوق الإنسان والشخصيات المعروفة، إلى استنكار هذه المجازر الرهيبة. ويذكر أن مؤتمر القمة الإسلامي كان قد انعقد في الكويت يوم 20/3/1988 أي بعد أيام من قصف مدينة حلبجة الكردية بالأسلحة الكيماوية وناقش هذا المؤتمر كافة الموضوعات، من المسألة الأفغانية إلى قضية الفلسطينيين ومن الحرب العراقية - الإيرانية إلى مسألة وجود الأتراك في بلغاريا المضطهدين بسبب انتمائهم العرقي. واتخذت القمة قرارات تتعلق بهذه المسائل. لكن المجزرة التي ارتكبت بحق الأكراد لم تكن على جدول أعمال المؤتمر. ولم يتداول المؤتمر بشأن هذه المسألة. ووجه المؤتمر احتجاجا إلى الاتحاد السوفييتي بسبب وجوده في أفغانستان، وإلى إسرائيل بسبب سياستها الإرهابية ضد الفلسطينيين وإلى بلغاريا بسبب عزمها على تغيير أسماء الأتراك لتحويلهم إلى بلغاريين. ولم يطرأ على بال أحد من المؤتمرين أن يحتج على نظام صدام حسين أو يأتي على التنويه بذلك.

ولعل من المناسب أن نورد لاستكمال استعراض هذه الجرائم المرتكبة بحق البشرية
- نص تقرير المنظمة العربية لحقوق الانسان - القاهرة - 1988،
- ونبذة من تقرير لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي - واشنطن - 1988،
- وشهادة اوبان هيندريكس الأستاذ المتخصص في المواد السامة أمام المؤتمر الدولي الذي نظمه المعهد الكردي في باريس بمساعدة مؤسسة (فرنسا - الحريات) يومي 14 و 16 أكتوبر/تشرين الأول 1989 في مركز المؤتمرات الدولية بباريس تحت عنوان (الأكراد) حقوق الإنسان والهوية الثقافية.

1 - المنظمة العربية
القصف الجوي لمناطق سكنى المواطنين الأكراد:
انتشرت الأنباء خلال شهر مارس/آذار عن قصف جوي قامت به القوات العراقية لبعض المدن والقرى التي يقطنها الأكراد في شمال العراق ووصف بأنه كيماوي، وقد وقعت أسوأ غارات القصف يوم 16 مارس/آذار على مدينة حلبجة التي يبلغ عدد سكانها حوالي المائة ألف نسمة وبعض المدن والقرى المجاورة لها، ثم تكرر القصف في اليوم الثاني والثالث بشكل مكثف.وقد وصلت الى المنظمة العربية لحقوق الإنسان شكاوى عديدة ونداءات استغاثة بعد عملية القصف الكيماوي هذه ومن واقع هذه الشكاوي ومن تقارير مراسلي الصحف أن الآلاف اضطروا الى الهرب من المنطقة والتشتت. وقد شوهدت جثث الضحايا متناثرة في شوارع مدينة حلبجة حيث داهمهم القصف فقتل من قتل فورا ومن بينهم أمهات تحتضن أطفالهن واسر كاملة في مكانها وقد فارقت الحياة. وأفادت التقارير أن الطيران العراقي استخدم ثلاثة أنواع من الغازات في قصف حلبجة والمنطقة المحيطة بها هي غاز الخردل وهو غاز يسبب حروقا حادة في الجلد والرئة وغاز السيانيد وغاز الأعصاب، وذكر شهود القصف المصابون الذين نجوا من الموت أن من الغازات المستخدمة ما أدى إلى وفاة الضحايا فورا وبشكل مباغت وأخرى أصابت بآلام مبرحة وصعوبة في التنفس أدت إلى موت تدريجي بطيء. هذا وقد أكدت الشكاوى التي وردت إلى المنظمة أن القصف لم يندرج في إطار العمليات العسكرية بين إيران والعراق حيث أن المنطقة لم يكن بها أي قوات إيرانية حينذاك.

