| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يحيى السماوي
Yahia.alsamawy@gmail.com

 

 

 

الأحد 22/8/ 2010



 دفاعا عن الإبداع

يحيى السماوي

يحدث أحيانا بالنسبة لنا ـ نحن الذين نزعم أننا أدباء ـ أن نخون شرف الأدب دون قصد منا ، فنظن مانرتكبه " حسنة " بينما هو في حقيقته " خطيئة " .. واللافت للإنتباه أن أكثر الذين يقومون بهذا الفعل غير الصحيح هم رجال ..
وبتوضيح أكثر : يحدث أن تصل بعضنا نصوص من صديقات أو أصدقاء ، فنجد فيها أخطاء تكشف عن عدم امتلاك صاحبها أدواته الفنية كشاعر / شاعرة إنْ على صعيد العروض أو على صعيد نسج الجملة الشعرية ... وبدلا من أن نقوم بشرح الخطأ كي يستفيد كاتب/ كاتبة النص فيتلافى أخطاءه مستقبلا ، فإننا نقوم بإعادة صياغة القصيدة و " ضبط " عروضها فيتحوّل النص من خاطرة مسجوعة إلى قصيدة دون أن نأخذ بالإعتبار حقيقة أن ماقمنا به هو مجانب للشرف الأدبي لكونه خيانة مضاعفة ...
فمن جهة هو خيانة لكاتب النص لأننا نوهمه بأنه شاعر متمكن من أدواته الفنية وهذا الإيهام سيحول دون اعتماده على نفسه في تطوير إمكاناته الأدبية ليقف على قدمين واثقتين ... ومن جهة أخرى هو استغفال للقارئ وخداعُ له ... ومن جهة ثالثة هو ابتذال لأدبنا ـ نحن الذين " نكتب لغيرنا نصوصا " ـ أو نجعل من سجعهم وجملهم المرتبكة شعرا بحجة المساعدة أو التنقيح وما شابه من مبررات واهية نختلقها ـ نحن الرجال ـ وبخاصة حين يكون النص المرسل إلينا من إحدى حفيدات حواء وليس من أحد أحفاد آدم !! ؟؟

قبل أكثر من أربعين عاما حملت قصيدتي واقتحمت على الشاعر العربي الكبير المرحوم " بلند الحيدري " خلوته في المقهى البرازيلية " في شارع الرشيد ببغداد ... جلست إليه وأنا أرتجف لأعرّفه بأنني ذلك " الشويعر " الذي هاتفه قبل يومين طالبا منه أن يجود عليه ببضع دقائق ليقرأ عليه قصيدته ... كان جبيني يتصبب عرقا رغم برودة الشتاء ... قرأ قصيدتي ( وأتذكر أن اسمها كان " قمري الأسمر " ... أخرج قلمه ـ وكان ذا حبر أخضر ـ ووضع خطا ً تحت سطر من سطور القصيدة وهو يقول : هنا عندك خروج على الوزن .... ثم أكمل : أستطيع تقويمه ولكني لن أفعل ... خذ قصيدتك وعدْ بها إليّ بعد تصويب الخلل العروضي بنفسك في البيت الذي أشرت إليه .. وأتذكر أنه قال لي أيضا : لا تستعرْ صوت غيرك ... إسْعَ أن تنشد بحنجرتك لا بحنجرة نزار قباني ) .. من يومها أصبح بلند الحيدري أحد أحبّ أساتذتي وأصدقائي ( أشار بنفسه رحمه الله إلى ذلك في لقاء ضمنا مع الصحافي فهد الشريف في مهرجان الجنادرية للعام 1993 ) .

تقول الحكمة الصينية : ( لاتُعط ِ الجائع سمكة .. إنما : علّمه كيف يصطاد السمك ) ..
وتأسيسا على هذه الحكمة أقول : إنني سأرتكب خطيئة بحق الشاعر الناشئ إذا عرض عليّ " منظومته " فأعدت له كتابتها بأسلوبي وبلغتي الشعرية وشجعته على نشرها باسمه ... سأرتكب خطيئة وليس خطأ ... وشتان بين الخطيئة والخطأ !

