| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. وليد جاسم الزبيدي

 

 

 

الأثنين 4/5/ 2009



كتاب المدى: (أرض البرتقال الحزين)
قراءة في غابات الموصل

د. وليد جاسم الزبيدي

وجدتُ نفسي أتعمق في قراءة هذه القصة القصيرة ضمن مجموعة قصص في كتاب يحمل عنوان واحدةٍ من هذه القصص وهو(أرض البرتقال الحزين)، الصادر عن مؤسسة دار المدى، سلسلة الكتاب للجميع، الذي يحمل الرقم 49 ، وهي طبعة خاصة توزع مجانا مع جريدة المدى.
والقصة القصيرة التي استهوتني قراءتها تحمل عنوان( قتيل في الموصل)، ولعل هذا العنوان كان السبب لأن أنتقي هذه القصة وأن أقرأها قراءة جيدة، حيث أن العنوان يشير الى حدث في مدينة الموصل، والموصل مدينة ومحافظة من محافظات العراق، وأحببت أن أتعرف على هذا القتيل،ومنْ هو ولماذا الموصل؟؟

وبعلمي أن المرحوم غسان كنفاني، شاعر فلسطيني ، أما في القصص والروايات فلم أقرأ له، ولهذا شدّني أكثر من سبب لقراءة هذا الكتاب، كما وأن اختيارات المدى، المؤسسة الثقافية ذات السمعة الطيبة تنتقي ما هو مهم ومؤثر في الساحة الثقافية المحلية والإقليمية والعربية والدولية، لم تقف عند أسماء محددة أو عناوين أو .. أو...!!!
قصة(قتيل في الموصل) في (
ص: 57)، كُتبت في عام 1959 ومكان كتابة القصة الكويت، وأحداثها تجري في العراق، وفيها تظهر بغداد، والموصل، وكذلك طالب من الأردن، ومنطقة التنف الحدودية بين سوريا والعراق، ومدينة اللد الفلسطينية،..وهكذا تنوّع وتكوكب المكان، فكانت القصة فيها الزمان المعلن والمحدد بالأحداث التي دارت في العراق إبّان عام 1959م، والمكان هذه المسميات المكانية العربية، وكأنه يريد أن يبحث عن مسار وخطوط يرسمها لإزالة تلك الحواجز.

تدور أحداث القصة حول طالب عربي عاش في العراق إبّان تلك الحقبة الزمنية، حقبة التغيير العراقي، حيث هجر العراق الملكية وأصبح في معسكر الجمهوريات المستقلة، وبدأت الحياة تسري في جسده، وصوّر حياة هذا الطالب الذي قال عنه أردنياً، ثم وصفه بعد حين بأنه من اللد، وفي نهاية القصة تم قتل هذا الفلسطيني من قبل الجراد والصراصير لكونه فلسطيني، وعدم إيمان القائمين على دست الحكم بالعرب، فهذا يعني أن عراق ثورة 14 تموز ليس مع العرب، بل وتقتل كل ماهو عربي حتى ولو كان إنساناً!!؟.

وبعد سطور تلوح أمام عينيك عبارات فيها الجراد والديدان والصراصير(
ص: 57:أسراب الجراد التي سقطت في البحر..) و( ص: 62: بعض الجراد استطاع أن يقطع المسافة وهوى على الشاطئ منهكا..)،و( ص: 62: لقد تعودتم أن تعيشوا بلا هواء كالخفافيش..)، و(ص: 63: الموصل رفضت الدود الذي وحف إليها..) و( ص: 63: هربت الصراصير من جديد..)، و( ص: 64: حتى تمتص الصراصير آخر خفقة ريح في المدينة..).

لم يكن الشاعر الفلسطيني كنفاني موفقاً في هذه القصة القصيرة خصوصا ، لأنه انتقى فترة ذهبيةً في تاريخ العراق المعاصر وجرّدها من جمالها ومنجزها، وحفر فيها الوجه القومي أو القناع القومي المقيت، الذي جعل من الأمة العربية الواحدة أمماً وشعوباً وقبائل، وجعل طريق فلسطين يمر في مضايق ومتاهات لا تعلم حدودها ولا مسمياتها..واختار تاريخا ليضرب فيه ثورة العراق فسلّط الضوء على أحداث الموصل وسمّاها بـ(الثورة) تلك التي قادها الشوّاف صحبة الطبقجلي ورفعت الحاج سرّي الذين أرادوا الإنقضاض على المنجزات التي حصدتها الثورة وكذلك لإيقاف المدّ اليساري الذي كان متوهجا وناصعا إبان تلك الحقبة.

هكذا أمسك كنفاني التاريخ وقلب صورته، وأبدل كل مسمى وطني بتلك المسميات التي وضعها( صرصور، جراد، ديدان..)، وهي إذ تكشف عن عميق إحساسه بهول ما يحسه منْ يدّعي القومية بالآخر، حيث لا آخر ، حيث القومية هي وحدها من تفك عقدة فلسطين، والقومية والتيار القومي وحده منْ يرسم صورة الغد العربي.. الخ...!!

فلقد صاغ قصته على أحداث الموصل التي كانت وصمةً وليست تاريخا مجيدا للقوميين، بل وأن العراق وأهل الموصل لم يكونوا في الجانب الآخر أو المضاد لثورة 14 تموز المجيدة، التي جعلت العراق في مصاف البلدان العربية المستقلة والتي صاغت القوانين والقرارات لصالح الشعب العراقي في مجالات النفط والزراعة والصناعة والإسكان واختطت سياسة خارجية واضحة.. أجد الكتابة لم تكن بصيغة الواقع ولا الخيال بل قام المؤلف بفبركة الأحداث حسب هاجسه (القومي).. أنها قصة بين مجموعة قصص لا أدري كيف تم اختيارها وعلى أية أسس، فنية، أو تاريخية، أو منهجية فهي لا تحمل فن القصة، ولا ثقافتها، فهي سرد تاريخي وفق وجهة نظر بالمقلوب، ولا تحمل منهجية ولافلسفة واضحة، وليس فيها من الإبداع في شيء بل جاءت سُبةً لكاتبها.. شكراً للمدى!!!!




 

free web counter