| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. يوسف شيت

 

 

 

                                                                                        الأربعاء 22/6/ 2011

 

سبعون عاما على الإجتياح الألماني للأراضي السوفييتية

 د. م . يوسف شيت

ليس الهدف من هذه الكتابة التذكير فقط بالحدث , ولكن الهدف الأساسي هو الرؤية الصحيحة لأسباب العدوان ونتائجه بإعتباره حدثا تاريخيا مهمّا غيّر مجرى الحرب العالمية الثانية .

بدأ الغزو الألماني على الإتحاد السوفييتي في الساعة الثالثة والربع من صباح يوم 22 حزيران 1941 ، حسب خطة عسكرية متقنة وضعتها القيادة النازية الألمانية سميت " بارباروسا " والتي بدأ التخطيط لها في تمّوز 1940. إعتقد هتلر بأنّ الوقت قد حان لتنفيذ أحلامه المريضة بعد أن حقق إنتصارات على الجبهة الغربية في أوروبا . جاء هذا العدوان رغم وجود معاهدة عدم الإعتداء بين ألمانيا والإتحاد السوفييتي (معاهدة مولوتوف- روبنتروب) التي وقعت في آب 1939 , وجاء توقيع المعاهدة بعد رفض إنكلترا وفرنسا توقيع معاهدة مع الإتحاد السوفييتي أثناء المحادثات التي جرت بينهم في آذار 1939،وحاولتا دفع ألمانيا للحرب ضدّ الإتحاد السوفييتي . جاء في أرشيف الخارجبة السوفييتية : " أمّا العلاقة بين ألمانيا وبولندا حميمة ، وتشهد الوثائق ان الموقف البولندي لم ينشأ من تلقاء نفسه بل تشكل على امتداد سنين . وقد توصل الجانبان البولندي والالماني اثناء زيارة النازي هاينريغ غورينغ الى وارسو عامي 1935 و1937 الى اتفاق على ان بولندا ستؤيد مطالب ألمانيا برفع القيود في مجال الاسلحة وضم النمسا. اما ألمانيا فاعربت من جانبها عن الاستعداد لمعارضة سياسة الاتحاد السوفيتي في اوروبا بالتعاون مع بولندا . واعلن غورينغ في حديثه مع المارشال رينز سميغلي ان النزعة البلشفية ليست هي التي تشكل خطرا فحسب وروسيا بذاتها خطيرة ايضا، الامر الذي يجعل مصالح بولندا وألمانيا متطابقة ".

وجاء في أرشيف المخابرات السوفييتية بعد سقوط الإتحاد السوفييتي : " وقد اصدرت الاركان العامة الالمانية في 31 اغسطس/آب عام 1937 توجيهات مرقمة 2304/2/37 جاء فيها ان الهدف النهائي للسياسة البولندية هو القضاء على روسيا باي شكل كان وان بولندا ترى ان اشعال النزعة القومية في القوقاز واوكرانيا وآسيا الوسطى باستخدام امكانيات الاستطلاع العسكري هو آلية فعالة لتحقيق هذا الهدف . ووفق معاهدة ميونيخ الموقعة بين ألمانيا وإنكلترا وفرنسا وإيطاليا في 30 أيلول 1938 ،إحتلّت المانيا مقاطعة سوديت الجيكوسلوفاكية بعد أن ضمّت إليها النمسا واحتلّت بولونيا مقاطعة تيشينا . وعندما أبدت الحكومة السوفييتية مساعدة جيكوسلوفاكيا رفضت الأخيرة بسبب الضغوط المفروضة عليها من قبل موقعي المعاهدة . أمّا بريطانيا وفرنسا تعهدتا بتقديم مساعدة الى بولونيا في حال تعرضها الى عدوان ألماني " . لكن الأحداث المتتالية برهنت عكس ذلك .

بدأت الحرب العالمية الثانية بإحتلال ألمانيا لبولندا في 1 ايلول عام 1939 ، ولم تقدّم بريطانيا وفرنسا المساعدة الموعودة لبولونيا ، ولكنهما أعلنتا الحرب على ألمانيا في 3 أيلول . ثمّ قامت ألمانيا بإجتياح النرويج والدانمارك وهولندا وبلجيكا ثمّ فرنسا التي لم تقاوم سوى أسبوعين . واستطاعت بذلك إبعاد الجيش الإنكليزي من أوروبا ، وخلال سنة من الحرب إستطاعت ألمانيا تغيير الخارطة الجيوسياسية لأوروبا ووضعت أراضي الأخيرة وثرواتها تحت تصرّفها من أجل التوسّع. اما الاتحاد السوفيتي ،وحسب الإتفاقية ، ضمّ الاقاليم البولندية المحاذية لاوكرانيا وبيلوروسيا، علما ان هذه الاقاليم تعد اراض روسية اصلية ، سبق ان ضمتها بولندا اليها في اعوام الحرب الروسية البولونية 1919 -1921، والتي يشكل الاوكرانيون والبيلوروس غالبية سكانها. كما ضم الاتحاد السوفيتي بعد مرور فترة دول البلطيق الثلاث، وهي استونيا ولاتفيا وجزء كبير من لتوانيا المعاصرة التي كانت قبل عام 1917 ضمن اراضي الامبراطورية الروسية.

