| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. يوسف شيت

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

 

الأربعاء 10/5/ 2006


 

رأي في أهميّة المعارضة داخل البرلمان العراقي

د. يوسف شيت

إنّ إختلاف الآراء أو تعددها كان ولايزال وسيكون دائما المحرك الأساسي لتطور المجتمعات وفي كل المجالات – العلوم الإنسانيّة والإجتماعية , التكنولوجية , العسكرية , أدب , فن , رياضة , سياسة ...الخ . وينطبق هذا على البرلمانات والأحزاب والمنظمّات بكافة أشكالها ومهامّها .
إذا أفردنا هنا قضية البرلمانات , وبشكل عام , فهي متعددّة في العالم سواء في تسميتها أو في مهامها . ولكن في الحقيقة هناك نوعين فقط ! 1 - برلمان ديمقراطي , يتحدث فيه النائب ما يراه لمصلحة ناخبيه سواء كانوا فئة أو طبقة إجتماعيّة على أن لا يتعارض مع المصلحه العليا للوطن , لذلك نرى هنا تعدد وإختلاف الاراء . والاراء المتقاربة يمكن أن تشكّل كتلة برلمانية والكتلة صاحبة الأكثرية يمكنها تشكيل الحكومة والكتلة أو الكتل الأخرى تتحوّل الى معارضة تتابع نشاط الحكومة وترصد أخطائها وتطرحها في البرلمان وبكل حريّة وهذا بدوره يكون حافزا للحكومة لتطوير نشاطها أو حافزا للبرلمان ليعلن حلّها بالأكثريّة , وهنا تكمن فائدة إختلاف الاراء . 2 - البرلمان الشكلي , يتحدث فيه النائب عن ما يريده الحاكم سواء أكان حزبا أو دكتاتورا, بعيدا عن مصلحة الوطن ويوافق بالإجماع على حكومة وبرامج معدّة مسبقا .
هناك برلمانات تطورت من شكليّة الى ديمقراطيّة كما يحدث في بعض دول جنوب شرقي آسيا وأمريكا اللاتينيّة وهناك إنتكاسات تحولّ فيها البرلمان الديمقراطي الى شكلي , مثل ايران بعد ثورة شباط 1979 وسوريا عندما دخلت في وحدة مع مصر عام 1958 وروسيا السوفييتيّة منتصف عشرينات القرن الماضي . وبرلمانات تتطور من شكليّة الى ديمقراطية مثل الأردن والكويت ...الخ .
أمّا البرلمان العراقي رغم شكله الديمقراطي لا يزال غير قادر على تشكيل الحكومة التي ينتظرها الناس , لربما ولعلّ تنقذهم من هول إرهاب الميليشيات الشيعيّة والسنيّة والزرقاويّة والذي تفاقم بعد تشكيل حكومة الجعفري الطائفيّة في نيسان 2005 , وحينها كان البرلمان يفتقر الى كتلة معارضة والمعارضة كانت عبارة عن أصوات تتعالى من هنا وهناك وكانت القوانين تصاغ خلف الكواليس من قبل الأكثرية البرلمانيّة وتطرح بشكل فجائي وتتمّ الموافقة عليها ويبقى الصوت المعارض لا حول ولا قوّة كما حدث لقانون الإنتخابات الجديد .
والبرلمان الحالي (الدائم) رغم مرارة تجربة التقسيم والمحاصصة الطائفية لا يزال الكثير من أعضاءه يصرّون في السير على نفس النهج لما لهذا النهج من مصالح ذاتية وحزبية ضيقة بعيدة كلّ البعد عن مصلحة الشعب , ولكن أمام الناس يتحدّثون بلغة أخرى ,لغة نبذ الطائفيّة والمساوات بين كلّ العراقيين. ويظهر هذا الإتجاه بعد أول توزيع للمناصب القيادية , ولا يزال الحديث يدور بين من يريد الإستمرار في تعميق الطائفيّة ومن يريد التنازل قليلا لإضفاء طابع الوطنيّة على الحكومة الجديدة .
إنّ إختلاف الآراء ومناقشتها داخل البرلمان لا يكون على أساس ديني أو مذهبي أو أثني بل على أساس مصالح الناس الماديّة والمعنويّة , كيفية إيجاد فرص العمل , وخاصة للشباب , من رجال ونساء ومن مختلف الإنحدارات الطبقية , طريقة تأمين الخدمات الإجتماعية , أفضل الطرق لحماية الثروات الوطنية وتأمين إستثمارها الصحيح لمصلحة كلّ الناس , وخاصة الطبقات الكادحة منهم , تإمين التعليم لكل المراحل الدراسية ,التأمين الصحي ,ألإهتمام بالأدب والفنون والرياضة , تأمين حريّة إقامة الشعائرالدينيّة لكلّ الطوائف والإحتفاء بالمناسبات القوميّة , أنجع الطرق لحماية أرواح المواطنين وممتلكلتهم وحماية حدود البلاد من أيّ إعتداء بوجود قوّات مسلحّة من الشرطة والجيش ذات قدرة قتالية وتسليح مناسبين . ويضاف عبء آخر وهو أهميّة إخراح المحتلّ بدءا بعملية التفاوض على أساس القوانين الدوليّة . أنّ كلّ هذا لا يحتاج الى أن تكون الحكومة التي سيقرّها البرلمان من هذا المذهب أو الدين أو ذاك ,من هذه القومية أو تلك , بل الى حكومة عراقية ترعى المصالح العليا للشعب فقط . ولكن هناك من يرى المحاصصة الطائفية والعرقية تخدم مصلحته أو مصلحة الحزب الذي ينتمي اليه وتبقى مصلحة العراق ليست من أولويّاته بل قضيّة فيها نظر . وما شجّع هذا الإتجاه المنبوذ هو إصرار سلطات الإحتلال على تقسيم المناصب على أساس طائفى وعرقي وتدخّل دول الجوار التي لم تر في هذا سوى مصالح أنظمتها غير آبهة بمآسي العراقيين .
إنّ وجود معارضة برلمانيّة يؤمّن لها كامل الحريّة في الكلام والإعلام والإتصّالات والتنقل في الداخل والخارج يتيح للبرلمانيين التحاور بشكل هادئ وبنّاء بعيدا عن التهديد والوعيد ثمّ الإقصاء , حينها يفتخر العراقيون بوجود برلمان ديمقراطي ينتظرون منه الكثير , خاصة في صياغة قوانين تؤمّن لهم معيشتهم الحرة الكريمة ومستقبل الأجيال القادمة .
السؤال الذي يطرح نفسه , من الذي يؤمّن كلّ هذا ! وهذا ما يقلق الكثير في زمن خلا العراق من كلّ أمان , لأنّ النوايا لدى الكثير من أعضاء القوائم الفائزة بعيدة من أن تعطي فسحة مناسبة للديمقراطية التي ظهرت توّا, مثلا , السيد رئيس الوزراء جواد المالكي المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة أدلى بتصريحات الى قناة الشرقيّة الفضائيّة يوم 13 شباط الفائت لا تمّت بصلة الى الديمقراطية , حينها كان السيد الجعفري مرشحا لتشكيل الحكومة الجديدة . فهو يقول :( إنّ القوائم الفائزة هي إمتدادات لكلّ العراقيين , فقائمة الإئتلاف تمثّل الشيعة العرب وقائمة الوفاق تمثّل السنّة العرب والإتحاد الكردستاني تمثّل الأكراد) . بهذه البساطة يلغي السيد المالكي بقية القوائم والتي تمثلّ أكثر من 18% من الشعب أي حوالي 5000000 (خمسة ملايين عراقي) . وإذا قامت الدولة العراقية على أساس عرقي وطائفي , وهذا ما ينبذه أغلب العراقيين لأنّ الدستور الجديد لايحوي هكذا نصّ , فأين موقع المسيحيين والصابئة واليزيديين ,الآشوريين والكلدان والتركمان والشبك , وهذا يعني إقصاء صارخ لأقدم الأقوام والديانات التي عرفها العراق منذ بزوغ حضارة وادي الرافدين . ويضيف السيد المالكي : (إذا كثرت الأطراف كثرت وجهات النظر وهذا يلحق الأذى بالحكومة المقبلة) . بهذا الوضوح يرفض مقدمّا الآراء الأخرى ويؤكّد هذا عندما يضيف : (إذا أقنعنا الطرف الآخر بوجهات نظره ليس لدينا مانع من مشاركته) . ووجهات النظر الأخرى معروفة لدى العراقيين وهي نبذ سياسة المحاصصة الطائفية والعرقية وحلّ الميليشيات ومكافحة الفساد والإرهاب وتأمين حيادية كافة التشكيلات المسلحّة . وأخيرا يسأل السيد المالكي نفسه هل هناك ضروره لإشراك الآخرين , وهو يقصد غير القوائم الثلاث , ويجيب : (نرى أنه لاضرورة لإشراك الآخرين) .
نأمل من السيد المالكي أن يغيّر من نظرته هذه ويقيّم تجربة مجلس الحكم والحكومة المؤقتة وحكومة السيد الجعفري بشكل موضوعي لا على أساس المذهب والحزب الذي ينتمي إليهما , بل على أساس أنّ حكومته شكلّت لكلّ العراقيين بغض النظر عن قوميتهم ودينهم أو مذهبهم , قادرة على تحرير العراق من الإحتلال .
هذا ما يؤكد مرّة أخرى أهميّة وجود معارضة قويّة فاعلة لا بعددها وإنمّا بطرح وجهات نظرها المقنعة وتحويل البرلمان الى ورشة عمل قابل للحياة لا مجرد طرح آراء جاهزة وإجراء الإستفتاء عليها قبل إغنائها بالنقاش الحرّ والخروج بقوانين تخدم فئات محددة . وليس من الضروري لغير القوائم الثلاث الإشتراك في طاقم الحكومة الحاليّة بل المهم حاليا الإتفاق على برنامج حكومي قابل للتنفيذ والإستفادة من التجربة المريرة للسنوات الثلاث الفائته وتفعيل الدستور الجديد .


 


 

free web counter