| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. يوسف شيت

 

 

 

الأثنين 27/8/ 2007

 

المشروع الوطني الديمقراطي ، هل هناك آليات لتنفيذه؟

د.يوسف شيت

منذ تأسيسه ناضل الحزب الشيوعي العراقي من أجل عراق حرّ ديمقراطي، وأقرّت مؤتمراته وكونفرساته برامجه التي توجّه الشيوعيين نحو هدفهم والنضال من أجله وفق ما تمليه عليهم ظروف الحزب الذاتية وظروف البلد الموضوعية، بما فيها أوضاع القوى الوطنية الأخرى من أحزاب ومنظمّات وشخصيات وطنية ، لذلك كان الحزب الشيوعي ينظر الى قضية التشاور والتعاون مع بقية القوى الوطنية العراقية من أولوياته، وصولا الى جبهة بين هذه القوى التي لها أهداف واحدة يمكن تحقيقها في ظرف محدد .
نظرة واحدة الى تاريخ العراق القريب والإستعانة بتجاربه الزاخرة تكفي أن نقول بأنّ عدم الإتعّاظ بتجربة الماضي هو ما أوصل العراق الى هذا النفق المظلم الذي لم ير أحد بصيص نور في نهايته .
أمامنا وثبة كانون المجيدة 1948 التي لولا سعي القوى الوطنية والإتفاق فيما بينها حول هدفها المشترك لما أسقطت وزارة صالح جبر ودفنت معاهدة برتسموث قبل أن ترى النور.ولكن من جانب آخر كان للأحزاب المشاركة في الإنتفاضة إمكانية فرض تشكيل حكومة وطنية تأتي ببرنامج وطني ديمقراطي لولا تقاعس بعض الأحزاب والإكتفاء بما تمّ تحقيقه وما حصلت عليه من مكاسب ذاتية التي سرعان ما إنتزعها منها النظام الملكي ،رغم تحذير الحزب الشيوعي من مناورات النظام ولم يكن بمقدور الحزب الشيوعي القيام ذلك بمفرده، وخاصة، أنّ معظم قيادته كانت في السجن . أمّا إنتفاضة تشرين ثاني 1952 التي قادتها لجنة الإرتباط المتكونة من مجموعة أحزاب وطنية ومنها الحزب الشيوعي الذي كانت تمثله منظمة أنصار السلام كانت عاصفة أخرى بوجه النظام المستبد، وإستطاعت من إسقاط وزارة مصطفى العمري وعدم إفساحها المجال لحكمت سليمان ومن بعده جميل المدفعي من تشكيل وزارتيهما. وبعد أن بقي النظام بدون وزارة وآلاف الجماهير تتظاهر في شوارع بغداد حاولت القوى الوطنية (لجنة الإرتباط) تشكيل وزارة تأخذ على عاتقها قيادة البلد ،لكن الجبهة الشعبية المتكونة أصلا، من شخصيات كانت محسوبة على النظام والتي إنتقلت الى صفوف المعارضة عارضت تشكيل مثل هذه الوزارة ، وبسبب النقاش العقيم معها أضاعت الجبهة وقتا ثمينا . إلاّ أنّ الحزب الشيوعي أعلن على قصاصات من ورق تمّ توزيّعها في شوارع بغداد عن تشكيل حكومة وطنية بقيادة كامل الجادرجي (عقود من تأريخ الحزب-عزيز سباهي)، والذي أعتبر فيما بعد عملا فرديا لايصب في مصلحة الإنتفاضة الى جانب ترديده شعار أسقاط الملكية الذي كان يستحيل تنفيذه .وكانت نتيجة هذا التأخر في إتّخاذ القرارات من قبل لجنة الإرتباط أن مهّد الفرصة للنظام الذي خاطر بأنزال الجيش لقمع الإنتفاضة وأعلانه الأحكام العرفية. رغم كل النكسات واصلت القوى الوطنية نضالاتها وحققت بالتعاون فيما بينها الحصول على 11 مقعدا في إنتخابات مجلس النوّاب عام 1954 رغم التزوير والتجاوزات التي قامت السلطات. ثمّ أشعلت إنتفاضة تشرين 1956 لنجدة الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي وتلتها جبهة الإتحّاد الوطني عام1957 التي كانت حصيلة تجربة القوى الوطنية العراقية والتي حققت هدفها في