| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يحيى السماوي
Yahia.alsamawy@gmail.com

 

 

 

 

الاحد 22/4/ 2007

 


مذكرات الجندي المرقم 195635
ـ 5 ـ


يحيى السماوي

يتمتع الجنود بحاسّة مذهلة في شمّ الأخبار ، أقوى بكثير من حاسة الشم ّ التي تتمتع بها قطط المطابخ .. فما إن سمعوا بخبر الهجوم المعاكس المرتقب ، حتى استعان عدد غير قليل منهم بالملابس المدنية المخفية ، ليتخذ طريقه نحو مدينة البصرة عبر البساتين والمسارب ، ومن ثم نحو المدن التي أدمنت المراثي .
سأل " مظلوم " زميله علي الغانمي" وهو أيضا ج.ح.خ " يعني جندي احتياط خره ":
ـ أبو حسين، كم طفل عندك ؟
ـ آني ما متزوج ...واحتمال اموت وآني ما متزوج ..
ـ معقولة ؟ والله متصورك متزوج ..إ شعجب ما مكمل نصف دينك لحد الان ؟ راسك مليان شيب .. شنو " الرميثة" ما بيها نسوان ؟ لا لا .. إنته غلطان .. لازم تتزوج وتشوف اطفالك ..شنو يابه منتظر تستشهد وتتزوج وحدة من الحور العين بالجنة ؟ من يضمن انت تروح للجنة ؟ أشو إنت صلاة ما تصلي ..حتى بشهر رمضان تشرب جكاير.. تزوج أخي تزوج .. إذا ما عندك أحّدْ يخطب لك ، آني أخطبلك ... ما لازم آني ، أخوي زهير يخطب لك ... زهير وظيفته عالية والناس تحترمه ... زهير معاون محافظ الديوانية وكلمته مسموعة اكثر من المحافظ .. اليوم اذا طلعت وجبة الاجازات تعال وياي وآني أعرفك على اخوي زهير .. ما راح تخسر شي .. يجوز بالمستقبل يفيدك .. الامور كلها صارت بالواسطة ( في الحقيقة والواقع إن أخي زهير ليس موظفا ... انه صاحب محل لبيع اطارات وبطاريات السيارا ت ...لا يتورّع عن غش الزبون حتى لو كان عيسى بن مريم .. يعتبر الغشّ نوعا من الشطارة طالما يؤدي الى ربح وفير ، لا يحمل غير شهادة الابتدائية .. وهو هارب من الجيش حاليا )
ـ ماكو إجازات اليوم ... الاجازات متوقفة .. والله يعلم اشوكت تنفتح ... يكولون أكو هجوم... الله الساتر .. منين إجتنه هاي البليّة .. صار لي ست اسابيع ما نازل اجازة
ـ بشرفك ؟ ست اسابيع ؟ عفية عليك اشلون عندك صبر .. آني صار لي اسبوع من رجعت من الاجازة ، والان طالعة روحي ... متوقع اخوي زهير يتصل اليوم بالآمر حتى ينطيني إجازة
ـ الاجازات متوقفة .. آني اليوم الصبح راجعت القلم وكالولي الاجازات متوقفة
ـ ما ممكن ...لازم اسافر اليوم بالليل للسماوة قبل ما يصير الهجوم ... شكو عندي باقي هنا بالشلامجة ...اليوم الهجوم على " نهر جاسم " وبعد يومين ثلاثة على الشلامجة ...اروح للمستشفى العسكري بالبصرة ... ملازم أول طبيب " عقيل طاهر " كان من طلابي بالاعدادية بالسماوة ينطيني إجازة مرضية ... هوايه يحترمني ويريد خاطري ...كلما يشوفني يتوسل بيّ حتى ينطيني إجازة مرضية ، لكن آني ما أروح ، لأن اخوي زهير مكفيني ... قائد فرقة المقداد ـ الفرقة العاشرة ـ العميد الركن عبد الواحد شنان رباط صديق اخوي زهير بالروح وحدة ...يشربون سوا وياكلون سوا ويسافرون سوا ...طيزين ابفرد لباس ... آمر اللواء يحترمني مو لأني شاعر .. لا والله ، يحترمني لعيون قائد الفرقة لأنه صديق اخوي زهير ...قبل شهرين سألت اخوي زهير: انت عندك علاقة مع العقيد فيصل السعدون ....؟ دائما يسألني عنك ويرسل لك سلام وياي .. فاجأني اخوي زهير لمّا سمعت جوابه ... كال لا ما شايفه ولا ملتقيه لكن الناس مصالح .. يجوز يعرف علاقتي الاخوية العميقة بنائب وزير الدفاع وبعبد الواحد شنان رباط ، ويريد يتقرّبْ مني بواسطتك لمصلحته الشخصية ... بالمناسبة ، اخوي زهير هو اللي نقل الطبيب عقيل طاهر من وحدة الميدان الطبية بديزفول داخل الاراضي الايرانية الى مستشفى البصرة العسكري .. واحتمال ينقله الى المستشفى العسكري بالسماوة
ـ وصّيه بيّ استاذ ... ثواب إلك
ـ ليش أوصيه ... تعال وياي اليوم وبيك خير وتدلل .. واحلف بالقرآن آخذلك إجازة مرضية مثلي بالضبط .. شوف بعينك شلون يفرح من يشوفني ..
ـ والله استاذ هذا فضلك ما أنساه طول عمري .... لكن اشلون نروح للبصرة وإحنه هنا بالشلامجة؟
ـ بسيطة ... إنت كل يوم العصر تذهب للمقر الخلفي ترسل البريد ... صحيح لو لا ؟
ـ صحيح
ـ إذن ماكو مشكلة ... نذهب للمستشفى العسكري قبل ما نذهب للمقر الخلفي
ـ والبريد ... والسيارة ؟
ـ هذي ايضا مو مشكلة ... ملازم احمد بالمقر الخلفي صديقي .. نراويه الاجازة وهو يتكفل الباقي
ـ الله يعطيك العافية ويحفظ جهالك ... فضلك ما انساه طول عمري

كثافة القصف الايراني هذه الظهيرة تنبئ عن استعداد لهجوم وشيك .. رئيس عرفاء الوحدة أبلغ الجميع بحالة الإنذار القصوى ... حان وقت الغداء دون أن يجرأ أحد على الخروج من ملجئه .. اسماعيل الفيترجي رمى بنفسه داخل ملجئنا الذي لايتسع لأكثر من ثلاثة اشخاص...الملجأ أصبح مثل علبة سردين وقد ازدحم بسبعة جنود ..قلت لاسماعيل الفيترجي:
ـ يا اخي ليش ما رحت لملجئك ؟
أجابني وهو ما يزال يلهث :
ـ ملجأنا بعيد ...
ـ وين بعيد ؟ بالحلة ؟ ملجأ الفيترجية ورا ملجأنا تماما ...عشرين متر ـ ويجوز أقل
ـ ها ؟ صحيح ، لكن القصف رحت اجيب القصعة سيارة الواز كانت
ـ اشبيك اخي ؟كمت تحجي خيطي بيطي.. قصف ..القصعة ..سيارة الواز
قال اسماعيل وقد استعاد بعض أنفاسه :
ـ حقراء كذابين .. يخدعون الناس ... إنتم شايفين دولة تكذب على الناس ؟ بس آني حمار ... ليش اتطوعت بالجيش ... حيل وياي .. أولاد الكلب ينشرون اعلانات كلها كذب حتى يقشمرون الناس .. إجونا لثانوية 17تموز بمدينة الثورة ..آني كنت بالصف الرابع ثانوي ... القوا علينا محاضرة شطولها شعرضها .. كالو هاي فرصة ذهبية ... تتطوعون بالجيش لمدة خمس سنوات على قسم الهندسة ... اول سنتين تحصلون على سيارة برازيلي وقطعة أرض مع سلفة من غير فوائد تبنون بيها بيت الاحلام ...الراتب عالي اكثر من راتب مدير الناحية .. بعد الخمس سنوات تختارون بين التسريح من الجيش ، وبين البقاء برتبة ملازم مهندس ..." سكت لحظات ثم واصل حديثه ":
ـ اولاد الكلب ...كذابين ... خمس سنوات !! صار لي عشر سنين بالجيش .. لا والله اكثر من عشر سنين ..... ولحد الان ما واصل نائب عريف ... خيط واحد ... بعد عشر سنين خيط واحد .. تُفْ على هذا الخيط ...ما أريده ... هاااااااااا أها .... شلعته .. شلعته ما اريد الخيط ...اذا كل عشر سنين خيط ، ينراد لي عمر نوح حتى اصير ملازم ثاني .....اخوات الكحبه كذابين ... خمس سنين وتصير ملازم مهندس ....تاليها كل عشر سنين خيط
ـ والسيارة البرازيلي ؟وقطعة الارض والسلفة ؟
ـ والله بايسكل ما انطوني ... يا سيارة يا قطعة ارض يا سلفة ...اخي كذابين سفلة يخدعون الناس... العن ابوهم وابو ابوهم ... كواويد ... راح يصير لي اهدعش سنة بالجيش بينما كاتبين بوثيقة التطوع خمس سنين ونتسرّح ... والله ما بيهم شريف ..لكن الذنب ذنبي ...آني حمار وصدّكتهم ... بس اروح اجازة بعد ما ارجع حتى لو يعدموني .... ما ارجع لو تنكلب الدنيا .. سفلة كذا........

بم ... بم ... بم بم بم بم بمبمبمبم... و: ازداد هطول مطر القنابل ، وبدأت اجسادنا ترتجف مع اهتزاز الارض تحتنا ، لأجد اسماعيل الذي كان بباب الملجأ ، يطفو فوق رؤوسنا ببدلته الملطخة بزيت المحركات وبصطاله المليء بالوحل والطين وبرائحة جواربه الزنخة وهو يصرخ : سترك يا رب سترك يا رب .. ( ثم بصوت خفيض مرتعش لكنه مسموع ) : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ............... أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا ...
وهنا صرخ به علي الغانمي :
ـ إبعِدْ بصطالك عن خشمي .. إقرا الفاتحة لكن بدون رفس ... شنو هالطركاعة السوده ... العن ابو الجيش ... آني ما أفتهم ... لو أفتهم كان أرسّبْ نفسي بالجامعة كل صف سنتين ثلاثة حتى ما أتخرّج إلآ تنتهي القادسية ( ثم وهو يوجه لي الحديث ) :
إستاذ يمكن القصف شويّه خفْ ... ان شاء الله ساعة ساعتين ونروح نرسل البريد للمقر الخلفي ...ما نريد قصعة اليوم ... آني عازمك على كباب لو تشريب دجاج
بالبصرة ... أعرف مطعم كباب مقابل سوق حنّا الشيخ كبابه يخبّل ... ومطعم ثاني بساحة ام البروم يطبخ احسن تشريب وقوزي ...
ـ هاي إشبيك ؟ وين أكو اجازات اليوم " وغمزت له بعيني ليسكت او يغيّر الحديث " فسكت ـ ولم يكن يعلم أنه سيهرب من الجيش بعد ساعات قليلة .

**