| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يعكوب أبونا

 

 

 

                                                             الأحد 3/2/ 2013



 تعقيب على مقال السيد عزت اسطيفان
حول صراعات الكنيسة وسقوط القسطنطينية ؟

يعكوب ابونا

جميل جدا ان اجد الاخ عزت اسطيفان يساهم في رفد قرائنا الاعزاء بالمعرفة والثقافة التي نحن جميعا بحاجة اليها ، فاتمنى له كل الموفقية في مسعاه هذا ، وحسنا فعل عندما بدأ بالكتابه عن بعض فصول كتاب الاستاذ نجيب اسطيفان " حول صراعات الكنيسة وسقوط القسطنطينية " وعند حديثه عن المسيحية في حقبتها الاولى ، وجدت بان هناك ما يتطلب بعض التوضيح ، ارجو من الاخوين الكريمين ان يتقبلوا توضحي هذا ، وسأضع المقتبس من المقال بين قوسين واعلق خارجهما .. ... عن الكتاب يقول ....

1- ((كانت أورشليم (القدس) نقطة البداية لانطلاق التبشير ثم تبعتها انطاكيا . وبعد أربعين سنة أصبحت روما مركز ثقل التبشير عندما وصل إليها الرسولان بطرس وبولس...))...

من اورشليم فعلا بدأت بشارة الرسل كما امرهم السيد المسيح ، وكانت كنيسة اورشليم محضا لاهل الختان ( اليهود المتنصرين ) ، فعندما انطلقت البشارة الى انطاكيا سوريا واسست كنيسه انطاكيا كانت لاهل الختان والغرله معا ، اذ جاء في روميه 11/17 "بان زيتونه بريه ( يقصد الامم ) طعمت بزيتونه الاصل ( ويقصد بهم اليهود ) فاصبحت كنيسة انطاكيا تحتضن من كل الامم واليهود معا ، يذكر اوسابيوس القيصري ج1ك2 ص 152 " بان بطرس الرسول توجه الى انطاكيا حيث اسس كرسية الرسولي وبنى كنيسة سنة37 "، كان الرسول بولس قد سبقه اليها عام 34 ، عندما وجده برنابا في طرسوس فجاء به الى انطاكية فكانا يجتمعان ويعلمان جمعا كبيرا " اعمال الرسل 11/ 25 -26، ونجده بطرس سنة52 يرجع اليها للمرة الثالثة ، وعن الوثائق القديمه يذكر ابن العبري في التاريخ الكنسي جزء1، بان بطرس من سنة53 حتى الستين كان وحده في انطاكيا ، وفي مقدمة تفسير ابن صليبي لانجيل مرقس يقول بان بطرس الرسول هو من علم المؤمنين ان يتجهوا نحو الشرق في الصلاة ، رسم بطرس بمساعدة مار بولس مار افوديوس نائبا له ، كما رسم مار اغناطيوس النوراني ايضا ، جاء في كتاب تاريخ سوريا للمطران يوسف الدبس ج3 ص 554 ، وكتاب بطريركية انطاكية تأليف الدكتور نيل ص5 ، وكتاب الشرق المسيحي تأليف ليكان الفرنسي ج18 ص 4821 ، بانه " اسس كنائس قيصرية وبيروت وجبيل وصور وصيدا وطرابلس ،".... وبقى بها وحده حتى عام 60 ، وهذا ما يؤكده ايرونيمس في مشاهير الرجال ف1 والبابا لاون الاول في رسالة الى اناطوليوس القسطنطيني ، والكردنيال بارونيوس في جدول سنتي 42 و43 ،" ومازال يحتفل بعيد تأسيس كرسي مار بطرس في انطاكيا في 22 شباط ، حسب تقويم الاعياد السرياني المطبوع في رومية سنة 1953 " .. ويذكر البطريرك مار اغناطيوس يعقوب الثالث في ص 56 من كتابه تاريخ الكنيسة السريانية الانطاكيه ، " .. وقد اخبرنا التقليد الكنسي انه التقى ببولس رسول الامم في كورنثوس سنة 65 ، واذا بلغهما نبأ الاضطهاد العنيف الذي اثاره نيرون الطاغية على المؤمنين في رومية توجها اليها لتعزيتهم ، فاعتقل سنة 66هناك وصلب منكسا رأسه بحسب طلبه عام 67 م، " ... وخلفه على كرسي كنيسة انطاكيه افوديوس 53-68 وهكذا توالوا من بعده بطاركه على كرسي انطاكيه ، الذي اصبح أسقفها هو الأب العام أو البطريرك العام للمشرق .. ويذكر بطرس نصري في كتابه ذخيرة الاذهان جزء الاول ص 44 و49و 73 و74 ، بان الكرسي الانطاكي كانت له سلطة على كل المشرق ، و في انطاكية المدينة السورية أطلق اسم المسيحيين للمرة الأولى، لذلك يعتبرون انفسهم الخلفاء الشرعيين لبطرس الرسول في قيادة الكنيسة، ، وان تسمية سوراي او سوريايي مشتقه من سوريا ونقلت الى العربية بلفظتي سريان وسريانيين ، وهذه اخذت من " اسيريا " وفقا للفظ اليوناني ، وهذه من اسور اي اشور ، هذا ما يذكره الاب يوسف حبي في ص 44-45 من كتابه كنيسة المشرق ....

