| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

وداد فاخر

dilshad.ali@hotmail.com

alaa_ahmed2005@hotmail.com

 

 

 

 

الأثنين 14/5/ 2007

 

 

حيرتي بين فتاوى " أمير المؤمنين " في " دولة العراق الإسلامية " بديالى والسفر لبراتسلافا


وداد فاخر *

جهزت كل شئ من اجل السفر للعاصمة السلوفاكية براتسلافا .. حقيبة الملابس ، والهدايا الجميلة ، ومتاع الطريق كوني اعرف وبموجب فتوى " مولانا أمير المؤمنين " في " دولة العراق الإسلامية " أن الطريق سيكون بعيدا جدا بعد أن عدمت وسيلة السفر لبراتسلافا فور قراءتي كباقي الناس من " المؤمنين " لفتاوى " أمير المؤمنين لدولة العراق الإسلامية " في ديالى . وقرأت بإمعان كيف انتفض " الرفيق عزوز وهو يتوسط مجموعة من " الرفاق اليمنيين " وسط " غرزة قات " في اليمن " السعيد " صارخا بغضب وعصبية " دفهمونه شلون راح نشتغل ؟! " بعد أن استمع لفتوى "أمير المؤمنين " حول منع شرب الماء المثلج لان الثلج لم يكن موجودا في زمن الرسول . فكيف بي وأنا العبد المؤمن والسائر " خلف " تعاليم وأوامر " أمير المؤمنين " أن يعن له السفر بأي وسيلة من وسائل " الكفر " الحديثة كالطائرة والسيارة وحتى البايسكل بعد أن َحرمَ " أمير المؤمنين في دولة العراق الإسلامية " شرب الماء المثلج وحتى جلوس النساء على الكراسي ؟؟! .
وبعد تفكير طويل قررت أن اذهب لسوق القرية خارج فيينا لكي أفتش " أجلكم الله " عن حمار نشيط وقوي يحملني ومتاعي ، والهدايا التي اشتريتها لصديقي العزيز ، لأصل سالما معافى حتى بيتهم في مدينة براتسلافا . لكن جملة اعتراضية من قبل أم العيال نبهتني على ما أنا عليه ، وأرجعتني القهقري للمربع الأول من التفكير بوسيلة السفر التي استعصت علي بعد فتاواه " حفظه الله ورعاه " . فقد قالت : وهل تظن أن احد الحمر النمساوية الدلوعة ستستطيع أن تحملك ومتاعك طوال هذا الطريق الطويل من فيينا حتى براتسلافا ؟؟! . وتيقنت من صحة كلامها ورحت أفكر بوسيلة أخرى احصل بها على وسيلة لسفرتي المنشودة والتي خططت لها زمنا طويلا بيني وبين نفسي . وفجأة لاح لي بصيص أمل بعيد وأنا أتذكر إن هناك " حمير " قوية لم تتعود على أكل البرسيم الطازج ، ولا على أعواد الذرة الخضراء الطرية ، ولا الشوفان المنقى في دولة " أمير المؤمنين حفظه الله ورعاه " بمدينة ديالى . فهناك في دولته " حماه الله " أجد ضالتي من " الحمر " القوية " الصابرة " التي تستطيع حملي ومتاعي حتى آخر نقطة في مسعاي في سفرتي المباركة .
وعن َ لي أن ابعث " طارش " وهو بلغة هذا الزمان " الكافر " مبعوثا كما يقال مع رسالة رقيقة لـ " أمير المؤمنين " في " دولة العراق الإسلامية " كي يبحث لي عن " حمار " قوي من " حمره الصابرة القوية " لكي أتم بها رحلتي التاريخية لمدينة براتسلافا التي تشوقت كثيرا لزيارتها . وطاف في خاطري أن ابعث ضمن رسالتي سؤالا محيرا حول رأيه " حفظه الله ورعاه " في شرب " نقيع الزبيب " الذي سأحمله معي كشراب منعش لي طوال السفرة ، كونه شرابا عربيا أصيلا دأب السلف الصالح على تناوله في كافة مناسباتهم وهو ألطف في الطريق من " ماء الكشك " كشك الشعير الذي يطلقون عليه الآن " الجعة أو البيرة " الذي تقول عنه العرب في كتبها " يجلو المعدة ويفتح السدد‏ " .
وكنت قد قرأت أن رهطا من أبناء المهاجرين والأنصار رفعوا في أول انتصار لهم على الفرس في واقعة القادسية – كما يقول عبد الرحمن الشرقاوي في كتابه ( على إمام المتقين ) – كؤوسهم ليشربوا نخب الانتصار على الفرس المجوس ، وهو ما أدى بعمر الفاروق أن يصرخ عند سماعه الخبر في المدينة : ترى ما الذي فعلناه إذن بعد كل طول المدة السابقة ؟! . لذلك أصر’ على سؤال " أمير المؤمنين " مستفتيا عن كون شراب " نقيع الزبيب " حلال أم حراما رغم إنني سبق وقرأت حديثا يقول ( روي من حديث ابن مسعود . ومن حديث ابن عباس , أما حديث ابن مسعود فرواه أبو داود . والترمذي . وابن ماجه من حديث أبي فزارة عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث عن عبد الله بن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن : عندك طهور ؟ قال : لا , إلا شيء من نبيذ في إداوة , قال : تمرة طيبة وماء طهور " ) . كذلك فقد شربه كل " أمراء المؤمنين " من " الخلفاء المنتجبين " بدءاً من يزيد بن معاوية حتى آخر خلفاء بني العباس ، وقصة الخليفة المأمون وقاضي قضاته يحيى بن اكثم لا تزال ماثلة أمام عيني فقد (شرب المأمون ويحيى بن أكثم القاضي وعبد الله بن طاهر قائد جند المأمون، فتغامز المأمون وعبد الله على سكر يحيى فغمز يد الساقي فأسكره وكان بين أيديهم رزم من ورد ورياحين فأمر المأمون فشق له لحد في الورد والرياحين وصيروه فيه وعمل بيتي شعر ودعا قينة فجلست عند رأسه وحركت العود وغنت‏:‏
                 دعوته وهو حي لا حراك به             مكفنٌ في ثياب من رياحين
                 فقلت قم قال رجلي لا تطاوعني          فقلت خذ قال كفي لا تواتيني