ولقد سارعت المنظمة العربية لحقوق الإنسان فور علمها بالأنباء وتلقيها الشكاوى بمخاطبة السلطات العراقية مرات متكررة فأعربت لها عن قلقها البالغ إزاء الأحداث المذكورة وطالبت بتقديم إيضاح عاجل لما جرى وذكرت المنظمة في مخاطبتها السلطات العراقية بالقانون الدولي الأساسي وما نصت عليه اتفاقيات جنيف لعام 1949 من حماية المدنيين في وقت الحرب وأحكام بروتوكول جنيف لعام 1925 والخاص بحظر استخدام الأسلحة الكيماوية. وقد ناشدت المنظمة السلطات العراقية إجراء تحقيق فوري في مسألة قصف مدينة حلبجة والمنطقة المحيطة بها واتخاذ تدابير عاجلة لحظر استخدام الأسلحة الكيماوية ومحاسبة المسؤولين عن استخدامها إن ثبت.

وفي نهاية شهر أغسطس/آب انتشرت أنباء جديدة عن قصف القوات العراقية لقرية ميس في شمال العراق بالغاز السام صباح يوم 25 أغسطس/آب. وذكرت الأنباء أن اغلب سكان القرية الذين يبلغ عددهم سبعمائة قد فروا نتيجة للقصف وان الحيوانات كالحمير والماعز والقطط قد نفقت. أما من نجوا من الموت فقد هربوا سيرا على الإقدام إلى المدن الواقعة على الحدود بين العراق وتركيا وهم الذين نقلوا أنباء عما حدث في قريتهم وكشفوا جروحهم وحروقهم وشعورهم المتساقطة للصحفيين الذين وصلوا إلى المنطقة.

وقد خاطبت المنظمة العربية لحقوق الإنسان السلطات العراقية مجددا بشأن هذه المزاعم الخطيرة ووصلها نفي قاطع لها من جانب هذه السلطات. والمنظمة إذا كانت قد أولت ومازالت تولي أهمية قصوى لهذا الموضوع فان هدفها هو كشف الحقيقة، وفي نهاية الأمر نفي أي شبهة اضطهاد أو ملاحقة لأي إنسان من أي جنس كان.

2- مجلس الشيوخ الأمريكي
في مارس/آذار 1988 هاجمت القوة الجوية العراقية بالأسلحة الكيماوية مدينة حلبجة التي يبلغ تعداد سكانها 000 70 نسمة. وكانت نتائج هذا القصف الموثق من قبل الصحفيين والكاميرات التلفزيونية الغربية مذهلة. فقد قتل هذا خلال القصف ما يزيد على 4000 إنسان معظمهم من الأكراد العراقيين وجلهم من المدنيين. فقد محيت من الوجود اسر بكاملها، وشوهدت جثث الرجال والنساء والأطفال مبعثرة في شوارع المدينة. كما أزيلت من الوجود إشكال الحياة الأخرى، ونفقت الخيول والقطط والماشية حول المدينة.
لقد كان استخدام العراق للغازات السامة ضد أبناء شعبه في مارس/آذار دليلا على اليأس والتهور كما انه يعكس القساوة البالغة لنظام مستعد لأن يرتكب أي عمل لكي يتغلب على خصومه. وفي هذه الحالة نجحت قساوة النظام في تحقيق رغبته.

لقد نقل التلفزيون الإيراني صور الدمار الذي أصاب حلبجة (كما نقل صورا لضحايا القصف الكيماوي). وفي حين كان الهدف من نقلها إسناد الإرادة القومية من خلال إظهار جرائم العدو إلا أن تأثير الصور على المشاهدين كان سلبيا. فقد فتر حماس السكان للالتحاق بالقوات المسلحة الإيرانية. وتدهورت معنوية الجنود الإيرانيين، وفي غضون أشهر قليلة استطاع العراق استرجاع الأراضي التي فقدها (من خلال تكثيف استخدامه للأسلحة الكيماوية). ‎وقد أجبرت إيران على قبول سلم لا ترغب فيه.

3- شهادة هيندريكس
ما الذي حصل للأكراد؟ عندما طلب منا الذهاب إلى هناك، أي إلى حلبجة، لم يكن السيد خافيير بيريز ديكويلار يرغب في إرسال الفريق الذي كنت انتمي إليه. لماذا؟ لأن العراق كان يرفض ذلك. ولهذا ذهبنا عبر إيران، وأود تقديم الشكر والامتنان للسلطات الإيرانية التي وضعت تحت تصرفنا طائرة هيليكوبتر التي مكنتنا من الوصول إلى حلبجة.

وعندما وصلنا هناك، لم يكونوا قد ماتوا كلهم بعد. وكان بيننا بعض الأخصائيين الذي يعرفون حق المعرفة هذه الأمور. ثم بدأنا في عد الأموات. كان هناك 2500 قتيل على أقل تقدير، وقد لاحظنا ان عدد الضحايا يتناسب مع عدد القذائف الكيماوية التي استخدمت. وان العراقيين يستعملون خليطا من 3 غازات كيماوية مختلفة، ولا تبدو الطبيعة السامة لهذا الخليط إلا بعد تفجيره. سأريكم صورا الجثث وكذلك صور الضحايا التي كانت لا تزال تقاوم الموت وسترون بأعينكم أي نوع من الغازات هي التي استخدمت.
فغاز السيانييد يقتل فورا. أما غاز الأعصاب فيقضي على ضحاياه في ما لا يزيد على عشر دقائق. وهناك غاز الايبريت وهو ذات الغاز الذي استخدم في الحرب العالمية الأولى وخلف العديد من الضحايا في صفوف الجيشين الفرنسي والبلجيكي أثناء الهجمات الأولى التي قامت بها القوات الألمانية على بلجيكا.

إن هذا الخليط فتاك. وكل مختص يدرك جيدا مدى خطورته وشدة عدواه وتسربه. لذلك تبيناه سريعا. وقد تأكدنا فيما بعد بالبرهان القاطع لدى معالجة بعض المصابين من الأطفال والنساء في مستشفى غانز الجامعي في بلجيكا من استعمال العراق لهذا السلاح الكيماوي.

وعندما حلقت بنا الطائرة للعودة إلى قواعدنا لاحظنا إن حلبجة لم تكن وحدها المستهدفة بالأسلحة الكيماوية العراقية، فالقرى المجاورة كانت في حالة موت كامل. ولقد أمكن نقل غالبية الذين مازالوا احياء بالحافلات الى ايران. وكان نقلهم يتطلب أكثر من 24 ساعة لذلك كان نصف المصابين يموت في الطريق.

ولم يكـن في متناول أيدينا آنـذاك أي دواء حتى نوقف التسمم حيث كان هناك أكثر من 000 10 مصاب على أقل تقدير. ولم يكن بإمكان أي منظمة القيام بذلك لأن علاج هذا النوع من الإصابات أمر عسير جدا، ويتطلب إمكانيات هائلة كانت تنقصنا، معنى ذلك أن شعبكم الكردي، قتل قتلا إجراميا دونما تمييز بين المقاتلين والمدنيين إذ أن حوالي 60 في المائة من الذين فحصناهم كانوا نساء وأطفالا.

وختاما أريد أن أقول أن مشكلتنا الأساسية من الناحية الطبية تكمن في كيفية علاج المصابين بسموم الغازات الكيماوية. ولقد عالجنا أيضا بعض الأطفال والمسنين في مستشفى سان جونز في نيويورك. لكن المأساة الكبيرة هي خليط تلك الغازات الثلاثة. ذلك أن على المرء أن يكون رفيق الشيطان حتى يتوصل الى تكوين هذا الخليط الرهيب.
 


* المقال مقتطف من بحث نشرته للكاتب دار أبيك في ستوكهولم عام 1998 /





 


 

free web counter