كما ذهب الرسول توما الى الهند الذي كان قد ارسل امامه ادي الى ابجر ملك الرها ليشفيه من مرضه والذي كان قد امن بالمسيح قبل ان يراه ، ووعده المسيح بالشفاء من مرضه وله قال السيد المسيح طوبى للذين امنوا ولم يروا ، قتل توما في الهند سنة 75 م ، وكان تلميذه ادي وهو من السبعين رسولا ، اول الرسل الى بلاد الرافدين ، وماري اسس الكرسي المدائن " سليق وقسطفون " قاعدة مملكة الفرثيين كان ذلك سنة 49م ، نصري ص 39 ،هذا كان الواقع في انتشار المسيحية وتأسيس الكنائس ، نلاحظ الان لدينا ثلاث كنائس اساسية اورشليم وانطاكيا وكنيسة المشرق ، كما لا يفوتنا ان نذكر بان الرسول بطرس كان سنة 61 قد ارسل مرقس الى مصر ليبشر بالمسيح فذهب الى ليبيا موطنه الاصلي وبشر هناك ومنها ذهب الى مصر، الاسكندرية حيث تلمذ اولا اسكافيا اسمه انيانوس واهل بيته ،وسنة 64 رسمه اسقفا ، ومات مرقس شهيدا سنة 68 ....

كانت لهذه الكنائس الاربع دور اساسي وكبير لما قدمه المؤمنون من التضحيات والشهادة ، ولازالت هذه الكنائس مستمرة بعطائها وتضحياتها ومحتفظة بعقائدها الايمانية ، فكنيسة روما لم تكن موجوده في هذه الازمنه ولم يكن لها الدور الذي يسوّق لها لتكون اولى الكنائس ، ؟؟

ولكن الذي لا يمكن انكاره وهو ان نعترف صراحة بان ما كان لكنيسة روما ان تصل لما هي عليه في بسط نفوذها وسطوتها ، لولا انتصار قسطنطين على منافسيه ، فعندما دخل روما عام 312 م وفي سنة 313 م اصدر مرسوما ( اعلان ميلانو ) الغى به جميع مراسيم الاضطهاد التي اصدرها ديوكليشيان ضد المسيحيين، فنال المسيحيون الحرية والاحترام وارتقوا منهم الى المناصب العليا ، وهذه كانت بداية لبروز دور كنيسة روما وسطوتهاعلى بقية الكنائس..

والا كيف نفسر الفترة منذ انتشار المسيحية وحتى اعلان ميلانو فهي اكثر من 300 عام لم يكن لكنيسة روما وجود ولا تأثيرعلى الكنائس الاخرى ،..؟؟ والقول بانها خليفة مار بطرس ، فيكون من الضروري طرح السؤال الذي يفرض نفسه بهذا الصدد ان كانت كنيسة روما تمثل بطرس " الصخرة " التي بنى المسيح عليها كنيسته كما يدّعون ، فاين كانت تلك الصخرة ،؟ قبل وجود كنيسة روما ؟؟