إسقاط النظام الملكي وقيام الجمهورية العراقية . ولكن عقد الجبهة إنفرط بعد ثورة تمّوز 1958 مباشرة، ولم تقبل تلك القوى الجبهوية (حزب البعث وحزب الإستقلال) في أستمرار الجبهة وتطويرها وتأخذ على عاتقها بناء نظام برلماني ديمقراطي,وأبت ألاّ ان تنفرد وتتآمر على الجمهورية الفتية مستعينة بذلك بدول الجوار وأقطاب النظام الرأسمالي والتي إنتهت بأنقلاب رمضان 1963،ثمّ مرورا بتجربة الجبهة المريرة بين الحزب الشيوعي والبعث العفلقي (1973-1978) . وما أن إنتهت هذه الأخيرة حتى دخل النظام المقبور حربين خارجيتين وحرب ضد الشعب الكردي والإنتقام من الشعب العراقي بكافة مكوّناته الأجتماعية والعرقية والدينية والمذهبية،وخاصة بعد إنتفاضة آذار 1991 وفرض الحصار على الشعب، حتى إنتهت تلك الأوضاع الشاذّة بأحتلال البلد من قبل القوّات الأجنبيةعام 2003 .
لا يجد الفرد صعوبة، بعد هذا الجرد المبسط للأحداث التي مرّ بها العراق خلال ستة عقود،بأنّ النجاحات التي تحققت، سواء كانت متواضعة أو كبيرة ،كان سببها المباشر هو وجود آلية فعالة وهي الجبهة بين الأحزاب التي حددت هدفها مقدما . أمّا كل الإخفاقات وما رافقها من مآسي وما يحدث حاليا كان ولا يزال سببها المباشر هو عدم التفاهم بين مختلف القوى على الساحة السياسية أو إنفراد بعض القوى للهيمنة على هذه الساحة أو إستئثار الحزب الحاكم بالسلطة واللجوء الى قمع معارضيه.
ثم نظرة تاريخية مهمة جدا يجب أن لاينساها كل وطني عراقي،وأنقلها بسؤال ثم الإجابة عليه : كيف إستطاعت أمريكا وحلفاءها إحتلال العراق ؟
صحيح أنّ النظام لم يكن بقدرته العسكرية المتواضعة وعدم قناعة الأغلبية الساحقة من الجيش خوض حرب ثالثة مع جيوش تمتلك أكبر الخبرات القتالية وأحدث أنواع الأسلحة، وهي التوّاقة الى تجربة سلاحها الجديد في معركة جديدة . كان النظام ورأسه المقبور يعتقدان بأنّ الشعب سيدخل المعركة ليساند الجيش . إلاّ انّ شيئا من هذا القبيل لم يحدث ، بل كانت الناس تنتظر سقوط النظام لتتنفس هواء الحرية بعد كابوس حروبه وإضطهاده لها بدون حدود . وهذا ما يدلل على مدى ضعف النظام المقبور . ولكن،هل أصبح النظام ضعيفا حال غزو العراق في آذار 2003 ؟ طبعا لا، لأنّ النظام كان أضعف ما يكون بعد إخراجه من الكويت في معركة أم المخازي والدليل على ذلك قيام إنتفاضة آذار 1991. وبعد فرض الحصار،الذي كان ضحيته الشعب العراقي، رفع الحزب شعاره المشهور "رفع الحصار وإسقاط الديكتاتورية" والذي لم يلق أذنا صاغية من معظم أحزاب المعارضة.
لقد أصّرت أمريكا وبريطانيا على غزو العراق ، لأنّ إستمرار النظام بالتهاوي نحو الحضيض قد يقع في أيدي "غير أمينة" أو قولهم"شيطان معروف خير من ملاك غير معروف" قد تضيع طموحاتهم في المنطقة . لكن النظام كان يعتقد بأنّه لايزال قويا لأنّ قوى المعارضة بكافة تلاوينها كانت ضعيفة لعدة أسباب وأهمّها ، تدخّل الدول الإقليمية في شؤون بعضها الى حد فرض إملاءاتها عليها بسبب ما تقدّمه لها هذه الدول من أموال وتسهيلات.