| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

تحسين المنذري

 

 

 

 

الأحد 7 /1/ 2007

 

 

هل كان الطاغية صدام بطلا؟

 

تحسين المنذري

اين البطولة في اعدام الطاغية صدام ؟ وهل في وقوفه امام الحبل من شئ مميز ؟ وهل كان ينتظر غير ذلك؟ ام ان تزوير التاريخ يبدأ من لحظة وقوع الحدث؟ هذه الاسئلة وغيرها تثير في كوامن النفس استغرابات وتولد اسئلة اخرى قبل ان تصل الحقيقة الى موقعها الطبيعي .

والحقيقة فان صورة البطل في الموروث الشعبي العراقي والذاكرة الجمعية تستمد اصولها وجذورها من شخوص فرضوا انفسهم بواقعية كبيرة وان ازدحمت صورهم احيانا ببعض الاساطير التي يلفقها الجمهور المتابع لمواقفهم وتاريخهم حبا وليس تزييفا للحقيقة ، لكن البحوث التاريخية والعلمية على مدى الازمنة كانت تؤكد وجود ملامح تكاد تكون مشتركة بين الابطال التاريخيين وان اختلفت اصول هؤلاء الابطال وانتماءاتهم الفكرية . فلو امعنا النظر في صورة البطل الامام علي بن ابي طالب (ع) لاكتشفنا انه كان شديد التمسك بالاسلام وذو مواقف خارقة في الدفاع عن معتقده سواءا بالفعل العضلي او بالفكر كالارشاد والموعضة وغيرها ، ولو استدعينا صورة البطل عنترة بن شداد لوجدنا انه كان متمسكا بحب ابنة عمه عبلة وفعل ما فعل لاثبات هذا الحب واهليته له ولاجل ذاك اتخذ عدة مواقف بطولية في الدفاع عنها وعن قومه اضافة الى شاعريته الفذة ، اي ان البطل الذي يحفظ اسمه الناس ويخلدوه لا بد له من ان يتوافر على شرطين رئيسيين هما المبدأ النبيل والفعل في الدفاع عن المبدا او تأكيده ففي مثال الامام علي (ع) فان الاسلام هو المبدأ الذي تمسك به ودافع عنه ، وفي مثال عنترة كان حب عبلة هو المبدأ، لكن هذين الشرطين الاساسيين يبدوان غير كافيين لتأكيد صورة البطل وحفظها فلابد من ان يرافق ذلك جملة اوصاف تلازم صورة البطل وتؤكد شخصيته لعل ابرزها الصدق في اعتناق المبدأ والمواجهة وعدم الغدروالشجاعة والكرم والعفو عند المقدرة والحلم والصبر والقدرة على مواجهة الشدائد برباطة جأش وعدم النكوص او التراجع حتى ولو وقتيا وان لايعرف للهزيمة من طعم طوال حياته ، وان يكون نزيها امينا لم تتلوث يديه بالاعتداء او السرقة او اي من الاعمال المشينة الاخرى وايضا الاستمرار تصاعديا في تأكيد مواقفه البطولية بافعال لايرقى لها الشك وصولا الى الظفر او الموت في صمود وتضحية من اجل الاخرين كاحدى ابرز ملامح البطل الخالد في ضمائر الناس وذاكرتهم . ولو حاولنا هنا سحب شيئا من تلك الصفات على نموذج الطاغية صدام ـ ولا اريد تعداد كل سيئاته فقد لا يسعها المكان ـ لوجدنا انه لا يمت الى اي من الصفات التي عددنا او قد يعدها الاخرون اي صلة ، فالمبدأ الذي تبناه كما كان يدعي حب عروبته والدفاع عنها نسفه بمجمل مواقف لعل ابرزها شق المنظمات الفلسطينية اوائل سبعينات القرن المنصرم واعتداءه المشين على الكويت وما نتج عن ذلك الاجتياح من ممارسات وتداعيات اثبتت وحشيته ودونيته وعدم امانته ، وكذلك الطريقة التراجيدية التي انتهت بها عملية الغزو من تدمير للبنى التحتية للوطن العراقي وشروط استسلام مذلة قبل بها وظهر بنفسه ذليلا خانعا يعلن انسحابه غير المشروط من الكويت بعد ان كان يؤكد لزمرته الا ينسحبوا وان سمعوا صوته يدعوهم لذلك !!! فاين البطولة في كل تفاصيل هذا الحدث او في صورته العامة ؟ وصدام حسين الذي جاء من قاع الحضيض حيث كان منبوذا مهمشا حتى من اقرب اقاربه ليصبح في غفلة من الزمن القائد الاوحد ذو المال والجاه والمليارات المودعة باسمه وعائلته في بنوك العالم (العولمي) صورة عليها وبها الكثير من اشارات الغدر والخيانة والسرقة واستغلال المنصب والتامر والرذيلة ولعل من ابرز ما رشح عنها الطريقة الوحشية التي صفى بها مجايليه من اعضاء قيادة البعث وقولته الشهيرة في ادانتهم لواحد مهنم (والله لاطرُّوه طر للمايقبل ) اي تقطيع المعارض لانفراده بالسلطة لعدة قطع ! فهل هناك اكثر خسة ودناءة مما فعل ؟ وكذا الحال مع كل ضحاياه سواءا في الطريقة الهمجية بتصفيتهم وعوائلهم او بالاجراءت التي تلحق ذلك مما تدل جميعها على جبنه وهو يرأس اعتى نظام فاشي عرفته المنطقة العربية وربما العالم ، واخر ما قدم من نموذج للجبان المتخاذل هو هزيمته يوم 9|4|2003 وهو القائد العام للقوات المسلحة وتركه الاف الجنود والضباط في مواجهة خاسرة نأى بنفسه عنها خوفا ومحاولة للحفاظ على حياته بطريقة لايرتضيها حتى اي رذيل انتهت باخراجه ذليلا اشعثا قذرا من حفرة لا تليق حتى بالجرذان ، فأين البطولة في كل ذلك؟ واين المرؤة والشهامة ؟ ان هذا التتبع السريع لحياة الطاغية ومواقفه لاتلتقي مع اي من صفات البطل الشعبي او التاريخي او الحقيقي ولاتمس حياة الكرامة بشئ ولا لها من الاخلاقيات الحميدة قوام ذرة حتى جاءت وقفته امام حبل المشنقة التي يحاول الكثيرون ايجاد بطولة زائفة فيها في حين انها كانت مشحونة بالضعف والتخاذل والا لما رد على جمع الواقفين (هي هاي المرجلة) وهي عبارة تدلل على ضعف قائلها لا تحديه والا كان باستطاعته ان يرد عليهم بكلمات اكثر جرأة وتحدي ولو من باب الدفاع عن النفس في اللحظات الاخيرة لكنه كان لايقوى حتى على الوقوف على قدميه خوفا وجبنا ولم يتقدم بنفسه لمواجهة المقصلة بل دُفع اليها دفعا من قبل فريق التنفيذ ، فأي بطولة هذه التي لم ترتقِ حتى لمواقف القطة في مواجهة الموت والتي تتحول فيها الى حيوان شرس قد يقضي على من يحاول الانقضاض عليها ولكن حتى هذا الموقف للقطة لا يحسب لها عملا بطوليا لانها تقضي كل حياتها بالمواء والهزيمة ، ولايمكن مقارنته مع الاسد مثلا وان تشابهت لحظات المواجهة ذلك ان الاسد يقضي عمره بطلا مواجها متحديا حتى اللحظة الاخيرة والتي تكون منسجمة مع مسيرة حياته لا منفصلة عنها كالقطة .

اخيرا لابد لي ان اثبت اني ضد كل التصرفات غير القانونية التي رافقت عملية التنفيذ من هتاف او استفزاز او غيرها لكني اتساءل في ذات الوقت ماهي الظروف التي كانت ترافق اعدام الالاف من ضحايا الجلاد ، هل كانوا يوفرون لهم الاحترام ؟ هل يحضر اركان التنفيذ الاساسيين حسب القانون العراقي (طبيب ورجل دين وقاضي وشهود) ام ان كل شئ كان يتم في الخفاء ولا احد يعرف الطرق القذرة التي كان يتبعها صدام وجلاوزته في تنفيذ الاحكام الجائرة بحق المواطنين العراقيين المدانين لاسباب لايرتضيها اي ضمير حي او عقل بشري الا من فقد الكرامة وارتضى للخسة والجبن موقعا يلفه فأين البطولة في حياة الطاغية واين العدالة التي يطالب بها مريدوه الان وهل كان الدكتاتور بطلا ؟ اني انفي صفة البطولة عنه جملة وتفصيلا لانه لم يكن ذلك حقا .