| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

وائل المرعب

 

 

 

الثلاثاء 8/9/ 2009

 

 ديمقراطية العهد الملكي في العراق

وائل المرعب

في أعقاب الأحداث الراديكالية التي عصفت بالعراق بعد سقوط النظام الشمولي في نيسان 2003 , كان الرأي الذي أجتمعت وأتفقت عليه جميع الأحزاب والكتل السياسية أن النظام الديمقراطي الحقيقي الذي يعتمد البرلمان الذي تتركز فيه السلطة التشريعية والمنتخب من الشعب , هو الخيار الوحيد لبناء وتشييد دولة المؤسسات وترسيخ سلطة القانون , وكانت النخب السياسية والثقافية تدرك جيداً أن هذا التحوّل يتطلـّب توفـّر وعي خاص يفتقد اليه المواطن العراقي الذي حُرم من نعمة هذه الممارسة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة لليوم بأستثناء الديمقراطية المشوّهة العرجاء التي كان النظام الملكي الهاشمي يخدع بها العراقيين طيلة حكمه , وهذا الوعي يحتاج الى زمن ليس بالقصير يتم فيه ترسيخ التربية والمفاهيم الديمقراطية وترويض النفس على تقبّل الآخر والأستسلام الطوعي لأرادة الغالبية , وهذه مهمّة شاقة تتطلـّب توفير كافة مستلزماتها وأستيعاب الخروقات التي تحصل في بدايات التجربة الى أن تصبح واقعاً يؤمن به الجميع .

ووسط أنشغال الجميع في تفكيك الأستقطاب الطائفي الذي حصل مباشرة بعد التغيير وصد هجمات قوى الردّة البعثوهابية التدميرية , والسيطرة على الأنفلاتات المليشياوية التي برزت كمعادل عنفي , ومن خلال سعي كل المكونات السياسية الجديدة لأحكام السيطرة على الوضع العام لتمرير عمليات الأنتخابات والشروع في مهمّة بناء دولة المؤسسات .. ترتفع أصوات من هنا أو هناك تمجّد ديمقراطية العهد الملكي وتحنّ اليه معتبرة أيّاه الحل الأمثل الأن الذي يجمع ويوحّد كل العراقيين تحت خيمة العرش وتبريكاته , كما تخطـّيء ثورة 14 تموز 1958 بأعتبارها أنقلاياً دموياً فتح الباب على مصراعيه لتعاقب أنقلابات أكثر دموية وديكتاتورية .

ولكي نجعل هذه الأصوات تخبو منزوية خجلة أمام حقائق لا يمكن دحضها بأعتبار أن زمن ذلك النظام ليس ببعيد ولا زال الكثير الكثير من العراقيين يتذكـّرون أدق التفاصيل والممارسات التي طبعت ملامحه وكانت وراء اسباب وذرائع وجوده ونواياه .

في البدء.. ان كل حدث هو أبن زمانه وينتمي الى مرحلة حصوله , أي لا يمكن النظر اليه وتقييمه بعد خمسين سنة مثلاً .. فمن من العراقيين لم يؤيّد ثورة 1958 ولم يخرج الى الشارع وقد بُحّ صوته لفرط حماسته لمؤازرة القائمين بالثورة ولترسيخ نجاحها وأنتصارها ؟ وليتذكـّر هؤلاء وخاصة الذين عايشوا تلك المرحلة كم من العراقيين وقفوا بالضد من هذه الثورة ؟ هل غير الأقطاعيين وأتباعهم ورجالات الحكم الذين لا يمثلون نسبة تستحق الذكر من عموم الشعب .

لقد أعتبرت عملية خروج الحشود الجمعية لكل مكونات العراقيين بمختلف تنوعاتها وأتجاهاتها للمشاركة في تدعيم الثورة , من أهم العوامل التي حوّلت عملية الأنقلاب العسكري الى ثورة شعبية عارمة قوّضت أركان النظام وأحدثت خلخلة في توازن القوى التي كانت تحكم صراع الأرادات في منطقة الشرق الأوسط , ممّا فتّ في عضد القوى الأستعمارية وجعلها مشلولة غير قادرة على مد العون وأنقاذ ذلك النظام من الأنهيار , خاصة وأن العراق كان الحاضنة الرئيسية لحلف بغداد الأستعماري ومركز ثقل الدول الرجعية في المنطقة , أضافة الى كونه أهم قطبي الأتحاد الهاشمي الذي ضمّ العراق والأردن ليكون المعادل القوي لمواجهة دولة الوحدة بين مصر وسوريا التي اعتبرت حينها تهديداً لمخططات القوى الأستعمارية وعملائها في المنطقة .

أن ( نوري السعيد ) الشخصية الدراماتيكية المحورية طيلة الحكم الملكي الذي لعب الدور الرئيس في أبقاء العراق تابعاً ذليلاً لبريطانيا العظمى بل وشرطيها في المنطقة , كما هو رجل العرش البريطاني في العراق الذي يدير العملية السياسية حتى وهو خارج الوزارة كما يعرف ذلك جميع المعنيين بتأريخ العراق المعاصر , وهو الذي يقف دائماً وراء سحب الثقة من كثير من الوزارت التي لا يجدها تنسجم مع مخططاته , كما هو الذي يدفع البلاط الى حل البرلمان اذا لم يراه يستجيب الى رؤاه السياسية والأقتصادية التي تصب في النهاية لصالح الحليفة الكبرى ..وأنـّي لتأخذني الدهشة عندما أقرأ كتاب أو أرى مسلسلاً تلفزيونياً يمجّد هذه الشخصية ويختلق التبريرات الأخلاقية لسياساته ويظهره بالوطني الذي أسُيء اليه والذي ذهب ضحية بريئة بين مخالب الغوغاء !! وللأسف لم يسأل هؤلاء أنفسهم لماذا أستهدفه الغوغاء الشعبي دون سواه من شخصيات ذلك الحكم ؟ ولماذا خصصّت حكومة الثورة مبلغاً كبيراً للذي يدلي بمعلومات تسهّل القبض عليه حيّاً أو ميتاً ولم يخصّص لأحد غيره ؟

كانت عمليات تزوير الأنتخابات فاضحة لا تحتاج الى دليل , وكان تعيين غالبية أعضاء البرلمان هي أهم سمتين تطبعان ملامح ديمقراطية ذلك العهد , لذلك نجد أن قبة البرلمان تضـّجُ وتعجّ بالشيوخ الأقطاعيين الذين لا يحسنون حتى كتابة أسمائهم , وكذلك برجالات يتم أختيارهم بعناية لتمرير سياسة الحكومات التي يترأس أغلبها نوري السعيد أو غيره من السياسيين الذيم ينسجمون مع خطه ورؤاه .

لم تكن شخصية ( السعيد ) اللاعبة الوحيدة في الساحة السياسية , اذ كان البلاط متمثلاً بشخصية الوصي عبد الأله وكذلك ممثل الأدراة البريطانية في العراق لهما دور لا يقلّ من حيث الأهمية عن دور ( السعيد ) في رسم السياسات وطرق أخراج العملية الأنتخابية وأختيار ممثليها كأعضاء في البرلمان .

لذلك فمن التجني على الحقائق أن نعتبر ديمقراطية العهد الملكي العراقي هي ممارسة حقيقية سمحت للشعب العراقي أستخدام حقه الدستوري في أختيار ممثليه تحت قبة البرلمان .

أن الديمقراطية الحقيقية التي تمارس اليوم في العراق الجديد هي أكثر الديمقراطيات في المنطقة نزاهة وأمانة وبأعتراف هيئات الأمم المتحدة وبقية المنظمات الدولية المشرفة على جميع الأنتخابات التي جرت بعد التغيير وحتى اليوم , وهذه حقيقة يدركها الجميع حتى أعداء العراق .


 


 

free web counter

 

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس