| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

وئام سلمان

 

 

 

                                                                                   الثلاثاء 21/8/ 2012



الوداع يا شهر رمضان

وئام ملا سلمان

الوداع يا شهر الحزورات والفزورات ، الوداع يا شهر المسلسلات ، الوداع يا شهر السياسيين والسياسيات ، الوداع يا شهر الفنانين والفنانات، الوداع يا شهر الطباخين والطباخات، الوداع يا شهر التمويل من الدعايات، الوداع يا شهر الصدقات حيث إذلال العراقيين بها والعراقيات، الوداع يا شهر الأسئلة والإجابات، الوداع يا شهر الدولارات...الوداع يا شهر المحاضرات (السيادينية) والمناظرات والمفاخرات.

هذه المقدمة التي كتبتها ،حاولت أن أمنعني منها ولكن لوّامتي لم تستجب لي..

كل يوم شكل/ قلادة العراقية / ميزان الفيحاء / ما ناسين ويه ابو ياسين / فطوركم علينه / سفرة رمضان/ الخير خيرين/ السماك/ والقائمة تطول حيث لم تستغن فضائية من الفضائيات عن تقديم هذه البرامج.... ورزق الله زين العراق ,وآسيا سيل وكل الممولين وزادهم ورعاً وأيماناً وتقوى.

حينما كنا صغاراً ، كنا ننتظر شهر رمضان بشغف كبير ونترقب هلاله الذي ما زالت أمتنا مختلفة على ميقات طلوعه وستبقى حتى قيام الساعة وفي إختلاف هذه الأمة رحمة ، وكان الترحيب به من على المآذن يسبقه بأيام قلائل وتتكرر عبارة مرحبا ً بك يا شهر رمضان مرحباً بك يا شهر الطاعة والغفران، وكان المذياع هو القناة الوحيدة التي توصلنا بالعالم الأثيري حيث تمثيليات عراقية يتصدر بطولتها خليل الرفاعي وأغاني الماجينة وفؤاد المهندس والشحرورة صباح وهي تصدح بحنجرتها الرقراقة (الرجل دا حيجنني ) /وأغاني رمضان المصرية وافرحوا يا بنات يالله وهيصو رمضان أهو نوّر فوانيسو/ وماجينة يا ماجينة / لقد كان الليل طويلاً وجميلاً مطعّماً بنكهة الإيمان الحقيقي والنهار يسوده هدوء روحي ، وكانت أمي تعد كل ليلة وفق منطق العد التنازلي لما تبقى من الشهر فتقول مثلاً : ( بعد تسع سحورات باقيات )،وحتى صباح العيد عند محطة الفرح الأكبر للأطفال واللقاء الأسري (وجمع العيديات)وهناك من يتندر بقول : رمضان فراكَه عيد.

كبرنا وتفرقنا وشهدنا شهر رمضان صيفاً وشتاءاً والحياة تمضي في تطور مضطرد فصار التلفزيون حاجة أساسية لا يستغني عنها كل بيت بعد أن كان ضرباً من ضروب الترف ومضى الأسود والأبيض متخذاً له ركناً في متحف الزمن ، ليجيء بعده التلفزيون الملون الذي ينقل الصورة بكل ألوانها وجمالها ، ووصل البث إلى أرقى مراحله حيث الفضائيات والأقمار الصناعية ،والفرد العراقي كان بعيداً كل البعد عن هذه الثورة الفضائية ومن كان يمتلك صحناً يعني ذلك أنه جعل من روحه مشروع فداء لصحنه بسبب القمع الذي مارسه النظام المقبور حتى سقوطه ، وما أن سقط النظام حتى رأينا المفاقس الفضائية أضحت توأم مفاقس الأحزاب والتيارات، خير وبركة وكلها من بركات الحرية !!!

أعود إلى شهر رمضان وبرامج البر والتقوى التي تسدي يداً سمحة في العطاء ولكن أي نوع من العطاء هذا الذي يتوسل فيه الإنسان من أجل الحصول على سلعة كهربائية لينهال بوابل الدعاء لأهل القناة الداعمة وشركة الدعاية وكأن الدعاء لازمة الإحسان وخاصة حينما يطلب مقدم البرنامج بطريقة ما تقديم الشكر من المواطن المستفيد من المكرمة ، حقيقة موجعة ومزرية وكل يوم كنت أزداد نقمة على ما أرى خاصة على الفضائيات التي تحمل بعداً مذهبياً محددا، وأتذكر المثل الأعلى الأمام زين العابدين (ع) وما سمعنا عن تاريخه المشرف في مساعدة الفقراء في السر حيث لم يكن له مكتب في مكة ولا المدينة يحمل اسمه كما هو الحال في هذا الزمن ، وأقول لو كانت في العراق حكومة تصون كرامة المواطن في حق العيش الكريم وتحقق له العدالة الإجتماعية هل يصل الأمر أن تكون القهقهات لبرنامج مو ناسين ويه أبو ياسين الذي تقدمه قناة الرشيد أن تكون هي الخلفية لسخرية مزيفة يصطنعها مقدم البرنامج، أي انتهاك لكرامة الإنسان أكثر من هذا ؟؟؟؟؟ أية مسخرة من أن تمنح جائعاً مكواة ليمسد بها بطنه الخاوية أو تمنح عرياناً خاتماً ليزين إصبعه به ؟؟؟؟؟ وعلى الشرقية يكون الدعاء لسعد البزاز وعلى الفرات يكون الدعاء لولاة الأمر ومن دون تحديد للأسماء وعلى الفيحاء حيث الدعاء لمدير القناة والجهة الممولة للجوائز،وكذلك الحال مع مالكي القنوات الأخرى ، ناهيك عن البرامج التي تبث مباشرة وتستقبل إتصالات المواطنين إذ الحزورات والدولارات ومئات الإلوف والملايين .

وإنتهى رمضان وإنتهى بؤس وذل الإحسان المرئي ،وقد كنت أتعمد على متابعة هذه البرامج وهذا لا يعني من أنني لم أتابع البرامج الأخرى التي قدمت للمشاهد الهائمين بحب العراق والساهرين على راحته حيث السحور السياسي ومسؤول صايم ولقاءات وعظية متنوعة وبرامج كوميدية فارغة المحتوى وغيرها ،إذ الخلق والإبداع الإعلامي على قدم وساق في هذا الشهر الفضيل وآخر أعمال الخير في غرة شوال تجلت في زيارة قناة العراقية لدار المسنين حيث الدعاء الذي حصده الوزير والقائمين على الدار يشفع لإقامة الشعب العراقي في الفردوس ........

بقي لدي سؤال عصي الجواب ، متى نرتقي إلى مستوى الأمم المتقدمة من حيث القيم الأنسانية والأخلاقية في التعامل مع المعوزين وأحترام فقرهم وما يقاسون من ألم بدل عرضهم على شاشات التلفزة والتبجح الأرعن بما يُقدم لهم عبر مفردات المواساة المترهلة، هذه الأمم التي ما قرأت قول الحق :
( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )

هذه ألامم (الكافرة) لم تجعل من الدين تجارة دنيا ربحها مناصب حكم وأحزاب سلطة وعقارات منيفة ، هذه الأمم التي لا تنتظر جنة المأوى من تقديم مساعداتٍ بائسةٍ رئاء الناس للمتعففين كما حصل مع أم سجاد قناة الشرقية وأم سجاد قناة الفرات وعوائل أخرى ، لقد أوجعني ذلك الخراب الذي قدمته برامج التقوى الريعية ولكن تبقى هناك لدي خصوصية ما ، لهاتين الأرملتين وأيتامهن الصغار والذين يعيشون على أديم مدينة تفاخر الدهر بأبي الحسنين أمير المؤمنين وإمام المتقين وتبات وتصحو على أصوات الثناء والحمد و الدعاء للمراجع العظام بدوام الظلال .

إتقوا الله في أمهات الساجدين واخجلوا من إمام الساجدين علي بن الحسين زين العابدين الذي كان يخرج في آخر الليل فيأخذ من الدقيق ومن السمن ومن الزبيب على ظهره ويمر على فقراء المدينة ويعطيهم في ظلام الليل ولا يراه أحد إلا الله . وحينما وافته المنية وجاء الناس يغسلونه وجدوا أثر خيوط الحبال على كتفه  لينكشف سر عمله وهو على دكة الموتى، أما آن الأوان لكم أن تتعظوا يا أصحاب الضمائر الميتة.!!!

لقد اسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي

عيدكم مبارك وعساكم من عواده.....








 

free web counter