| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

تحسين المنذري

Tahsin515@hotmail.com

 

 


 

الخميس 4/9/ 2008



اغتيال المثقف ...... الغاية والدلالة

تحسين المنذري

في خضم كل الصراعات على تنوعها يتحمل المثقفون التقدميون اعباءا استثنائية سواءا بدورهم في التنوير او في التهدئة او ما يعانوه من جانب الهجوم المضاد من قبل قوى الظلام والتراجع . وبحكم طليعيتهم الناجمة عن وعيهم المسبق وريادتهم التغيريية فان الضغوط تتنوع من الترغيب والتهديد الى الاعتقال أوالتشريد والنفي أو الاغتيال . ومذ كان المثقف شاعرا فقط كان هدفا مهما في الحروب الى ان صار المثقف التنويري ملاحقا من السلاطين والولاة الطغاة لما يشكله المثقف ـ وعي ونتاج ـ تهديدا لعروش الحرير وقيمهم الاخلاقية والسياسية المعادية لارادة الشعوب . ويتنوع الضغط شكلا ومضمونا تبعا للوعي الجمعي للمجتمع ولحدة وشدة تخلف المعادين انظمة كانوا ام منظمات او حتى افراد ، تلك القوى التي اخذت على عاتقها عارا في التصدي للمثقفين تشهيرا وملاحقة وقتلا ، فالحلاج الذي اتهم بالسحر والشعوذة وثم الالحاد انتهى به الامر قتيلا في القرن الرابع الهجري ، وغاليلو الذي خرج عن مقولات الكنيسة وحكم عليه بالصلب في القرن السابع عشر الميلادي واعفي عنه لتراجعه هو عن موقفه انتهى به الامر حبيس داره الى ان مات في عام 1642 م نماذجا لما يعانيه المثقف التجديدي وصولا الى العصر الحديث حيث يكون المثقف المع الضحايا ..... ويشكل استهداف المثقفين بجميع الاحوال والاشكال احد المؤشرات الهامة ونقاط التحول في مسيرة الثقافة والوطن ، فاسرائيل التي احتلت بيروت عام 1982 انما بدأت ذلك بأغتيال غسان كنفاني عام 1972، وبرزت شوكة منظمات الظلام الارهابية قوية في لبنان بأغتيال حسين مروة ومهدي عامل عام 1987 ، ولم يتوقف المسلسل وان تغيرت اساليبه فبعد محاولة اغتيال نجيب محفوظ عام 1994 قامت القوى الظلامية بتكفير نصر حامد ابو زيد ومحمود سيد القمني الذي اضطر للتراجع عن كتبه حفاظا على حياته مثلما فعل العراقي بهاء الوردي المقيم في المغرب باحراق كتبه لكي لا تحرق حياته .
في كل الحالات فان استهداف الثقافة والمثقفين برزت بشكل دراماتيكي في توجه السلطه الدكتاتورية الصدامية التي استهدفت المثقفين بأشكال شتى بدءا من الاغراء والتهديد مستميلة جزءا منهم اليها والملاحقة والتشريد حيث غادر جمهرة واسعة من المثقفين العراقيين وطنهم مرغمين ومات بعضهم غريبا يحن الى الدفن في تربة وطنه كالجواهري وشمران الياسري والبياتي وغيرهم ، وتم الاعتقال والتغييب والموت فكان صفاء الحافظ وصباح الدرة وحميد ناصر الجيلاوي وغيرهم قناديلا تضئ اقبية الموت الصدامية، لكن القافلة لم تتوقف حتى بعد انهيار الدكتاتورية فكان اغتيال قاسم عبد الامير عجام في ايار عام 2004 احدى بواكير التحول في مسيرة البلد حيث اشتد الهجوم الظلامي متصارعا مع ذاته ومع الاخرين وكاد العراق ان يسقط في اتون حرب اهلية لم تنته مخاطرها ولم يرم ِ رموزها اسنتهم فأغتالوا كامل شياع المثقف والمناضل في 23/اب/2008 معلنين وجودهم القوي وتوجهاتهم التي لم تتبدل في مقارعة الثقافة ورموزها امتدادا لكل الطغاة والدكتاتوريات، فماهي خطورة المثقفين على هؤلاء ؟.
يعلم انصار الجهل والظلام ان اي توسع في المعرفة على المستوى الشعبي يؤدي بالضرورة الى انحسار التابعين لهم والمتلقين لتعليماتهم، وصراع القوى الظلامية مع العلم والثقافة النيرة ليس صراعا مع افراد بقدر ماهو صراعا مع حركة تطور المجتمع بشكل عام فما ان ينير ضوءٌ مساحة قليلة حتى ينحسر الظلام وهكذا يزحف العلم والمعرفة بين ثنايا المجتمع الذي سيجعل دور السحر والشعوذة اقل تاثيرا وصولا الى نهايته المحتومة لما يحمله العالم من تطورات علمية تؤدي بالاخيرالى تحررالانسان من كل قيود الظلام والتخلف ،ولان رموز القتل يعرفون كل تلك الحقائق فأن اختيارهم للمثقف لا يأتي عن جهل بل عن دراية ومعرفة بحجم ودور المثقف التنويري وما يستطيع ان يفعله في تقليص مساحات تحركهم لايغال المحتمع والناس اكثر فأكثر في الجهل وبالتالي فأن الارضية التي يتمنون ان تبقى خصبة لهم دائما سوف تتقلص مساحتها بشكل يقلل من نفوذهم وتأثيرهم على مجمل حركة التطور وليس على الانسان كفرد فقط ، لذلك فانهم باغتيال المثقف الانسان لايبغون منه انهاء حياة ـ رغم بشاعة الموقف ـ بقدر ماهو محاولة لايقاف فكر وثقافة من السيروالتطور المتصاعد واعلان حرب التخلف ضد العلم والتطور، وايضا فان الاغتيال هو عملية بث للرعب ليس فقط في اوساط المثقفين ومحاولة الحد من تحركهم ونشاطهم بل وايضا بث للرعب في اوساط عموم الناس وتحذيرهم من الاقتراب من افكار ومبادئ هؤلاء المثقفين وبنفس الوقت فأنه اعلان قوة ووجود بما يشكله كل ذلك من تهديد للمجتمع والبشر وللتطور العلمي المتنامي وكذلك للسلم الاهلي ومحاولة جر قوى المجتمع المتباينه الى حرب لا يستفيد منها الا التخلف والتراجع والظلام ومن يقف وراءه من قوى مستفيده اقتصاديا وسياسيا وفكريا ربما لا تمت الى البلد المعني بصله بقدر ماهي تسعى الى ايقاف التطور في بلدانها عن طريق ارهاب الاخرين وقمعهم بشتى الطرق .
ان اغتيال المثقف هو حرب الجهل ضد العلم ، وحرب التخلف ضد التقدم، وحرب السحر والشعوذه ضد علمنة المجتمع والدولة .
 


 

free web counter