يذكر الن هوايت في كتابه الصراع العظيم ص 59 بان الامبراطور قسطنطين اصدر منشوراً صار بموجبه يوم الاحد عيدا عاما في كل انحاء الامبراطورية ، والى جانبه صار رعاياه الوثنيون يوقرون يوم الشمس كما صار المسيحيون يكرمونه ، فكان القصد ان يوّحد مصالح الطرفين في الاحتفال بهذا اليوم ".. ويذكر اندرو ملير في مختصر تاريخ الكنيسة " في ص 149، بان الامبراطور قسطنطين عهد امر تربية ابنه " كريسبوس " وتهذيبه الى " لاكتانتيوس " الشهير الذي كان مسيحيا ، ولكنه بسبب هذه الرعاية الملكية اتخذ لنفسه مقام السيادة على الامور الكنسية ، فكان يحضر مجامع الاساقفه ويتحاور معهم ويحسم الخلافات العقائدية ، ومن ذلك الوقت فصاعدا صارت الكنيسة تعرف في المكاتبات الرسمية باسم الكنيسة الكاثوليكيــــــــة ، واما الامبراطور فقد اصدر لرعيته في الشرق بانه آلة في يد الله لنشر الايمان الصحيح ، وان الله منحه الظفرعلى قوات الظلمه ، وفي خطابه الى يوسيبوس يقول " وبان الذين سقطوا في جرائم كثيرة بسبب الخوف او عدم الايمان سيقبلون الى معرفة الاله الحقيقي " .. ومن هنا اخذ رأس الكنيسة بصورة علنية امام العالم اجمع ، وفي الوقت ذاته احتفظ لنفسه بمقام الكاهن العظيم للاوثان ، ذلك اللقب الذي لم يتخل عنه قط حتى مات وقد حاز على لقبين - رأس الكنيسة والكاهن العظيم للاوثان .. وهو على فراش الموت قد نال المعمودية على يد يوسيبوس اسقف نيكوميديا ، ومات بعدها بفترة وجيزة وكان ذلك سنة 337 م " ... هكذا اصبحت روما مركز الثقل المسيحي بهذا التحول الدراماتيكي وبسطت نفوذها وسلطتها ، وبدأت الارساليات تنتشر في اوربا...

2- ((بعد إستشهاد الرسولين بطرس وبولس وعدداً من الرعيل الأول من المبشرين صلباً أو تعذيباً، ظهرت الحاجة لتأسيس جمعية أو تنظيم أو مرجعيات محلية لتأمين عدم حصول تشوش أو تمزق في الجسم المسيحي اليافع))...

عن دائرة المعارف البريطانية الطبعة التاسعه ج18 ص 696 " بان روما ومنذ القرن الثامن اخذت تحتفل بذكرى اسقفية بطرس فيها وهو اليوم الثامن عشر من شهر كانون الثاني " ...اي انها لم تكن تحتفل باسقفية بطرس قبل ذلك التاريخ، ؟؟ وقد ترك بطرس للكنيسة رسالتين الاولى كانت قبل 50 من اورشليم يشير بها الى حلول روح القدس يوم العنصرة ، موهبة الالسن ، والثانية يُعتقد بانه ارسلها من روما بين سنتي 65 و67 ..

و يذكر البطريرك مار اغناطيوس الثالث في هامش ص 57 من كتابه المشار اليه اعلاه ، بانه من الغريب ان يلتقي الرسولان ( بطرس وبولس ) في روما زمنا ولا يشير احدهما عن الثاني في رسائله الى الكنائس ، ولاسيما بولس الذي ثبت في رسائله حتى الامور الخصوصية البسيطة فكيف يغفل عن ذكر مقدم الرسل وهو صحبته مساء وصباحا ؟؟" فعلا مسألة بها نظر...
كان بولس قد اتهم في اورشليم ، وبعد سلسلة من المحاكمات أُرسل إلى روما ليقضي بها سنتين ، وبعدها ذهب إلى قيصرية ما بين عامي 58 و 60 ورجع إلى روما عام 61. وقد أعدم عام 67 بقطع رأسه بأمر من نيرون على إثر حريق روما الذي اتهم المسيحيين بإشعاله عام 64م ، وله مجموعة رسائل بلغت 14 رساله منها رسالته الاولى والثانية الى تيموثاوس ورسالته الى تيطس ..