كانت الدعاية الألمانية تدعي بأن الجيش الأحمر يستعد للهجوم على ألمانيا وان غزوهم للأراضي السوفيتيه يأتي كضربه وقائية ومع ذلك فإن كتاب هتلر " كفاحي " الذي كتبه في سنه 1925- 1926 أظهر بوضوح اطماعه في غزو الاتحاد السوفيتي وبناءا على معتقداته فان الالمان يحتاجون "مساحه للعيش" بعبارة أخرى (أرض ومواد خام)، وكانت سياسة النازية تهدف بوضوح إلى قتل وترحيل واستعباد الروس وغيرهم من السكان السلافيين الذين يعتبرون أوطأ من الألمان ، إضافة الى ذلك فإنّ تدمير الإتحاد السوفييتي ككيان سياسي لها فوائد أخرى تتطابق مع فكرة هتلر ، وهي :
1. بهزيمة الاتحاد السوفيتي فأن مشكلة قلة الايدي العاملة في المصانع الألمانية ستنتهي بتسريح عدد من الجنود الألمان واستعباد الملايين من العمال الروس

2. ستكون أكرانيا مصدرا للزراعة

3. هزيمة الإتحاد السوفييتي ستساهم في عزل الحلفاء، وخاصة بريطانيا

4. إقتصاد ألمانيا بحاجة للنفط الذي سيتم الحصول عليه من القوقاز وأذربيجان .

لقد وضعت ألمانيا النازية أكثر من خطّة لتقسيم الإتحاد السوفييتي وضمّها الى إمبراطورية الرايخ ومنها ، حسب الأيديولوجي النازي إلفريد روزنبيرغ ،الى خمسة مناطق : 1 اوستلاند (دول البلطيق وبيلاروسيا) . 2 أوكرانيا والأراضي المجاورة لها . 3 موسكو وأراضي روسيا الأوروبية . 4 قوقاز وجنوب روسيا . 5 توركستان(جمهوريات آسيا الوسطى ) .
خلال محاكمات نورمبيرغ عام 1946 ذكر هارتلي شوكروس أنه في مارس من عام 1941 كان هناك تقسيمات أخرى في شرق روسيا تم التخطيط لها غير التي ذكرت وهي كالاتي : 1 أورال (وسط وجنوب أورال والمناطق القريبة) . 2 سيبريا الغربية (غرب سيبريا ومناطق نوفوسيبيرسك) . نوردلاند (المناطق السوفيتية القطبية) .
كان هتلر قد أصدر قرار رقم 21 في 18 كانون أول 1940جاء في مقدّمته : على القوات المسلحة الألمانية أن تدمّر روسيا خلال وقت قصير ، وحتى قبل أن تنهي ألمانيا حربها مع بريطانيا .

بدأت خطة بارباروسا بزجّ 4 ملايين جندي ألماني و800 ألف جندي ايطالي وهنغاري وكرواتي وروماني وسلوفاكي ، بالإضافة الى فرقة إسبانية ، وكانت مساهمة الجيش الفينلندي فعالة جدا ضد الجيش الأحمر , وخاصة في تطويق مدينة لينينغراد. كما زجّت ألمانيا وحلفائها ب 4700 دبابة و 4800 طائرة و 50 ألف مدفع مختلف المهام بالإضافة الى قوّات النخبة (إس إس) وقوّات خاصة من الجيستابو . قابل ذلك 2,75 مليون جندي سوفييتي ، ثمّ زيادتها الى أكثر من 4 ملايين وأكثر من 11 ألف طائرة و14 ألف دبابة و52 ألف مدفع ، وبلغ طول جبهة القتال من شمال غرب حتى جنوب غرب الإتحاد السوفييتي 3000 كم . كانت قوة وتوقيت الهجوم مفاجئة لقيادة القوّات السوفييتية، واستطاعت الإستيلاء على بيلوروسيا وأكراينا ومولدافيا ومحاصرة مدينة لينينغراد ، التي أوعز هتلر لمحوها من الخريطة وعدم أخذ الأسرى منها بسبب المقاومة البطولية من قبل الجيش الأحمر والأهالي ووجود مصانع أسلحة فيها . بينما كان الجيش السوفييتي يتقهقر أمام ضربات العدو تشكلت فرق داعمة للألمان في جمهوريات البلطيق زوّدت بالأسلحة والمعدات من قبل ألمانيا وحاربت الى جانبها. رغم المقاومة البطولية للجيش الأحمر ، إلاّ أنّ هجماته المضادة لم تنجح ، وفي نفس الوقت لم تتوقّع القيادة الألمانية مثل هذه المقاومة . إستمرّ تقدّم الجيوش الألمانية داخل أراضي روسيا حتى مشارف موسكو (24 كم) ، التي أعلن الجيش الألماني الأحكام العرفية فيها . أمّا الخسائر , بلغت لدى الألمان حوالي مليونين بين قتيل وجريح وأسير مقابل حوالي أربعة ملايين من السوفييت .

كانت أسباب هزيمة الجيش السوفييتي في بداية الحرب كثيرة ، ومنها ، عنصر المباغتة لدى الألمان في التوقيت وعدد القوات والمعدّات مما مكّنها من التغلغل السريع داخل الأراضي السوفييتية ووجود إتّصالات سريعة بين القطعات وثقة الجنود الألمان بالنصر وعقيدتهم النازية التي زرعها الإعلام النازي في عقول الألمان , ووجود قيادة عسكرية متمرّسة مما مكّنهم من القضاء على كل المقاومة التي أبداها الجيش السوفييتي . كانت القيادة السوفييتية على دراية تامة بنوايا هتلر في مهاجمة الإتحاد السوفييتي , ولكن إصرار ستالين على فكرته بأنّ ألمانيا لا تستطيع مهاجمة الإتحاد السوفييتي قبل عام 1942 بالرغم من حصول المخابرات السوفييتية على معلومات دقيقة تؤكد على تحشيد غير إعتيادي للقوات الأمانية على الحدود السوفييتية , وحتى بدء الهجوم لم يثق ستالين بتلك المعلومات . وبهذا الصدد يقول المارشال السوفييتي غيورغي جوكوف ، الذي لعب دورا رئيسيا في تحطيم الجيش النازي وإستسلام ألمانيا ، في مذكراته بأنّ ستالين لم يصدّق عندما أبلغه بهجوم الجيش الألماني واعتبر بأنّ ذلك مجرّد عدوان , ولم يردّ ستالين على طلب مارشلاته جوكوف وتيموشنكو للقيام بعمليات مضادّة ، وعندما أكدّ جوكوف بأنّ هذا ليس مجرد عدوان عابر بل غزو واسع . حينها دعاه ستالين الى موسكو وطلب بعقد إجتماع فوري للمكتب السياسي للحزب ، ثمّ طلب ستالين من وزير الخارجية مولوتوف إستدعاء السفير الألماني فورا في موسكو لتوضيح الموقف . حينها أكدّ السفير بأنّ ألمانيا أعلنت الحرب على الإتحاد السوفييتي . قد نبالغ إذا قلنا بانّ ستالين لم يثق بقيادة الجيش ، ولكن كان هناك نوع من عدم الثقة . وعدم الثقة برفاقه كانت حالة ملازمة لستالين إذا ما نظرنا الى دوره في تصفية بعض قادة الحزب والدولة بعد إستلامه قيادة الحزب مثل بوخارين وتروتسكي وزينوفييف وكامينيف . وكان ستالين قد وضع ثقته ببعض المسؤولين في المخابرات السوفييتية وعلى رأسهم لافرينتي بيريا الذي أعدم يوم 23 كانون أول 1953 بعد محاولته الإنقلابية مع مجموعة من المتعاونين معه بعد موت ستالين . وإذا رجعنا قليلا الى الوراء وبعد قيام الجيش الأحمر بمناورات كبيرة عام 1936 لإختبار قدراته بإستخدامه الأسلحة والتقنية الجديدة وإتبّاعه الطرق الحديثة في الإتّصالات وتحرّك القطعات أرسلت تقارير الى ستالين تدّعي فشل تلك المناورات وأنّ هناك محاولة إنقلابية يترئّسها المارشال توخاجفسكي . إستنادا على تلك التقارير تمّ إعدام ثلاثة من مجموع خمسة مارشالات في عامي 1937- 38 وهم : ميخائيل توخاجيفسكي ، إلكسندر ايغوروف وفاسيلي بليوخر بتهمة الخيانة ، وأعدام 16 ضابطا كبيرا من رتبة جنرال - ملازم الى جنرال - عقيد ، بالإضافة الى مئات الضباط الآخرين . سببّ هذا التعامل مع قيادة الجيش بإفشال خططه في تطوير قدراته وإضعافه الى حدّ كبير والعالم على شفا حرب عالمية بتحريك من هتلر وحلفائه .