وكان هذا عاملا حاسما في عدم تمكن الفرقاء من التقارب لصياغة برنامج تحدده أهدافها المشتركة،ووجود قياديين في بعض الأحزاب تتحسس من هذا الحزب أو ذاك بدون النظر الى مستقبل العراق وأهمية التقارب بين أطراف قوى المعارضة ، هذا الى جانب مساهمات النظام في تشتيت قوى المعارضة بكافة طرقه الخبيثة وعزلها عن الساحة العراقية وتجنيب أي معارضة داخلية لخططه القاتلة. وعندما أعلن الكونكرس الأميركي قانون تحرير العراق شعر الحزب الشيوعي العراقي، والبعض القليل من أحزاب المعارضة الوطنية، بمدى خطورة الوضع ، ليس على العراق فقط ،بل على كل المنطقة.لذلك شددّ الحزب على أهمية قيام جبهة عريضة تتسع لكل القوى المعارضة للنظام من جهة ، ومن جهة أخرى ساهم الحزب بشكل واسع في حشد الملايين من العراقيين المتواجدين في مختلف بلدان العالم ومواطني تلك الدول في مظاهرات طافت مئات مدن العالم تردد شعار الحزب "لا للحرب ،لا للدكتاتورية". لقد كان للحزب الشيوعي العراقي قناعة مطلقة بأمكانية القوى الوطنية والأحزاب الدينية والقومية العراقية في إسقاط النظام فيما لو إئتلفت فيما بينها على هدفها المشترك في إسقاط النظام الدكتاتوري بعيدا عن التدخلآت الإقليمية والدولية مستندا بذلك الى التجربة الغنية لنضالات الشعب العراقي وقواه الوطنية خلال العقود الستة الماضية والتي تؤكد بأنه لا من حزب أو فئة تستطيع إدارة دفة الحكم لوحدها دون اللجوء الى القوة وفرض دكتاتوريتها من أجل مصالحها الأنانية ، وليس في العراق فقط بل في أية دولة من دول العالم . ولكن مع الأسف الشديد! رأت بعض الأحزاب العراقية بأنّ العامل الأساسي في إسقاط النظام هو الإعتماد على قوّة خارجية وإعتقدت هذه الأحزاب بأنّ النظام لايزال قويا يصعب إسقاطه بقوى عراقية غاضة النظر بأنّ قوة النظام كانت تكمن في تشتيت قوى المعارضة ، مع العلم كان الحزب يؤكد مرارا بأنّ الحرب لاتجلب غير الدمار وإنّ العامل الخارجي يمكن أن يكون مساعدا لو جاء بصفاء نيّة ويريد حقا تخليص العراق من الدكتاتورية .
إنّ أيجاد آلية لتنفيذ المشروع الوطني الديمقراطي هي صعبة جدا ولكن ليست غير ممكنة،وهذه الصعوبة تكمن في أهمّها :
- أنّ بعض الأحزاب والفئات أخذت تقتني السلاح بعد سقوط النظام في 9 نيسان 2003 ،وبادر البعض منها الى تسليم سلاحها والولوج نحو تحقيق الإستقرار عن طريق قيام نظام برلماني،ولكن القسم الآخر منها إحتفظ بالسلاح وتحول الى ميليشيات تريد فرض أجندتها أو أجندة دول الجوار عن طريق القوّة وإرهاب الناس بشتى الوسائل.وهي مع الأسف،تحظى، بهذا القدر أوذاك، بتعاطف بعض القياديين في السلطة .
- إقتناء السلاح من قبل أيتام النظام السابق والتكفيريين وغيرهم من عناصر الإسلام المتطرف والعصابات المنفلتة وإستخدامه لإرهاب الناس بكل مقاييسه، ويجدون في قمة النظام من يدافع عنهم ،أو كما يقول العراقيون عن بعضهم ، (وهذه حقيقة) ،رجل في السلطة ورجل مع الإرهابيين .
- الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة الذي أخذ أبعادا خطيرة وإرهاب الطوائف غير المسلمة من قبل المتطرفين من الشيعة والسنة وفرض الهجرة على كل الطوائف داخل وخارج العراق .
- كثرة الفتاوي المخزية - المخجلة والمفتين بكل تلاوينهم والإستخفاف بعقول الناس، بحيث غطت هذه الفتاوي على فتاوي علماء الدين الأفاضل من الشيعة والسنة الداعية الى الإخاء والوئام بين الناس وبناء العراق الجديد والتي هي بحاجة الى تفعيل .
- إطلاق مفاهيم غير واقعية وترويجها بين المواطنين وفرضها كأمر واقع ،مثل "إنّ مكونات الشعب العراقي هي الشيعة والسنة والأكراد" وهذا ما سعى إليه ويسعى المحتلّين ، متناسين وجود قوميّات وأديان عريقة في العراق قدّمت الآلاف من الشهداء من أبنائها،ليس من أجلها فقط ،بل من أجل الشيعة والسنة والأكراد وكلّ مكوّنات الشعب.أو "إنّ أنتفاضة آذار المجيدة عام 1991 كانت إنتفاضة شيعية" . مع العلم كانت الإنتفاضة قد بدأها الجنود الساخطين على النظام وحروبه في جنوب العراق وإنتفضت الجماهير ورائهم ثم إمتدت لتشمل مدن وقرى كردستان .
- الصراع أو النفور الإثني بين العرب والتركمان من جهة والأكراد من جهة أخرى ،وهناك مخاوف من تدخل دول الجوار في هذا الصراع بشكل أكثر مما يضيف تعقيدات أخرى عليها .
- لجوء قوّات التحالف الى قتل المدنيين الأبرياء أثناء قيامها بعمليات ضد الإرهابيين مما يخلق التذّمر لدى الناس وعدم قناعتها بمكافحة هذه القوّات للإرهاب وإستغلال ذلك من قبل الّذين يتصدّون للعملية السياسية والوقوف بوجه أي معافات للعملية السياسية .
- الفساد المالي والإداري،وخاصة،سرقة النفط الذي هو شريان الحياة للإقتصاد العراقي بمليارات الدولارات من قبل لصوص سواء من داخل النظام أوخارجه وتسخير بعض هذه ألأموال لمواصلة الإرهاب .
إنّ الصعوبات الآنفة الذكر لم تحصل دفعة واحدة ولا في وقت واحد، بل كانت نتيجة أخطاء تراكمت بدون أن تجد حلول لها في وقتها وقعت بها قوّات التحالف والأطراف السياسية التي تحاصصت في توزيع المسوؤليات في إدارة الدولة رغم مناشدات أطراف سياسية أخرى من أحزاب وشخصيّات وتحذيرها للإبتعاد
عن سياسة المحاصصة الطائفية والأثنية،ممّا وفّر تربة خصبةلإستمرار الإرهاب بكلّ إتجاهاته، والمدعوم أصلا، من قبل بعض دول الجوار.
إنّ المشروع الوطني الديمقراطي المقدّم من قبل الحزب الشيوعي لتجاوز الأزمة الحالية لايمكن تحديد آلية واحدة للخروج منها بل الأوضاع وطريقة سيرها هي التي تحدد ذلك ،ومنها :
1- رغم أنّ أسهل طريق هو إتفّاق كافة أطراف العملية السياسية،ولكن هذا يستحيل لما لهذه الأطراف من توجّهات ومصالح وإرتباطات إقليمية ودولية متباينة جدا لاتتخلّى عنها في ليلة وضحاها وهذا يتطلب :
أولا- على كل من يدعّي حقا، من أحزاب ومنظمات وشخصيات، تأييده للعملية السياسية أن يتخلى قبل كل شيئ عن مصلحته أو مصالح حزبه الذاتية واضعا مستقبل العراق أمام أعينه .
ثانيا- على الأحزاب التي لها علاقات جيدة مع دول الإقليم أن تسخّر هذه العلاقة لمصلحة العراق ومصلحة هذه الدول وإقامة علاقات معها على أساس المعاهدات والقوانين الدولية بعيدا عن تنفيذ اجندتها في العراق.
ثالثا- التخلي عن التناقض بين القول والفعل،أي نبذ سياسة المحاصصة والإرهاب جهارا والعمل على الحصول على أكبر المكاسب وبأي ثمن من خلف الكواليس .
2-هناك توجهّات ومشاريع لدى بعض أطراف العملية السياسية قد لا تختلف كثيرا عن مشروع الحزب الشيوعي يمكن أن تلتقي على مشروع موحّد،على شرط أن تحدد آلية واقعية لتنفيذ هذا المشروع وفي نفس الوقت الإستمرار في دعم مشروع المصالحة الوطنية .
3- يمكن أن يتشكل أكثر من محور،على شاكلة الأحزاب الأربعة المؤتلفة حاليا ثم إجراء حوارات فيما بينها "لعلها" تتفق على مشروع محدد يمكن طرحه على البرلمان وتحويله الى برنامج عمل .


 

free web counter