| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

تحسين المنذري

Tahsin515@hotmail.com

 

 


 

الأحد 30/8/ 2009



تداعيات من تفجيرات الاربعاء الدامي

تحسين المنذري

منذ الاربعاء 19/8/2009 والى الان تتزايد تداعيات اليوم الدامي في العراق ، فقد سبقته أيام دامية ، وتلته أُخرى دموية ، ودوامة العنف تزداد نموا ، والمواطن العراقي يشد الحجر على بطنه جوعا ، ويصم أُذنيه من نعيق البعض ، ويلملم أطرافه خوفا من القادم ، وتتسارع أطراف العملية السياسية لرمي الحجر كل في بركة مناوئيه ، هروبا من المسؤولية ، وجنيا لمكاسب إعلامية فارغة تساعده في كسب هذا الصوت أو ذاك لانتخابات برلمانية ، لايبدو في الافق القريب منها ، أي تغيير ايجابي يبعد العراقيين عن تقاسمات المحاصصات الطائفية ـ الاثنية .

الحكومة سارعت الى توجيه اصابع الاتهام الى جهة العراق الغربية وامتداداتها العراقية ، وأطراف برلمانية وجهت نبالها الى شرق العراق ومعاونيه العراقيين ، وأخرى شملت الجميع في اتهامها (بعث وقاعدة وميليشيات ...الخ ) ، والمحللون السياسيون إنقسموا فيما بينهم بمسببات التفجيرات ، فمن ذهب الى لوم القوات الاميركية لانسحابها المبكروكانهم يريدون إعادة إحتلال المدن من قبل القوات الاميركية ، وآخرون وضعوا اللوم على القوات الامنية لكسلها وتراخيها ، وآخرون قالوا بدقة التخطيط والتنفيذ وقدرة الارهابيين في الوصول الى مايشاؤون ، ولعل تحليلات اخرى قد نسمعها يوما تضع اللوم على الضحايا أنفسهم لأنهم تواجدوا في أماكن التفجيرات ، من يدري ؟ ففي جعبة ممتهني السياسة العراقيين الان الكثير من التحليلات والمسببات ربما لانعرفها بعد . لكن الحقيقة الدامغة والتي يغض الطرف عنها جميع المتنفذين في الحكومة والبرلمان ويتحاشون حتى المرور عليها مرور الكرام تبقى ساطعة في اذهان كل العراقيين المتضررين من مجمل الوضع المتردي في كل ثنايا المجتمع العراقي ، تلك الحقيقة المرعبة التي تقول بمسؤولية كل هؤلاء السياسيين ، حكومة وبرلمان وصحوات وعشائر ومتنفذين في توجيه دفة العمل السياسي العراقي . فإن سلمنا بإتهام الحكومة لغرب العراق أو بإتهام برلمانيين لشرق العراق ،فإن طرفي المعادلة متواجدين في الحكم من قمته الى ادنى مستويات المسؤولية ، أو قلنا بتراخي الاجهزة الامنية وكسلها ، أو بقدرة الارهابيين ، او أي شئ أخر ، تبقى الحكومة واطرافها والبرلمان وقوّاليه ، هم المسؤولون اولا واخيرا عن كل ماجرى ويجري في عراق الموت والخراب والدمار الشامل . لقد أرتضى كل هؤلاء بل واستفادوا جميعا من نظام ردئ ومقرف هو التقسيمات المحاصصية لنظام الحكم حتى تحولت الدولة العراقية معه الى دولة محاصصات مقيتة ، إنسحبت تلك التقسيمات الى كل مفاصل الاجهزة الحكومية ،وأولها الاجهزة الامنية ، تلك الاجهزة التي بُنيت منذ لحظات تشكيلها على أساس الولاءات الحزبية الضيقة وإن توسعت فالى ولاءات طائفية ، وفي كلتا الحالتين يغيب العراق عنها كوطن ، وتغيب المهنية عنها كأساس ، ويختفي الحياد كتوجه أرأس في كل مفاصل عملها ، بل وإن الفساد الاداري والمالي يجد الارض الأخصب في ثنايا تلك الاجهزة ، فقد بات معروفا لجميع العراقيين، وعلى رؤوس الإشهاد، مبالغ الرشاوي التي تدفع لكي ينال الراشي المنصب الذي يريد ولكل منصب قيمته في مبلغ الرشوة ، فلمن تدين هذه المؤسسة أو أي فرد من أفرادها ؟ أيُعقل إنها تملك شيئا من المهنية أو الحيادية ؟ ومن يصدق بنزاهة دافع الرشوة ؟ لِمَ لا يرتشي هو أيضا ؟ وهذا ما يدفع بعدم قبول تحليل الانسحاب المبكر للقوات الاميركية المحتلة من المدن ، فما قيمة أكثر من مليون عنصر أمني بُنيت أجهزتهم وإداراتهم على أسس من الفساد والمحسوبية والولاءات الضيقة . والحكومة بكل شخوصها المتنفذين يعرفون كل مايجري بل وربما بعلمهم هم ، إن لم يكونوا مساهمين رئيسين فيه ، لكن الصمت سيد الموقف . لإن الجميع مستفيد مما يجري ، وأبسط دليل على ذلك موقف السيد المالكي رئيس وزراء دولة القانون عندما هدد البرلمانيين العراقيين بكشف كل ملفاتهم إذا ما أستمروا في محاسبة الفاسدين والمفسدين في حكومته ، وبذلك فقد شل نصف مهام البرلمان المتمثلة في الرقابة على الحكومة وإدائها .

في الوقت الذي تركت تفجيرات الاربعاء الدامي أثارا نفسية عميقة لدى كل ابناء الشعب المبتلى بالمحاصصين ، ودوامة الحيرة تلف جل تفكيرهم وأسفهم لما يحصل ، فلم تستطع حكومة المحاصصات الحد من جرائم بقايا البعث ولم تضع معاييرا وطنية لوقف تدخل القاعدة ، بل إن بعضا من أطرافها إمتلكت مليشيات للقتل تداخلت عناصرها مع الاجهزة الامنية ، ينظر المواطن بعين الريبة الى التشكيلات الائتلافية القادمة والمعلن عنها أو عن نية تشكيلها ، لأنها الى الان لم تخرج عن اطارها الطائفي ، فتشكيل الائتلاف لم يفعل شئ سوى إنه بدل اسمه وأدخل عناصرا أُخرى معه أيضا على أساس طائفي ، بل وإن رموزه البارزين هم أبرز الطائفيين ، فيكفي إسم أحدهم الذي تخلى عن لقب عائلته مقابل لقب طائفي ، وأخر لم ينبس ببنت شفه الى اليوم عن المحاصصات الطائفية رغم توليه منصبا قياديا هاما في البلد ، وأخريقود ميليشيا طائفية تدور حولها الكثير من الشبهات الجنائية ، دع عنك أخرا لم يجد لنفسه موطئ قدم سوى في البيت الطائفي الذي سعى لتشكيله منذ البداية وعمل عرابا له طيلة السنوات المنصرمة .

بل وحتى تشكيل السيد المالكي الذي مازال لم يحسم أمره بعد ، فرغم تأكيد المالكي على إنه سيتجاوز حدود الطائفية ، فإنه يعلن صراحة عن أسس طائفية للتشكيل ، وبالجهة الاخرى بات تشكيل ائتلاف طائفي حافزا لها لكي تعيد تشكيل ائتلافها الطائفي القديم وإن تبدلت وجوهه أو غيرت لباسها لكن لم تخرج عن إطارها الطائفي ، وهكذا يستمر مسلسل التكتلات الطائفية في التتالي على المشهد السياسي العراقي ، ليطول معه عناء المواطن العراقي والذي لم يجد على مدى سنوات ست منذ سقوط الدكتاتورية أي تطور ملموس في حياته المعيشية أو الخدمية أو في أي من مناحي الحياة الاخرى بل إن الامر إزدادا سوءا عن حاله المزري أيام حكم الدكتاتورية المقبورة.

من كل هذا وذاك فإن تفجيرات الاربعاء الدامي أعطت رسالة الى الشعب العراقي ، لم تكن تقصدها بالتأكيد ، هو ألا ينتخب المحاصصين مهما حاولوا تبديل جلودهم أو تلميع وجوههم الكالحة ، وليعلن صراحة رفضه لكل سياسات التقسيم المقيتة.
 


 

free web counter