| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

وائل المرعب

 

 

 

 

الخميس 3/9/ 2009



اليسار .. وسيناريو التحالفات

وائل المرعب

كلـّما أحاول أن أنجو بنفسي من شرور السياسة والأنزلاق الى حلبتها المحفوفة بالمشاكل والمتاعب , وأن أبتعد عن الخوض في غمارها ..أقرأ خبراً مثيراً يستفزّ سكون عزوفي , فأجد نفسي الاّ وقد أنجررتُ مرغماً لأدسّ قلمي محشوراً بين سطور متوتــّرة ..نافرة ..ترمي نفسها على الورق مرهقة من لهاث السياسة وعدوها !

تشهد الساحة السياسية العراقية الآن أنشط عملية حراك سياسي جرت منذ ستة أعوام , وأكبر فعل تفاوضي يدور في أروقة الكتل السياسية الفاعلة وبنشاط محموم وسعي حثيث غير مسبوق , لضم أكبر عدد من التيارات السياسية وأقناعها للألتحاق بركب تحالفاتها حتى أذا تقاطعت هذه التيارات معها آيديولوجيا ورؤيوياً , وذلك لضمان أصوات ناسها وأصدقائها , ولعلّ أبرزها زيارة ( الدكتور أحمد الجلبي ) الشخصيّة الليبرالية المعروفة بتأريخ خصومتها مع قوى اليسار , وعرّاب الأئتلاف العراقي الوطني الجديد الى مقر الحزب الشيوعي العراقي والأجتماع بسكرتيره العام ( الأستاذ حميد مجيد موسى ) وهو يحمل دعوة أنضمام الحزب للأئتلاف الجديد , ورغم دلالات هذه الزيارة وما تحمله من مقاصد نفعية مشروعة الاّ أنها تندرج ضمن مفهوم ( كل شيء ممكن في السياسة ) كما تدلّ على ما يتمتــّع به ( الجلبي ) من ذكاء سياسي وأستعداد للقفز على حاجز الحساسيات الفكرية والقدرة على تقبّل النقيض وضمّه لكتلته الأنتخابية لأضفاء الطابع الشمولي الوطني عليها وتبرئته من تهمة الطائفية التي ألتصقت بالأئتلاف العراقي الموحد السابق .

ولمّا كان اليسار يهمّني شخصيّاً لأعتبارات عدّة أهمها علميته وفكره التحررّي المتجدّد ونظرته المحايدة للأنسان بمختلف الوانه ومشاربه وسعيه لأعلاء قيمته ولتأريخه النضالي الوطني ونظافته من أي تهمة أخلاقية طيلة مسيرته الشاقة الطويلة .. نشأت رغبة لدي في أن أبدي رأياً في تحالفه المستقبلي خاصة ونحن مقبلين على انتخابات برلمانية جديدة قد تكون فاصلة بين تأريخ مثقل بالمآسي والكوارث وآخر يلوح في أفقه القريب ملامح لحياة آمنة مستقرّة توفــّر متطلبات أعادة البناء ومستلزمات البدأ بالأستثمارات الكبيرة .

كلنا يعلم أن العمل السياسي يعتمد على الخبرات التراكمية عبر مسيرته في التعامل مع الأحداث والتماس المباشر مع التناحرات والتقاطعات والأصطفافات بين الأطراف وما يجب ان يتمخّض عنها من موقف يسجّل في السيرة الذاتية لسياسة هذا الطرف أو ذاك . وقد خاض الحزب الشيوعي العراقي الذي يمثّل أهم قوى اليسار الأن في الساحة السياسية العراقية عدة تجارب أنتخابية فاشلة كان آخرها الأنتخابات الأخيرة لمجالس المحافظات التي لم يحقّق فيها أية نتيجة تذكر, فخسر التمثيل الحقيقي له بين الناس ممّا أثـّر على سمعته الجماهيرية كلاعب فاعل وقلـّل من قوة تأثيره في مجمل العمل السياسي اللاحق .

أن مهمة أختيار الحزب الشيوعي لحلفاء أو الأنضواء الى تحالف قائم أمرٌ غاية في الصعوبة ومهمة شاقة ليس من السهولة بمكان أن يتم أتخاذ قراراً صائباً فيها , وذلك لطبيعة القوى الفاعلة والمسيطرة على الشارع العراقي الآن وأهمها قوى الأسلام السياسي بشقيّه وبتنوّع كتله واحزابه .

أذن أمام قوى اليسار المتمثلة بالحزب الشيوعي العراقي عدة خيارات أولها أن يشكّل تحالفاً مع القوى الديمقراطية والليبرالية الصغيرة ذات التأثير الضعيف كالحزب الوطني الديمقراطي والحركة الأشتراكية العربية والتجمّع القاسمي والكتل العلمانية المستقلة , وبهذا يكون قد ربح مبدأيته وعلاقته بالقوى القريبة اليه فكريا وسياسياً وضمن فشله انتخابياً , وثانيها أن يقنع التحالف الكردستاني الذي تغلب عليه العلمانية والليبرالية وقريب من توجهاته , ان يكون ضمن قواه في الأنتخابات القادمة , وأظن قبول ذلك سيكون صعباً للغاية بسبب الزي القومي الذي يرتديه هذا التحالف والذي تحكمه توازنات داخلية لا تسمح لكيان غريب كالحزب الشيوعي أن يدخل ضمن نسيجه , وثالثها أن يقبل دعوة ( الجلبي ) لأنضمامه الى الأئتلاف العراقي الوطني , وبذلك يكون وضعه شاذاً وغريباً في وسط غير منسجم فكريّاً معه , ورابعها أن يتــّجه بقوة ومن معه من قوى ديمقراطية الى تحالف دولة القانون الذي يسعى وبشكل جاد الى أن يبتعد عن الصبغة الطائفيه وان يشمل أكبر عدد من مكوّنات المجتمع العراقي , وهذا ما أثبتته سياسة المالكي طيلة أربعة سنوات من حكمه وهو ينسجم أيضاً مع تطلعات قوى اليسار التي عليها أن تجري تقييمات دقيقة للتأكّد اذا ما كان هذا التحالف قد تجاوز حساسيته الفكرية أو جرى تغيّراً جوهرياً في طبيعة نظرته للفرقاء الآخرين الذين قد يختلفون معه فلسفياً لكن ينسجمون مع سياساته الوطنية ويجمعهم تأريخ نضالي واحد ضد الدكتاتورية .

أعتقد أن الخيار الأخير هو الأجدى والأكثر ضماناً لتحقيق أفضل النتائج , وبداية صحيحة لتحقيق نجاحات قادمة تتجاوز كل الأخفاقات السابقة وتعيد الأعتبار لجماهير قوى اليسار وتفتح لها باباً للتفاؤل من الصعب غلقه مستقبلاً .

 


 

free web counter