اما القول بان الحاجة ظهرت الى جمعية او تنظيم بعد ذلك..؟ قد يكون الامر مشكوكاً فيه ، لان التنظيم والترتيب الكنسي كان معروفاً لدى بطرس وبولس لانه بدأ ذلك في اورشليم منذ السنين الاولى للمسيحية ، كانت مجامع اورشليم مرتبة ومنظمة ، ومنها اول المجامع الكنسية في اورشليم - الذي انعقد بعد صعود المسيح ، وكان لغرض انتخاب رسول اخر عوضا عن الاسخريوطي ، وكان الحضور قد رشح اثنان من الرجال هما يوسف ومتياس ، ثم القوا القرعة فوقعت على متياس ، فضموه الى الرسل الاحد عشر ، سفر الاعمال 1/ 23-25 ، اما المجمع الثاني - كان في السنه الثانية للصعود لاقامة الشمامسه في الكنيسة لمساعدة الرسل ، فانتخب سبعة رجال ورسموا شمامسة بوضع الايدي ، واصبح هذا من المميزات المطلوبه والعرف المطلوب في انتخاب الاكليروس ، واما المجمع الثالث - كان بناء على طلب مار بولس عام 51 للبحث في امر الختان .. وكان انذاك يعقوب اخو الرب اسقف اورشليم ، نستنتج من هذا بان التنظيم الكنسي من شمامسه واكليروس واساقفه كان معروفا ومتبعا في اورشليم ، وطبيعي ان يكون الرسل قد اتبعوه عند انشاء كنائسهم في مناطق اخرى ، عليه فان روما لم تكن سباقه الى ذلك التنظيم ، اما اذا كانت قد اتبعته فيكون تقليدا للسياقات التي اتبعت وجرت في اورشليم والكنائس الاخرى التي سبقت روما في الايمان ودخول المسيحية اليها ، عليه فان الاشارة كما وردت اعلاه يفهم منها بان روما كانت سباقه الى ذلك ، وهذا يخالف الواقع لانه يشكل مصادرة حق الاخرين في هذا الشأن ، ومنحه الى روما بدون وجه حق....

3- ((في بداية الأمر لم يكن هناك قسيس لإقامة القداس بل كان يديره ويوعظ به من دعا إليه. لم يكن هناك كهنوت بمرجعية واحدة، بل مسؤول يقف في أعلى سلم الجماعة ويساعده واعظ بعد زيادة عدد المؤمنين وتوسع رقعة نشاطهم، تطلبت الحاجة تأسيس إكليروس "مجموعة كهنة" لوضع تجمعات المؤمنين تحت إدارة وقيادة واحدة وإنشاء كنيسة تجمعهم بإرادة وكلمة واحدة.))... ....

كما بيّنا اعلاه بان التنظيم الكنسي ودور الاكليروس كان معروفا ، واما في روما قد يكون بسبب الاختلافات في تفسير التعاليم من قبل افراد الكنيسة الواحدة ، ادى الى انشاء المجالس والمجامع والحاجة الى اقامة رئيس عليهم لقيادة المجلس ، وكانت العادة ان ينتخب اسقف عاصمة المقاطعه رئيسا للمجلس ، ومع الوقت اخذ هؤلاء يزعمون ان الله اودعهم قوة وسلطانا لادارة الكنيسة ، كانت المسيحية قد دخلت روما في وقت مبكر ، وليس هناك ذكر على يد اي من الرسل دخلت ، وكما لاحظنا انفا بان بطرس وبولس ذهبا اليها سنة 65 لتعزية المؤمنين فيها لما كانوا يتعرضون له من الاضطهاد من قبل السلطات ، من هذا نفهم بان لا بطرس ولا بولس لهم دور في ادخال المسيحية الى روما ، ولكن لا ننكر بان شوكة المؤمنين قد تقوّت بعد استشهاد الرسولين على يد نيرون .

كانت كنيسة اورشليم تعتبر الام وكان إحساس المسيحيين بها بان حقها عليهم وواجبهم نحوها... فكانت ترسل التقدمات لفقراء أورشليم من الكنائس المختلفة.... لقد كان بولس يجمع التقدمات من كنائس الأمم التي أسسها، ويرسلها إلى كنيسة أورشليم.... بل هو بنفسه كان يحمل هذه التقدمات، كما حدث في زيارته الثانية لأورشليم حوالي سنة 44م، حينما كان يحمل تقدمات كنيسة إنطاكية (أع11: 30) ...

وقد تولى أمور كنيسة أورشليم يعقوب اخو الرب حتى سنة 62م وقد كان أول أسقف عليها، وبعد ان استشهد خلفه مباشرة أخوه سمعان بن كلوبا الذي استشهد عام 106مصلوبًا على يد أتيكس والي اليهودية سنة 106م ....

