| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

وائل المرعب
Wail.murib@gmail.com

 

 

                                                                                           الأحد 10/4/ 2011

 

المكان الذي تأمّه الحمائم

وائل المرعب

يمرُّ الزمان وتصطخب الأحداث وتتهاوى الأنظمة وتتعاقب الأديولوجيات وتنزل لافتات وترتفع لافتات وتشرّع قوانين تمنع إرتياده ويسحبُ العرب الأقحاح الأعتراف به وأخيراً تصدر أوامر لأقتحامه بذريعة كونه مكان يتعاطى المحرّمات والكبائر , لكن يبقى مقر ونادي إتحاد الأدباء في ساحة الأندلس وسط بغداد المكان الأكثر حميمية وألفة لا يدخله سوى العراقيين الطيبين الذين يعرفون بعضهم البعض , تجمعهم همومهمُ الإبداعية ومشاغلهم الجمالية , فهم لازالوا الى اليوم يسمعون فيه صدى قهقهات الجواهري الكبير ويتذكّرون النرجسيات المحببة لفولتير العراق حسين مردان ويتوقعّون دعسات عكّازة شاعر الأحزان رشدي العامل تقترب من موائدهم وتشغلهم عبثيات نزار عباس وصعلكة جان دمو ولازال البعض منهم يشمُّ الى الآن رائحة أردية عبد الأمير الحصيري العطنة وينحنون لقامته السامقة وهو يهدرُ بقوافيه المستحيله و ( انا الآله وندماني ملائكتي ....) مترنّحاً بكبرياء القصيدة القادمة من النجف.

فعلى موائد نادي الأتحاد المتواضعة وبين قنانيه تُكتب أجمل القصائد , وعلى روائح التبغ المحترق تتشكّل ملامح القصص والروايات , ونتيجة حالة الصفاء والأنتشاء الروحي التي تعقب الشعور بالخدر تتوالد الأفكار وبسبب متعة الخصام الطيّب تتقافز الصور الإيحائية على ألسنة الجّلاس , ويسحبُ بعضهم ممّن نجى من محرقة الحروب من خزانة ذاكرته ألف قصة دامية تختلطُ بمزيج من الدمع والكبرياء والاهات وأعقاب السجائر , وحين يشرف الوقت على الأنتهاء تهدأ حمّى النقاشات الغنية الباذخة القيمة فتجف الدموع وتسترخي الأجساد المتعبة التي لا تقوى على النهوض فيتكأ بعضها على البعض ليتركوا ورائهم رؤى مشاكسة وأخيلة من الصعب إصطيادها في لحظات الصحو , وكؤوساً فاتحة أشداقها وحقولا من المزّات لم يبق منها شيئاً كأن سرباً من الجراد قد أفلح في غزوها والإجهاز عليها .

وحين تتسلّل أشعة الشمس الوادعة فجر اليوم التالي الى حدائقه المتواضعة تنزل أسرابٌ من عصافير وحمام تلتقط بقايا صحون المزّة التي تتساقط من ملاعق سمّار الأمس على حشائشه الندية , وتتعابث مع صدى كلماتهم السكرى فينجلي هديل الحمائم وتضبط العصافير دوزنة زقزقاتها ..

وأخيراً يظلُّ مقر ونادي إتحاد الأدباء هو الباحة الوحيدة المزهرة الباقية وسط غابة محروقة .

 

* كاتب وتشكيلي عراقي


 

free web counter