| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

وائل المرعب

 

 

 

الأثنين 3/8/ 2009



 عبد الكريم قاسم وأوجه الانقلاب عليه

وائل المرعب

لماذا تم أستهداف الحالة التوافقية الوسطية المتمثلة في شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم ونظامه ولم يكمل عامه الخامس ؟ سؤال كبير بحجم الفاجعة التي حلـّت بالعراق صباح الجمعة المشؤوم من شباط 1963 ..
يتوهّم من يظن أن الوجه الوحيد لأنقلاب البعث والقوى القومية والرجعية الساندة له هو ذات طابع سياسي محض , كان يستهدف كما أعلنوا نظام قاسم الشعوبي وكل القوى الداعمة له وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي الذي وقف علانية ضد الأنقلاب منذ الساعات الأولى له , والحقيقة أن أكثر من وجه كانت تنطوي عليه هذه المؤامرة التي خطط لها في أقبية الأستخبارات الدولية وأكثر من دافع وراءها ......

الوجه الأول ( سياسي ) :
لم يرق لقوى الأنقلاب وجنرالات اليمين أن تتحرّر ارادة الشعب وقواه الوطنية التي قضى معظم رموزها حياتهم في أقبية السجون والمعتقلات , وتدلت هامات قادتها من فوق اعواد المشانق وفي عيونهم أمل الخلاص .. لقد أدّى أندفاع قوى اليسار التي وقفت وراء الزعيم عبد الكريم في صراعه مع تحالف القوى القومية التي رفعت شعار الوحدة الفورية مع العربية المتحدة في الأيام الأولى للثورة , الى الشارع العراقي وسيطرت على مفاصل أجهزة الدولة والحياة السياسية الى خلق حالة من الذعر في أوساط الرجعية وبقايا القطاع من جهة ومن أخرى الكتلة العروبية المشكلة من تحالف البعث والأحزاب القومية الأخرى التي دبّ اليأس فيها وهم يرون عن قرب اندفاع ملايين العراقيين لمساندة زعيمهم ونهجه الوطني الذي يؤسس حالة من التوازن في المعادلة الاجتماعية وبين كل قوى الشعب , وأحلال حالة من السلم الاجتماعي بين قواه السياسية .

الوجه الثاني (طائفي ) :
حينما أصدر الزعيم عبد الكريم قاسم قراره في أن يكون القبول في الكلية العسكرية وكلية الطيران وكلية الأركان عاماً يشمل كل طوائف وقوميات واديان الشعب ولا يقتصر على طائفة واحدة كما كان مرسوما له طيلة العهد الملكي , وألغى المفاضلة بين طائفة وأخرى , أثار حفيظة غالبية ضباط الجيش وقادته الذين ينحدرون من طائفة معينة والذين كانوا مطمئنين أن الجيش هو من حصتهم فقط , فراحوا يخططون للأسراع بأعادة ألأمور الى سابق عهدها وذلك بالقضاء على النظام وتبعاته. كما أن الجماهير الفقيرة والمسحوقة النازحة من جنوب العراق التي ساندت زعيم الثورة حيث وجدت فيه خلاصها والتي أندفعت صبيحة الأنقلاب لأجهاضه وأنقاذ الثورة هي التي أستهدفت أكثر من غيرها .
أن المساحة الوسطية التي أراد الزعيم قاسم أن يحافظ على موقعه ووجوده وتحركه فيها وخلق حالة توافقية بين أفراد الشعب العراقي هي من أهم الأسباب التي كانت وراء انقلاب 1963 .

الوجه الثالث ( طبقي ) :
لقد أتسمت سياسة الزعيم عبد الكريم منذ البداية بسعيه وأصراره على رفع الحيف عن فقراء الريف وفقراء المدن على حد سواء والقضاء على التمايز الطبقي الكبير الذي كان قائماً ابّان العهد الملكي .. فقانون الأصلاح الزراعي الذي انتزع من كبار الأقطاعيين معظم أراضيهم ووزعها على فلاحي الريف المسحوقين .. وكذلك قانون العمل الذي نظم وضمن حقوق العمال ومنحهم حق تأسيس نقابات مهنية للدفاع عنهم , أضافة الى أنشاء مدن كبيرة في كل محافظات العراق والتي كان أبرزها مدينة الثورة في بغداد لأسكان فقراء العراقيين الذين كانوا يسكنون بيوت الطين (الصرايف) المنتشرة بين الأحياء السكنية والذين كانوا يُعتبرون مواطنون درجة ثالثة ويشكلون عماد الفئة الخادمة والتي تقوم بأعمال السخرة لقصور المالكين وموظفي الدولة الكبار. ولم يكن هدف الزعيم عبد الكريم مصادرة أموال وممتلكات الأغنياء (بأستثناء الأقطاعيين) وأنما رفع طبقة الفقراء لتقليل الفارق الطبقي وخلق حالة رضائية بين مكونات الشعب , كل هذا أثار سخط بقايا الأقطاع وكبار الملاكين الذين تحالفوا وموّلوا الأنقلاب الأسود .

الوجه الرابع ( وطني ) :
أن أهم ما يميّز شخصية قائد الثورة هو حسه الوطني العالي وأنشغاله الدائم بشؤون عراقيته وسعيه الدؤوب لأستقلالية قرار بلده , ما جعله يتقاطع مع دعاة الوحدة والأنصهار بدولة العربية المتحدة من قوميين وبعثيين الذين أعتبروا هذا التوجه هو توجّه معادي للعروبة وشعوبي , وقد تناسوا أن الفصائل الأولى الفلسطينية المسلحة تشكلت بأرادته ودعمه اللامحدود , وأن ثوار الجزائر الأوائل لا زالوا الى اليوم يدينون بالعرفان للزعيم عبد الكريم لما قدمه لهم من دعم تسليحي ومالي وجهادي . كما أن الحماسة الوطنية التي أتسمت بها سياسة الزعيم فيما يخص أنتزاع حقوق العراق النفطية والتي انتهت بأصداره قانون رقم 80 ذائع الصيت الذي اعتبر التحدّي الحقيقي الأول في المنطقة العربية والشرق أوسطية لكارتلات شركات البترول العالمية الكبرى , والتي شرعت فوراً في رسم خارطة الأنقلاب لتنفذها القوى المعادية بالداخل .

الوجه الخامس ( أقليمي ) :
أن وجود نظام وطني معادي لمخططات الأستعمار يحظى بدعم شعبي منقطع النظير كما في عراق ثورة تموز 1958 لم يجد قبولاً لدى الدول الأقليمية التي تحيط بالعراق , فبعضها هو معادي بالأساس كأيران وتركيا أهم دولتين في حلف بغداد سيء الصيت الذي شهد نهايته بسقوط النظام الهاشمي في العراق , وبعضها يمثل دولة الوحدة التي تتحين أية فرصة للأنقضاض على النظام الجديد كسوريا ومصر , وبعضها الآخر مرتهن بقوى الأستعمار الأنكلو أمريكي كالأردن والسعودية والكويت والتي كانت المموّل الرئيسي لعملية القضاء على النظام الجمهوري الذي يقوده الزعيم عبد الكريم قاسم .

كل هذه الأوجه مجتمعة كان يرتديها الأنقلاب الدموي الفاشي في شباط 1963 .. وخلف هذه الأوجه يكمن الجواب الشافي لسؤالنا بداية هذا المقال ( لماذا تم أستهداف الحالة التوافقية الوسطية المتمثلة في شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم ونظامه ولم يكمل عامه الخامس ؟ ) .


 


 

free web counter