| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يحيى السماوي
Yahia.alsamawy@gmail.com

 

 

 

الأثنين 2/11/ 2009



على مشارف الستين

يحيى السماوي

( كتبت عشية تشييعي جثمان الشجرة التاسعة والخمسين
من أشجار بستان العمر )
 

سـتـون .. في ركض ٍ ولـمْ أصِـل ِ
نـهـرَ الأمــان ِ.. وواحـة َ الأمَـــل ِ

سـتون َ .. تحسَـبُ يـومَـهـا سـنـة ً
ضـوئـيَّـة ً.. مــوؤودة َ الـشُّــعَـل ِ

عـشـرون مـنهـا : خـيـمـتي قـلـق ٌ
بـيـن الـمـنـافـي عـاثـرُ الـسُّـــبُـل ِ

والـباقـياتُ ؟ رهـيـنُ مَـسْـغَـبَـة ٍ
حينا ً .. وحينا ً رهـنُ مُـعْـتَـقَـل ِ

شـاخ َ الطريقُ وخطوتي اكتهلتْ
ودَجَتْ شموسُ الصبح ِ في مُقلي

يعـدو المكان ُ مُـفارقــا ً قـدمـي
أمّـا الـزمان ُ فخطوُ ذي كـسَــل ِ

مــا إنْ أُصـادِح شــدوَ فـاخِـتَـة ٍ
حـتى أُنـاوِح َ دمـع َ مُـنْـثـَــكِـل ِ

حَـيـرانُ .. لا أدري أمِنْ بَـطَـر ٍ
غـادرتُ أرض الـنخلِ أم ْ خَـبَـل ِ ؟

تـلـك الـديـارُ علام َ أعــبـدُهـا ؟
لا نـاقَـتي فـيهـا .. ولا جَـمَـلي !

أما الـطـيـورُ فـغـيـرُ سـابِـحـة ٍ
فـكـأنَّـهـا شُـــدَّت ْ إلــى جَـبَـل ِ !

لـطـمَـتْ نـوافِـذُهـا سـتائِـرَهــا
جَزَعـا ً من الأسْحارِ والأصُـل ِ !

سـتون َ .. حينا ً لـهْـوُ ذي نَـزَق ٍ
عـاة ٍ .. وحينا ً صَمْتُ مُـعْـتـَزِل ِ !

بعـضي يُـريـدُ الـدّهْـرَ يـلـبَـسُـه ُ
ثـوباً .. وبعضي يشتهي أجَـلي !

سـتون .. مَـرّتْ غـيـرَ مُـمطِرة ٍ
مـرَّ الـطيـوفِ بجـفـن ِ مُـكـتَحِـل ِ

ســتون .. لا أهــلا ً بــقـافِــلــة ٍ
تُـدْني ذِئابَ الحَتْف ِ من حَمَـلي !

**

سـتون َ بـيـن الـجِلـف ِ والجَـفَـل ِ
مُـسْـتَوحَـشُ الإشـراق ِ والـطَفَـل ِ !(1)

جيشان ِ يشتَـجـران ِ في جسدي :
نَـزَق ُ الشباب ِ وهَـدْيُ مُـبْـتَهِـل ِ !

قَـدَّ الـحَـبـيـبُ الـقـلـبَ مـن دُبُـر ٍ
والأصـدقـاءُ الـزّورُ مـنْ قِـبَـل ِ !(2)

يا صَـبْـرُ: كم أطْـمَـعْـتَ فاجـعـة ً
بتجَـلُّـدي وسَـخَـرت َ من حِـيَـلي ؟

دالـتْ بيَ الأشـواقُ واحتَـطـبَـتْ
صـرحي فما أبقَتْ سـوى طـلـل ِ

أفـأشْــتـكـي غـدرَ الـهـوى وأنـا
قَـيـدي وسَــجّـاني ومُـعْـتَـقـلــي ؟

ســتـون عـامــا ً فـي مـجَـرَّتِـه ِ
لـيـلـي .. وبدري غـيرُ مُـكْـتَمِـل ِ !

خمري نـزيفُ دمي .. ومائـدتي
كهـفُ الهموم ِ..وعلقَم ٌ عَـسَـلي !

جسدي طريدةُ خنجري.. ويـدي
ما اسْـتَجْلبَتْ غـيرَ الرزيئة ِ ليْ !

لـم يـبـق َ في بـسـتان ِ عـافـيـتي
إلآ هـشـيـمُ العـشـب ِ والـدَّغَــل ِ !

جَـفَّـتْ يـنابـيـعـي ســوى ثَـمَـد ٍ (3)
أمــتـارُهُ مـن غَـيْـمَـة ِ الـمَــلــل ِ

لـم أدّخِـرْ جمرا ً لـخـبـزِ مُـنى ً
في العِشـق ِأو صبرا ًعلى عِـلل ِ

وشربْـتُ ـ لا كالشاربين ـ طلىً
مـن دمع ِ أعـنـاب ٍ ومـن قُـبَـل ِ (4)

الخمرُ ؟ أشربُـهُ فـيسـكـرُ من
شفـتي ويُـثـمِلُ كأسَـهُ ثَـمَـلي !(5)

نَـدَمي بحجم رفات ِ أزمـنـتـيِ
ويحيْ عليَّ غـفـوتُ عنْ زلـلي !

**

ستون .. لا صُلحي ولا زَعَـلـي
أدنى نَـزيل َ الـقلـب ِ من مُـقـلي !

إنّ الـتي بـالأمــس ِ تُـلـحِـفـنـي
دفءَ الـنهود ِ وبُرْدَة َ الخُـصَـل ِ

جَحَـدَتْ شِـراعـاتي مَـرافِـئـهـا
واسْـتذأبَتْ نـسْـرا ًعـلى حَجَـل ِ !

هيَ" قسمة ٌضيزى "لها مطري
وبيادري .. وأنا العواصِفُ ليْ !(6)

أشْـركتُ حتى خِـلـتُ مبسَـمَـهـا
لاتي .. وناهِـدُ صَـدرِهـا هُـبَـلي !

يا حـرقـة َ الـصحـراءِ مـعـذرة ً
لم يـبـقَ في كوزي سوى وشَـل ِ

ضوئـيّـةَ الـ .. ماعادَ يجـمـعـنـا
خـيط ٌ من السلوى فلا تَصِـلي

قـد يـسْـتَـفِـزُّ مـخـاوفـي فـرَحي
ويـسـيـرُ بيْ لـمـسَـرَّة ٍ وجَـلـي !

**

سـتون .. لا جِـدّي ولا هَـزلــي
قـد أغْــوَيـا بيْ هُـدهُـدَ الـجَـذل ِ !

يا مُـرْدِفـا ً شـمسـا ً إلـى قَـمَـر ٍ
طاوي الطِماح ِ مُـشَـيَّـعَ الأمَـل ِ

آنَ الـتَـرَجُـلُ عن ثـراكَ .. فهلْ
جـهَّـَـزتَ زادَ غــد ٍ لـمُـرتـحِـل ِ ؟

الـجـاهــلـيّـة ُ مــا يـزالُ لـهـــا
في دار ِ نخـلـة َ ألفُ مُـشـتَغِـل ِ!

مـن طـائـفـيّ ٍ لـيـس يُـشـغِـلـهُ
إلآ تــسَـيّـدهُ عـلى " الـمِـلـل "ِ

ومُـكبّرينَ وتحـتَ عِـمَّـتِـهِـم
مليونُ (شِمر ٍ) أو( أبو جَهَل ِ)

الآمـرون بـنسـف ِ أضرحـة ٍ
وبذبـحِ مُـرضِـعـة ٍ ومـكـتهِـل ِ

ومن اللصوص البائعين قِرى
أجـيالِـنـا في ألـف ِ مُحْـتَـفـل ِ

مَـنْ ذا تعاتـبُـهُ ولــيـس بهــمْ
مْنْ صادق ٍ ديـنـا ً ومن رجُـل ِ ؟

المُـظـهرون هوى " مُـعـاوية ٍ "
طمعـا ً بجاه ٍ ..والخفاء ِ" علي"

مـولايَ ـ يانخل الفرات ِـ أما
للعـدل ِ في واديـك مـن أمـل ِ ؟

من أين يُـرجى لـلعـراق غـدٌ
و"الأجنـبيُّ" أبٌ لـهُ و" وليْ "؟ (7)

أحلـى الأماني أنْ أرى وطني
حُـرّا ً وقَـومـي دونما كـلـل ِ

سـتون في ركض ٍ ولم أصل ِ
نهـر الأمـان ِ وواحة الأمــل ِ !


(1) الجلف : الغليظ الطبع .. والجفل : الخوف .. الطفل : قبيل غروب الشمس أو قبيل شروقها .. .والظلمة بشكل عام .
(2) إشارة إلى صديق استودعته بيتي وبستاني ومكتبتي فخان الأمانة ( والأنكى أن ابنه سرق مخطوطة ديواني وراح يقرأ قصائدي في السماوة قبل افتضاح أمره ) .
(3) الثمد : الماء القليل الذي يتجمع في الشتاء نتيجة المطر وينضب صيفا . أمتاره : أتزوّد به .
(4) الطلى : بفتح الطاء اللذة والهوى .. وبضمها : الشربة من اللبن ونحوه .
(5) البيت أخذت معناه من أحد أبيات قصيدة قديمة لي نشرتها عام 1970وغنى بعضها آنذاك المطرب فاضل عواد .
(6) قسمة ضيزى : قسمة غير عادلة .. قال تعالى: تلك إذا قسمة ضيزى [النجم/22
(7) نقلت وسائل إعلامية غربية أنّ" البيت الأسود الأمريكي" يمهد لإشراك قتلة الشعب العراقي من بقايا النظام المقبور في الحكم .
 


 

free web counter