كنت ـ ومازلت ـ أعمل محررا أدبيا غير متفرغ في صحيفتين ورقيتين ومجلة ـ لا طمعا بالمردود المادي الجيد إنما لرغبتي في مواصلة عمل كنت أمارسه قبل سنين كثيرة ... وصلني قبل زمن نصٌّ منظوم سليم القافية يحمل مشاعر جميلة ورائعة ... لكنه يخلو من الشعر ومرتبك الوزن تماما ... أعدت النص إلى صاحبه مع ملاحظاتي ... بعد بضعة أيام أعاد لي النص ولكنه مختلف تماما ... فقد جاء يخلو من أيّ خلل عروضي وفيه انزياحات شعرية هائلة لا تتناسب مع النص في حاله الأول ... فكتبت له : سننشر هذه القصيدة الرائعة ولكن بشرط أن ننشر معها اسم الشاعر الذي أعاد صياغتها بأسلوبه ، وعليك أن ترسل لي اسمه كي ننشره مع القصيدة إن رغبت في نشرها ..
لم يكن موقفي مجانبا للصواب .. فليس من المعقول أن يحدث هذا التطور الهائل في طاقته الشعرية خلال بضعة أيام وهو الذي كان قبل " يومين وقصيدة " لا يعرف الفرق بين السجع والشعر ( أجابني بصدق لكنه طلب عدم نشر القصيدة وأنه سيعتمد على نفسه ... هذا الشخص سيكون شاعرا حتما .. وربما سأكتب عنه ذات غد أرجو ألآ يكون بعيدا ... )

هل ينطبق على قولي هذا المثل العربي القائل : ( إياك أعني واسمعي ياجارة ) ؟
جوابي : نعم .... لقد قرأت نصوصا في صحف ورقية وفي مواقع ومنتديات أدبية على الشبكة العنكبوتية ـ بل وفي دواوين مطبوعة يعرف بعضها حبيبنا المبدع الكبير عبد الإله الصائغ والإعلامي القدير زيد الحلي والعلامة د . محمد حسين الأعرجي وغيرهم ـ هي في حقيقتها نصوص كتبها غيرهم بحجة التصحيح أو التعديل ...

هذه النصوص صحيحة لكنها خطأ !!
أظن أن أحدا سيقول : كيف يكون النص صحيحا وخطأ في ذات الوقت ؟
سأجيبه : حدث يوما أن طلبت من شقيقي ( وكان في الصف الخامس الإبتدائي ) أن يضع كلمة " غرّد " في جملة مفيدة .. فكتب : غرّد الخروفُ فوق الشجرة ِ .
لغويا ً الجملة صحيحة .. غرد : فعل ماض ٍ .. الخروف : فاعل مرفوع .. فوق : ظرف مكان مبني على الفتح في محل نصب وهو مضاف .. الشجرة : مضاف إليه مجرور .. هي إذن جملة صحيحة لغويا ... ولكن الخطأ يكمن في شقيقي وفي الخروف أيضا : هل الخروف يغرّد ؟ وعلى افتراض أن ثغاءه يمكن أن يكون بمثابة تغريد ـ وهذا جائز لأن راعي الغنم قد يعتبر ثغاء حَمَل ٍ تلده نعجة في الحظيرة أحبّ إليه من تغريد البلبل على الشجرة ... ولكن : كيف صعد الخروف إلى الشجرة ؟

نعم لتبادل الآراء ... نعم لإبانة الخطأ وتأشيره وتقويمه ... أمّا لكتابة نصوص للآخرين أو إعادة صياغتها كاملة بحجة تقويمها فألف لا .. ومَنْ يدري ؟ فربما أكون غير مصيب ٍ في رأيي هذا ... وقد يزعل فلان أو فلانة معتقدين أنني أقصدهما .. وربما سيزعل مني زميل في الصحيفة التي أكتب فيها أو الموقع الذي أنشر فيه ... وربما .. وربما ـ غير أنني سأبقى مصرا على رأيي في أن الخروف لا يمكن أن يغرد على الشجرة . .. وأنني يمكن أنوب عن صديقي أو صديقتي في دفع فاتورة الكهرباء ـ إذا كان منشغلا ـ أو في رعاية إدارة حانوته حين يمرض ... أمّا أن أنوب عنه في كتابة نصه فألف لا ... ألف لا ... وليس لا واحدة .

***

 







 


 


 

free web counter