فانتبه يحيى بن اكثم لرنة العود وقال مجيباً لها‏:‏
                 يا سيدي وأمير الناس كلهم               قد جار في حكمه من كان يسقيني
                 لا أستطيع نهوضاً قد وهى جسدي       ولا أجيب المنادي حين يدعوني
                 فاختر لبغداد قاضٍ إنني رجلٌ             الراح تقتلني والعود يحييني

كذلك فـ ( خليفة ) الله في أرضه المأمون هو القائل "اشرب النبيذ ما استبشعته فإذا سهل عليك فدعه ‏"‏‏.‏ ولست هنا إلا سائلا عن " ديني " من " أمير المؤمنين " الذي اعرف مكانته الحزبية السابقة وسبقه في الطاعة للحزب والقائد " الفذ " فما فعلت أمرا إلا استفتيته فيه خاصة شرب " نقيع العنب " الذي تقول عنه العرب " والنبيذ العفص يمسك البطن لعفوصته وقبضه‏.، وكل طعام عفصٍ فإنه دابغ للمعدة مقوٍ لها‏.‏ " . وقيل في فوائده " وأما النبيذ الرقيق المائي فإنه يعين على نفث الرطوبة من الرئة بتقويته الأعضاء وتلطيفه لما بها من الفضل الغليظ وقد يفعل ذلك النبيذ الحلو‏" .‏ لان " نقيع الزبيب " كما يقولون " حماك الله ورعاك " : (لأن الخمر ليست محرمة العين كما حرمت عين الخنزير وإنما حرمت لعرض دخلها فإذا زايلها ذلك العرض عادت حلالاً كما كانت قبل الغليان حلالاً ) . ورغم أنني انتظر فتواك مع علمي بان " نقيع الزبيب " ، أو " النبيذ " كما يطلق عليه هو غير الخمر التي حرمها الله عند بعض الرواة الذين يقولون ( ولو كان النبيذ هو الخمر التي حرمها الله في كتابه ما اختلف في تحريمه اثنان من الأمة‏ ) . كونه ينبغي أن يكون قليل النبيذ الذي يسكر كثيره حلالاً وكثيره حرام وأن الشربة الآخرة المسكرة هي المحرمة‏ ، وان البعض يحتج بقوله تعالى : (‏يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ‏ ) - البقرة 219 - .
ولان "الراح " هي من " راحة الروح " فقد قال ابن قتيبة في كتاب الأشربة‏:‏ ( كانت الأوائل تقول‏:‏ الخمر حبيبة الروح ولذلك اشتق لها اسم من الروح فسميت راحاً وربما سميت روحاً‏.‏) . وكان شرب النبيذ من أسلافنا يشربون منه اليسير على الغداء والعشاء ومما لا يعرض منه خمار . لكن ظهر منهم ممن يكرع الراح الكثير وخاصة من القضاة ووعاظ الناس وأمراء المسلمين وأبناء الصحابة .
وتحضرني هنا " رعاك الله " أسماء من شربوا الخمر ووضع الحد على بعضهم فـ ( ممن حد في الشراب الوليد بن عقبة بن أبي معيط أخو عثمان بن عفان لأمه‏ والي أخيه عثمان على مدينة الكوفة ‏، وشهد أهل الكوفة عليه أنه صلى بهم الصبح ثلاث ركعات وهو سكران‏،‏ ثم التفت إليهم فقال‏:‏ إن شئتم زدتكم‏!‏ فجلده علي بن أبي طالب بين يدي عثمان‏ ، وهي إحدى ما كانت داخل نفوس بني أمية من إحن على علي بن أبي طالب .‏
ومنهم عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب المعروف بأبي شحمة حده أبوه في الشراب وفي أمر أنكره عليه‏.‏ ومنهم عبد الله بن عروة بن الزبير حده هشام بن إسماعيل المخزومي في الشراب‏.‏ ومنهم عاصم بن عمر بن الخطاب حده بعض ولاة المدينة في الشراب‏.‏ ومنهم عبد العزيز بن مروان بن الحكم ، حده عمرو بن سعيد الأشدق ابن عمه ‏.‏ ومن القضاة ( شهر بالشراب عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي القاضي بالكوفة ) ‏.‏
أما من الخلفاء فمنهم ( عبد الملك بن مروان وكان يسمى ‏"‏ حمامة المسجد ‏"‏ لاجتهاده في العبادة قبل الخلافة‏.‏، فلما أفضت إليه الخلافة شرب الطلاء وقال له سعيد بن المسيب‏:‏ بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت بعدي الطلاء فقال‏:‏ إي والله والدماء‏!‏ ) ، ومنهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك ذهب به الشراب كل مذهب حتى خلع وقتل‏ . وحده " خليفة الله في أرضه " يزيد بن معاوية شرب الخمر حتى فقد في البرية دون أن يعثر له على اثر لحد الآن .‏ وكان سفيان الثوري يشرب النبيذ الصلب الذي تحمر منه وجنتاه‏.‏ وهو كما نعرفه أبو عبد الله سفيان الثوري - ينسب لثور مُضَر لا إلى ثور همدان - الكوفي الفقيه , أمير المؤمنين في الحديث .
وقديما ترنم شاعر العرب في جاهليتها المنخل اليشكري ، وكان من فتيان العرب معروف بالوسامة ، ورقة الشعر فوصف الخمر قائلا ، وهو واقع في حب المتجردة زوج النعمان بن المنذر ملك العرب آنذاك :
                ولقد شربت من المدامة بالصغير و بالكبير
                فإذا انتشيت فاننى رب الخورنق والسدير
                وإذا صحوت فاننى رب الشويهة والبعير

وقد ابتدائها " حفظك الله " بشوقه لأرض العراق مقصد كل إنسان منذ سالف العصر والأوان فقال :

                إن كنت عاذلتي فسيري نحو العراق ولا تحوري
                لا تسألي عن جل مالي وانظري كرمي وخيري
فيا " أمير المؤمنين " افتنا بما لا علم لنا به " حشرك " الله بأسرع مما أتصور في " الجنة " مع الحور العين كوني لست مستعجلا في الوصول إليها قبلك ، منتظرا مع فتواك وصول احد " حميرك " لكي امتطيه وأسير نحو قصدي أغذ السير إلى مدينة براتسلافا .


* شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج