| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

وائل المرعب
Wail.murib@gmail.com

 

 

الخميس 25/3/ 2010

 

اليسار العراقي وأزمته الحالية

وائل المرعب

مرّة أخرى أعترف أنّي لم أقوى على المكوث خارج دائرة الصراع السياسي الجاري في العراق الآن , خاصة وقد ظهرت النتائج الأوليّة المؤكّدة لأنتخابات مجلس النواب لعام 2010 , دون ان أبدي رأيا في ما جرى خاصة فيما يتعلّق بإخفاق اليسار المتمثّل بالحزب الشيوعي العراقي في هذه الجولة من الأنتخابات وتراجعه خطوات الى الخلف ستجعله يمكث في الظل أربعة سنوات قادمة , بعيداً عن عملية صنع القرارات وما يجري في الكواليس الرسميّة وتحت قبّة البرلمان , والذي سيؤدّي بالتالي الى خسارتهم لأي موقع رسمي رفيع .

إن الوضع الحرج للحزب الشيوعي العراقي بعد ان فشل في تحقيق أيّة نتيجة أيجابية , سيؤثّر على جماهيريته سلباً , بأعتباره أقدم حركة وحزب سياسي بالعراق , خاصة وبعد أيّام ستمر الذكرى السادسة والسبعون لميلاده .
إن الردّة الحضارية التي عصفت بالمنطقة الشرق أوسطية عامة والعراق خاصة إبتداءاً من عام 1980 وحتى يومنا هذا , والتي لا يسع المجال الآن للحديث عن أسبابها , جعلت جميع الأحزاب الشيوعية في هذه المنطقة تنكفيء على نفسها بشكل مؤسف وتتراجع الى الصفوف الخلفية , بعد ان أحتلّت الحركات الدينية والأحزاب الليبرالية ذات الهوى والنزعة الغربية المواقع المتقدّمة من الحراك الجماهيري .

وبرغم ذلك , ليس من حقّنا أن نعلّق أسباب فشل الحزب الشيوعي العراقي في هذه الأنتخابات على شمّاعة قيادته فحسب , رغم كونها تتحمّل قسطاً مهمّاً من هذا الأخفاق , بل أن هناك جملة أسباب ادّت الى هذا الفشل أهمها :
أولاً - تعرّض الحزب الشيوعي العراقي الى حملات إبادة جماعية حصدت أرواح عشرات الألوف من خيرة كوادره , ولأكثر من مرّة عبر تأريخه , كما غاب عن الساحة العراقية أكثر من عقدين من الزمن بفعل الأجراءات القمعية الشرسة التي مارستها أجهزة النظام القمعي السابق , والتي كانت كافية لأن تنسى الكثير من قطاعات الشعب وخاصة الشبيبة منها وجود هذا الحزب , وغاب عن بالها رسالته الأنسانية ونضاله من أجل الكادحين والضعفاء , وأهمل تأثيره في صفوف الجماهير
ثانياً - لم تحسن قيادة الحزب إدارة حملتها الأنتخابية ولم تنجح في إبرام تحالفات مع قوى كبيرة سانده و خاصة وهي تعلم جيداً ما هي طبيعة ولاءات الشارع العراقي الآن .
ثالثاً - أخطأت القيادة في تقديراتها التي إعتمدت على حسن الظن بجماهيرها التي خذلتها بعد ان جرفتها بسرعة وبدون مشقّة الأستقطابات الطائفية .
رابعاً - لم تجد نفعاً المحاولات المستميتة التي بذلها ممثلو هذا الحزب في البرلمان لجعل الأنتخابات تجري بصيغة كون العراق دائرة أنتخابية واحدة , حتى لا تضيع أصوات مرشحيها الذين لا يشكّلون القاسم الأنتخابي , وأن لا تذهب الى القوائم الفائزة الكبيرة , بالرغم أنها صيغة لا يتضرّر منها أحد , إلاّ أن ممثلي التيارات الكبيرة وقفوا بالضد من هذا الطرح تنكيلاً بالحزب الشيوعي وإلحاق الأذى به وبالقوائم الأخرى الضعيفة .
خامساً - تحسّس أغلب أطراف العملية السياسية في العراق من الشيوعية كعقيدة بالرغم من التغيّر الجوهري الذي حصل في تبني قياداتها للحلول الوسطية بين التقاطع الديني والمادي , حتى أتهمت الكثير من هذه القيادات بالنفاق الآيديولوجي من قبل الكثيرين من المثقفين اليساريين والمفكرين الماركسيين .
سادساً - قصور الأمكانات الماديّة لتغطية الحملة الأنتخابية , وعدم إمتلاك الحزب لقناة تلفزيونية خاصة به او داعمة لحملته , أثّر كثيراً بالنتيجة النهائية .
سابعاً - نتيجة للسياسات التهميشية التي مارسها النظام الأستبدادي السابق ضد قطاعات واسعة من الشعب ومنعها من ممارسة شعائرها وطقوسها الدينية والمذهبية طيلة خمسة وثلاثين سنة , أدّت الى حالة الأستقطابات الطائفية التي حصلت بعد عملية السقوط عام 2003 كرد فعل , وقد إنسحب ذلك حتى على مؤيدي وأنصار الحزب الشيوعي وخاصة في أوساط الفئات العمرية المتقدمة , ومن المفارقات الغريبة إن نسبة كبيرة من الجماهير التي تحتشد لأحياء ذكرى تأسيس هذا الحزب وتبدي حماسة منقطعة النظير تأييداً له ولتأريخه النضالي , هي نفس الجماهير التي تضع علامة صح يوم الأنتخابات على القوائم التي تتبنى الطروحات الطائفية !

أخيراً يبقى الأستمرار في الحديث عن الأخفاق الذي حصل في إنتخابات 2010 لا يجدي نفعاً الآن , وعلى الحزب الشيوعي العراقي أن يكف عن التوسع عمودياً بعد ان تعذّر ذلك , وأن يفكّر جديّاً ويتفرّغ تماماً لعملية التوسع والأمتداد الأفقي بين الناس ولبناء قاعدة جماهيرية تكون مخلصة له ويعتمد عليها في الأنتخابات المقبلة .خاصة وأن رصيده الأخلاقي لدى غالبية الشعب العراقي كبير وسمعته النظيفة عبر مسيرته الشاقة لا يطالها شك .

 

* كاتب وتشكيلي عراقي


 

free web counter