| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

وئام سلمان

 

 

 

                                                     الثلاثاء  28 / 10 / 2014



مجالس العزاء... توعية أم تعمية !

وئام ملا سلمان

نحن العراقيين ورثة أحزان سومر وبابل ورحيل ديموزي إلى العالم السفلي ودموع السومريات وهن يندبن ويولولن ...أي لولو أي لولو... ليخلد التاريخ هذا النواح بشهر من شهور السنة حيث بداية الخريف "أيلول" ولم يتوقف تدفق نهر الحزن فالتحق به الحزن والشجن الحسيني ومقاتل آل بيت النبوة حتى دُمِغ العراق بهذا الأسى وأضحى علامته الفارقة وما زال العراقيون ينوحون ويبكون ضحايا الحروب والدمار.

وحين يقف الموت والألم والفراق في كفة يقابلهم في الكفة الأخرى العزاء والمواساة سعياً لتوازن نفسي إذ في الدموع والبكاء ما يخفف من وطأة المصيبة ولوعتها في أغلب الأحيان، ومن هنا استلزم الأمر وجود أشخاص من كلا الجنسين متكفلين بهذه المهمة يمتلكون مقدرة ارتقاء المنبر وقراءة المراثي وبالتأكيد يمتلك هذا الشخص "رجل أو أمرأة" ملَكة الحديث ويفضل أن يكون الصوت شجياً ندياً كي يساهم في تأجيج المشاعر ومنح الدمع سانحة سكب مدرار.

ولإنني من مدينة تزدهر فيها مجالس العزاء "الحسيني والأموات" على مدار السنة ولي حصة التواجد بها ضمن السياقات الإجتماعية "النسوية طبعاً" حتى مغادرتي العراق حيث كانت مجالس التعازي "القرايات" لشهرين محددين "محرم وصفر" كلها تدور داخل فلك الرثاء الحسيني في عاشوراء وبعاطفة الدمع لا استلهام الدروس والعبر والكلمة الحرة من وقفة إباء وشموخ الحسين عليه السلام وهو يبصم بالدماء على وثيقة الإحتجاج الخالدة بوجه الظلم والطغيان ، ويضاف لذلك وفيات أهل بيت النبوة على مدار أشهر السنة أما بالنسبة للأموات فالأمر مختلف حسب اختيار أهل الميت فمنهم من يكتفي بالمراثي الحسينية ومنهم من يريد أن يكون الرثاء للميت حيث تُذكر مناقبه وصفاته وسجاياه .

قصدت العراق على عجالة حيث طائر الموت كان محلقاً فوق رأس أمي وحضرت مجلس عزائها بعد رحيلها الأبدي وشاهدت وسمعت أقوالاً ما أنزل الله بها من سلطان ! لقد أخذت "الملة" دور الواعظ والمرشد فقد تم إضافة هذه الفقرة "الوعظ " مما يظهر حديثاً وكنت أستمع إلى نصحها وأعض على نواجذي متأرجحة ما بين دمعة حرى وقهقهة مكتومة تحت العباءة أخشى أن تنفلت فأفسد المجلس المكتظ بالنسوة المنصتات لوعظ "الملة".

لقد تحدثتْ عن الأمانة فسردت حكاية لا يمكنني أن أحدث به حفيدتي لأنها ستسخر مني وهي تتعامل مع أكثر التقنيات تقدماً وتشاهد أجمل القصص والحكايا على شاشة لا تتجاوز سعتها عدة سنتمترات! والموجع هو أن التاريخ الإسلامي يحمل من قصص الأمانة الكثير ولكنها أرادت أن تتكلم عن البحر الهائج والأشجار المجتثة بفعل الريح "مؤثرات أكشن" والخشبة التي توقفت أمام الشخص المدين ليضع عليها دنانير الذهب ويرسلها عبر البحر إلى دائنه دليل أمانة والتزام بوعد ! وتكلمت عن ضرورة إقامة مجالس العزاء الحسيني وعدم التقتير بعدد أيامها كما تقوم بعض النساء ، وبهذا الفعل خروج عن العقيدة وكان التأكيد في كل يوم من أيام الفاتحة هو الحفاظ على الفتيات من ولوج بوابة الحرام عبر شراء مواد الزينة والتجميل وكانت تدين تشجيع الأمهات لهن وذلك من خلال مرافقتهن للأسواق من أجل بضاعةٍ محرمة.

وفي باب الترغيب والترهيب كان حديث الجنة والنار يأخذ بالسامعين إلى متاهات شتى ! كل هذا يهون أمام مجازر اللغة حيث تتمرد الصفة على موصوفها ويحل المفعول به محل الفاعل في حيازة الضمة وحرف الجر يفقد خاصيته وينزوي ، وأدوات الجزم تعلن استقالتها ووو.. وفوق هذا وذاك الخطأ الفاضح عند قراءة بعض الآيات القرآنية على سبيل المثال لا الحصر كلمة "منقلـَب /منقلِب" التي تكررت في القرآن « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » ، وكذلك نصب اسم الجلالة " الله " بدل جره في البسملة .

لقد ضم مجلس الفاتحة من الأهل والقريبات والصديقات والمعارف نخبة من التربويات القديرات ، لبعضهن خدمة وظيفية تجاوزت الأربعة عقود ، وطبيبات وصيدلانيات ومهندسات وممن أكملن الدراسات العليا وموظفات ، وأجزم يقيناً من أن كل الحاضرات لم تكن بينهن على الحد الأدنى من لا تقرأ أو تكتب سوى العاملة المنظفة والطريف أن كنيتها "أم كتاب". وكل الآذان مشنفة لسماع بلاغات "الملالي" التي لم يدركها ابن طيفور في كتابه بلاغات النساء إذ تصدرته خطبة زينب بنت علي عليهما السلام وأقسم من أن لا "ملة" سمعت بهذا الإسم أو قرأت الخطبة كما ينبغي لها أن تُقرأ!

أمر أخير لابد من ذكره فلقد علقت ساخرة من خلال طرح فكرة إنشاء منظمة "ملالي بلا حدود" أسوة بباقي المنظمات التي غادرت الحدود والسبب هو كثرتهن وارتزاقهن الذي يدعو للشفقة حيث احترفت بعضهن صنعة الأستجداء باسم المنبر الحسيني معلنات عن كفالتهن لأيتام ومرضى وكونهن أرامل وفقيرات وهذا أمر لم نعهده من قبل مطلقاً ، إذ يباغتن أهل الميت منذ أول ساعات الصباح حتى قبيل غروب الشمس ، فلديهن قدرة استخباراتية في معرفة بيت الشخص المتوفي من خلال لافتات الموتى التي تلصق على الجدران ومن الطريف ذكره أن واحدة منهن دخلت الساعة الثامنة صباحاً من دون استئذان إذ الباب مشرعة مما اضطررنا إلى ترك الفطور و بعد أن قرأت وأنجزت مهمتها وحصلت على "المقسوم " سألت قائلة : هي الشهيدة من بيت جبرين !!!. رددنا عليها بالنفي وكل منا تكظم تهكمها وسخريتها من مرتزقات الموت.

من فرط امتعاضي من المشهد وبين التوجع والمزاح أفصحت عن رغبتي بالعمل كـ "ملة" ومن دون مقابل ولا أريد التطرق لأجور الملالي الباهضة والتي تُدفع بالدولار الأمريكي، وسألت أخواتي هل يمكنني أن أكون "ملة" وأقوم بمهمة الوعظ الحقيقية والتي تتناسب والزمن الذي نعيشه معتمدة على مصادر فقهية موثوق بها وتفاسير لا إختلاف عليها بدل هذه التعمية التي نُقاد إليها بمحض إرادتنا ، وحينما أفصحت عن فكرتي قالت لي إحداهن بنبرة يشوبها الزجر : "إرجعي للسويد وإڇفينه الشر ما بينه حيل الطلايب". ورجعت بالفعل إلى بيتي أحمل حزني ولوعتي وما دمت أفكر بما رأيت من تجهيل وتعمية مسلـّم بأمريهما ، وبمجرد إعلان اختلافك مع الواقع المرير كفيل أن يأخذك بتلابيبك ليلقيك في هاوية الكفر بتهمة الخروج عن المِلة .












 

free web counter