رغم الهزيمة الكبيرة للجيش السوفييتي أثبتت قيادته عزمها على دحر الغزاة , لما كان لديها ولدى الضبّاط والجنود وعامة الشعب السوفييتي القناعة بعدالة قضيتهم وإنّ مصير الوطن إصبح بين أيديهم . كما أنّ ستالين إقتنع بإمكانيات القيادة الجديدة في وضع الخطط العسكرية لدحر الجيش النازي . وبعد بدء الإجتياح الألماني مباشرة تشكّلت فرق من المتطوعين السوفييت خلف خطوط العدو وهي فرق الأنصار المجيدة التي قامت بعمليات أسطورية ضدّ الجيش الألماني . وبالتعاون مع المخابرات السوفييتية زوّد الأنصار الجيش السوفييتي بمعلومات في غاية الأهمية ، وأصبحت بحق الساعد الأيمن للجيش الأحمر حتى توقيع قيادة الجيش النازي الإستسلام بدون قيد أو شرط أمام المارشال الأسطوري غيورغي قسطنطينوفيج جوكوف .

بعد الهجوم الياباني على ميباء بيرل هاربر الأمريكي أعلنت أميريكا الحرب على اليابان وانظمت الى دول التحالف : بريطانيا وفرنسا والإتحاد السوفييتي ، وتمّ الإتفاق على تقديم مساعدات عسكرية الى الجيش السوفييتي وفتح الجبهة الغربية في عام 1942 ، إلاّ أنّ مساعدات الحلفاء كانت ضئيلة جدا لم تغيّر شيئ من مجرى الحرب بين الإتحاد السوفييتي ودول المحور ، كما أنّ الجبهة الغربية أجلت الى عام 1943 بإدّعاء عدم وجود الإمكانيات المتاحة لذلك . ولكن الحقيقة هي إنتظار نتائج المعارك بين الإتحاد السوفييتي وألمانيا التي كان الحلفاء يرغبون بإطالتها لإضعاف الطرفين ثمّ التحكّم بمسار الحرب واستثمار نتائجها لمصالحهم ، إلاّ أنّ مجرى الحرب كانت يسير لصالح الإتحاد السوفييتي، خاصة بعد معارك ستالينغراد وقوس كورسك وفك الحصار عن مدينة لينينغراد حتى تحرير كامل الأراضي السوفييتية والتهيئة لتحرير بولونيا والزحف نحو برلين، حينها شعر الحلفاء بحراجة الموقف وقاموا بإنزال قوّاتهم في ميناء نورماندي شمال فرنسا في 6 حزيران 1944 وفتح الجبهة الثانية ، التي تأجّلت سنتين ثمّ الزحف نحو برلين .

إستطاع الإتحاد السوفييتي إستعادة ما فقده في الحرب في المجال الإقتصادي في فترة قصيرة، إلاّ أنّ الخسارة الكبرى التي لا يمكن تعويضها هي فقدانه حوالي 30 مليون من مواطنيه . لقد أعطى الشعب السوفييتي كامل ثقته بقيادة الحزب ، إلاّ أنّ قيادة الحزب لم تمنح مثل هذه الثقة للشعب ، مما خلق تدريجيا الهوة بينهما توسّعت بمرور الزمن ولم تستطع قيادة الحزب من ردمها وأصبح الحزب يفكّر بدلا من الناس ، واستمرّ على سياسة فرض أيديولوجيته داخل المجتمع وتحولّ الى مجرّد مرجعية ، وأصبح من المتعذّر حلّ تلك المشاكل الهائلة التي رزح الحزب تحتها ، مما أدىّ الى إنهيار ذلك النظام الذي كانت البشرية ، ومنذ قيام ثورة أكتوبر العظيمة ، تحلم بالخلاص من الجوع والمرض وجور الظالمين . ولكن تجربة البناء الإشتراكي تبقى ماثلة أمام البشرية لتستلهم من دروسها وتتعلّم من أخطائها من أجل بناء نظام إشتراكي عادل قابل للتطور وفق مصلحة الشعب ، لأنّ الرأسمالية سببت وتسبب كل يوم ملايين الضحايا من البشر ، وكل إعلامها الذي يدّعي بالديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الجوع هو مجرّد خطل من أجل إستمرارها ،فهي تعطي القليل القليل لتأخذ الكثير الكثير حتى دماء الناس ولكنها لم ولن تشبع .
 

 

free web counter