4- ((وهكذا أصبح في بداية القرن الرابع لكل تجمع أسقف مسؤول ومؤسسة كهنوتية وبدأت عملية رعاية وحدة الكنيسة تجري وتنفذ من خلال إستشارة الأساقفة))..
يذكر اندرو ملير المصدر السابق ص 125 ، في عام 245 تم تعيين رواتب شهريه للاكليروس ليمنعوا من الاستمرار في ممارسة وظائفهم الحرفية،.. اما في بداية القرن الرابع وبعد اعلان ميلانو في مارس 313م قام نوع من التحالف بين الكنيسة والحكومة واخذ الامبراطور قسطنطين مقام رئيس الكنيسة ، وكان يحضر مجامع الاساقفة الدينية بصفته رئيس الكنيسة المطلق ، فعندما نشأت البدعة الاريوسية في الشرق ، كتب خطابا الى اسقف الاسكندرية اسكندر والى اريوس معا ، وبخهما فيه تنازعهما لاجل امور تافهة واختلافات وهمية ، واوصاهما ان يعيشا بسلام واتحاد ، ولكن عندما وقف على حقيقة النزاع دعى الاساقفه الى عقد مجمع يقررون به الايمان الصحيح ، في شهر يونيو سنة 325 م اجتمع اول مجمع في نيقية "نيس" وحضر نحو 318 اسقفا ، واستمر المجمع مدة تزيد عن الشهرين ، وكان نتيجته اقرار قانون الايمان المشهور الذي تؤمن به جميع الكنائس وتتلوه ، ورفض اراء اريوس وتم نفيه مع اثنين من اساقة مصر كانوا معه ، ولكن الامبراطور وبتأثير اخته قرر في سنة 327 استدعاءه ومحاورته فاظهر قسطنطين رضاه وسروره بما سمع ، فاصبح اريوس من اتباعه واصبح له نفوذ كبير.. نلاحظ هنا قوة الدولة وسطوتها وسلطتها في ادارة وتوجيه شؤون المؤمنين ، فكانت هذه البداية التي اتبعها الامبراطور عندما اتخذت الامبراطورية الرومانية المسيحية ديانة لها ، وزيادة دورها وتأثيرها كان واضحا في مجمع افسس الذي عقد للنظر في اراء نسطورس الذي كان قد اقيم اصلا باطريركا على العاصمة البيزنطية في 10 نيسان سنة 428 تجاوبا مع رغبة الملك تاودوسيوس الثاني ، ويذكر الاب البير ابونا في ص 61 من كتابه تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية بان قورلس كان بطريركا للاسكندرية منذ سنة 428 ، كان على خصام مع نسطوريوس فاستطاع من استمالة اسقف سلستينوس اسقف روما الى جانبه ، وبتأثيره وافق الامبراطور ثيودوسيوس على اصدار الامر بعقد مجمع في افسس سنه 431 وافتتح المجمع في 22 حزيران قبل وصول جميع الاباء، وترأس كورلس الاجتماع فقرروا تحريم نسطورس ونفيه ، الا ان الاجتماع الذي ترأسه البطريرك يوحنا بطريرك انطاكيه قرر عزل كورلس ومؤيديه والغاء قرارهم ، ولكن الامبراطور اصدر قرارا في 29 حزيران بالغاء كل ما جرى في 22 حزيران مجمع كورلس ، الا ان اجتماع 16 و17 تموز التي عقد بحضور وفد روما حرّم يوحنا مع 34 اسقفا ، فامر الامبراطور بعزل نسطورس وممنون مطران افسس لتواطئه مع كورلس ووضعهم جميعا رهن الاعتقال ، وبعدها نفى نسطورس الى الصحراء الليبية وتوفي هناك قبل انعقاد المجمع الخلقيدوني سنة 451 م،.. هنا نجد بان قوة السلطة وتدخل الامبراطور بالشأن الكنسي ، اعطى لاسقف روما تلك المكانه التي استطاعت روما من خلالها الاستفاده من بسط نفوذها السلطوي على الكنائس الشرقية ومع تعاظم دورها ادّعى اساقفة روما السلطان الروحي فكانت لروما السلطتين الدينية والدنيويه ...

5- ((وأصبح أسقف روما ومنذ البداية المرجع الرئيس كونه خليفة الرسول بطرس والناطق بأسم كل الكنائس إعتماداً على قول المسيح لتلميذه بطرس " أنت الصخرة، وعليك سأبني كنيستي)). ...
بيّنا انفا كيف تم التحالف الحكومي والكنسي وكما يسميه احد فلاسفة اللاهوت الحلف غير المقدس ، وان علمنا بان اول من غيّر لقب اسقف روما الى لقب بابا روما هو سيركيوس سنة 384 -399 م ، كما نجد بان البابا غريغوريوس السابع 1073- 1085هو الذي اعطى لكنيسة روما العصمة والكمال ، وله السلطان ان يخلع الاباطرة ، وفعلا هذا ما تم بخلع الامبراطور الالماني هنري الرابع ، والبابا هذا هو من اقترح فكرة استعادة القدس التي تحولت فيما بعد الى الحروب الصليبية......

اما اسقف روما قد اصبح المرجعية منذ البدايه ،هذا غير صحيح بدليل وجود الكنائس الاخرى قبل وجود كنيسة روما ، ولكن بعد التحالف مع الدولة اصبحت روما تمثل القوة الدينية والدنيوية في آن واحد ... اما كون البابا خليفة بطرس على اساس النص "أنت الصخرة، وعليك سأبني كنيستي ". ... فهذا النص ليس كما ورد بالانجيل ، فالاصل هو كما في : (( انجيل متي (مت 13:16-20):- ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس سأل تلاميذه قائلًا من يقول الناس أنى أنا ابن الإنسان. فقالوا قوم يوحنا المعمدان وآخرون إيليا وآخرون ارميا أو واحد من الأنبياء. قال لهم وانتم من تقولون أنى أنا. فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي. فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا أن لحما ودما لم يعلن لك لكن أبى الذي في السماوات. وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.. حينئذ أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد أنه يسوع المسيح. وفي انجيل مرقس 8/ 27- 30 فأجاب بطرس وقال له أنت المسيح.. وفي لوقا 9 :18- فأجاب بطرس وقال مسيح الله. فانتهرهم وأوصى أن لا يقولوا ذلك لأحد.)) ...

لنلاحظ اولا دقة سؤال المسيح ولنفسره بعمق " من يقول الناس أنى أنا ابن الإنسان " نجد هنا المسيح يؤكد ناسوته كونه ابن الانسان ، ونلاحظ بان الاب يعلن لبطرس ،ليقول بانه انت المسيح ابن الله الحي ، نفهم من هذا " لاهوت المسيح ، فيكون الله الظاهر في الجسد " بطبيعتين ناسوتية ولاهوتية " وهذا هو ايمان الكنيسة ، كما يرد في كتاب اللاهوت الادبي ، ويقول بولس الرسول "لا أحد يستطيع أن يقول المسيح رب إلاّ بالروح القدس" (1كو3:12 ويو 16: 14)... فالذي أعلنه بطرس هو الايمان بالمسيح وان يقيم كنيسته على هذا الإيمان، ويعطى كنيسته سلطان الحل والربط، ليس لبطرس فقط بل لكل الرسل (مت 19:16+ مت 18:18يو 1:47 -51 ).

لذلك القول بان " أنت الصخرة، وعليك سأبني كنيستي " فهو مردود من اصله ، لانه خلاف النص من الناحية الشكلية ، ومن الناحية الموضوعية لا يمكن القول بان المسيح يبني كنيسته على الانسان مهما كان هذا الانسان ، وان كان الامر كذلك ، فأين كانت كنيسة المسيح قبل قيام كنيسة روما بعد 313 م ؟؟ الم يكن بطرس الصخرة للكنائس الاخرى ؟؟

يذكر كتاب التفسير التطبيقي للكتاب المقدس هذا النص :(( بان اعتراف الايمان الذي قدمه بطرس ويقدمه كل المؤمنين الحقيقيين من بعده ، وبطرس نفسه يذكر ، بان المؤمنين انهم الكنيسة المبنية على اساس الرسل والانبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية " 1 بط 2:4-6 " وجميع المؤمنين متحدون في هذه الكنيسة بالايمان بيسوع المسيح المخلص ، " بط ايضا أف2: 20-21 " .. ولقد امتدح الرب المسيح بطرس لاجل اعترافه بهذا الايمان ، ، فالايمان كايمان بطرس هو اساس ملكوت المسيح )) كما ان البطريرك مار اغناطيوس الثالث في هامش ص 53 من كتابه تاريخ الكنيسة السرينية الانطاكية ، يقول "بان المسيح لم يؤسس كنيسة على بطرس واما بطرس فقد وضع في بناء هذه البيعة ،بل وضع مع رفاقه الرسل كحجارة في اساسها ، يقول يوحنا الرسول : " ولسور المدينه اثنا عشر اساسا ، فيها اسماء الحمل الاثنى عشر، رؤ : 21 : 14 : وبهذه المعنى فان كل مؤمن هو بطرس اي حجر في بناء بيعة المسيح كما شهد بطرس الرسول قائلا : وكونوا انتم ايضا مبنيين كالحجارة الحية بيتا روحيا 1بط 2: 5 " الا ان حجر الزاوية هو المسيح ، كما قال الرسل " وقد بنيتم على اساس الرسل والانبياء وحجر الزاوية هو المسيح يسوع اف 2: 25 ".. وبنفس التوجه والعقيدة هو للكنيسة المرقسية ، وكذلك لكنيسة المشرق ، والكنيسة البروتستانية ، اما المعروف بان كنسية روما استغلت قوتها التي استمدتها من قوة الامبراطورية الرومانية وفرضت سلطتها وسطوتها على بقية الكنائس وسوّقت لفكرة بان اسقفها هو خليفة الرسول بطرس واعتبرت هذا تقليدا للخلافة الرسولية ، وليس حق روحي منح لها من السماء ، لذلك لا نجد مع هذا التوجه الا الكنائس الكاثوليكية التي تتبع روما ، خلافا لاصل الحق اللاهوتي في تفسير النص المقدس .....

6- ((في مثل تلك الظروف تطلبت الحاجة إقامة مرجعيات تدير شؤون الكنيسة ورعاياها فتشكلت بطريركيات في أورشليم " القدس " وانطاكيا والإسكندرية وبقي البابا في روما الرمز والمرجع الرئيس لتلك البطريركيات.)) ...

كما بيّنا انفا بان اولى الكنائس كانت في اورشليم وانطاكيا والمشرق والاسكندرية ، ولم ينتظروا لاقامة مرجعياتهم لحين قيام كنيسة روما ، بل كانت لهم مرجعياتهم وباطريركيتهم وبشكل مستقل عن روما ، والبابا ليس رمزا لهم لان لهم استقلاليتهم ، ،وهنا نشير الى الفرق بين السيطرة والخضوع والانتماء والقبول ، فهذه المرجعيات الباطريكية في اورشليم وانطاكيا والمشرق والاسكندرية ، كانت تخضع لسيطرة الامبراطورية الرومانية سياسيا وعسكريا ، ولم تكن تابعه لكنيسة روما او خاضعه لها بقدر خضوعها لسلطة الامبراطورية . فكانت السلطتين متداخلتين انذاك ، الدينية والدنيويه واستمرت، ومع ذلك لم تفقد تلك الكنائس خصوصيتها وعقيدتها الفكرية ولم تحضع لعقيدة روما ، ...
رغم ان روما وكما نعرف كم كانت معاناة الشعوب الاوربية من سطوتها وسيطرتها وظلمها وقهرها ، لدرجة ان تلك الفترة اطلق عليها بالفترة المظلمة في تاريخ اوربا ، وكرد فعل عن تلك الاعمال والسلوكيات كانت الحركة الاصلاحية في القرن السادس عشر على يد مارتن لوثر ، وقيام المذهب البروتستاني ، بتنظيم وإدارة جديدة عرفت بالكنائس الإنجيلية أو البروتستانتية، وتبعها قيام الثورة الصناعية فادى الى قيام حركة اصلاحية جماهيرية ناضلت من اجل ابعاد سلطة الكنيسة بفصل الدين عن الدولة ، وتحديد دورها في الشأن الديني ومن خلال الكنائس فقط ، وما نجده اليوم في اوربا وما تحقق من حقوق وحريات والبناء الديمقراطي هو نتيجة فصل الدين عن الدولة ، والكنيسة عن السياسية ،...

للاسف في بلداننا اليوم يمارسون نفس ما كانت تمارسه الكنيسة في القرون الوسطى ، وباسم الدين ، بمعنى ان شعوبنا تعيش افكار ومفاهيم القرون الوسطى وهم يعيشون في القرن الحادى والعشرين .. اليس هذا غريبا ؟؟ ان تسمح شعوبنا ان تعيش في تلك القرون المظلمه ؟؟...


 

3 /2 /2013
 


 

free web counter

 

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس