| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

تحسين المنذري

Tahsin515@hotmail.com

 

 


 

                                                                                      الأربعاء 23/2/ 2011



أميركا..... واللعب على الحبال

تحسين المنذري

منذ بدأت الاحداث في تونس بالتصاعد لتشمل بلدانا أخرى حيث كانت مصر الحلقة الاهم كما يبدو عند الاميركيين، والتصريحات الاميركية تتوالى عن دعمها لتلك التحركات والانتفاضات الجماهيرية ، بل وذهبت لابعد من ذلك في الشأن المصري من خلال دعواتها العلنية لرئيس مصر السابق حسني مبارك بالتخلي عن السلطة ، وهي مازالت الى الان ترقب الوضع المتأزم في الشرق الاوسط مع توالى تصريحات مسؤوليها في دعم الشعوب وكأنها الحامي الرسمي لنضالات شعوب البلدان المكتوية بنار الدكتاتوريات المدعومة أصلا من قبل اميركا لحد قبيل انهياراتها بأيام بل وربما بساعات . فهل هذا الموقف يعبر فعلا عن طريقة تفكير الساسة الاميركان ، وهل حقا يدعمون نضالات هذه الشعوب ؟

تعلم أميركا قبل غيرها إن ما جرى ويجري في المنطقة الان ليس بمعزل عن سياسة العولمة التي تنتهجها منذ بداية تسعينات القرن المنصرم وتسعى الى ترسيخ فكرة سيادة العولمة بنظامها الرأسمالي وكأنها الخيار الأخير للشعوب والذي لامناص منه . سياسة العولمة تلك التي نفذتها الولايات المتحدة الاميركية عن طريق أذرعها الرئيسية (صندوق النقد الدولي ، البنك الدولي و منظمة التجارة العالمية) أدت الى إزدياد الفقر في بلدان الاطراف كما يحلو للمنظرين الاميركان تسمية شعوب البلدان النامية ، فقروض صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي تفرض على الدول المقترضة إلتزامات كبيرة بإتجاه تقليل الانفاق الحكومي والذي يشمل تقليل ومن ثم إلغاء الدعم لأسعار الوقود والمواد الغذائية الاساسية كالخبز مثلا، وهذا ما حصل في مصر وتونس ويحصل الان في العراق من محاولات إلغاء البطاقة التموينية وقبلها تقليل الدعم على أسعار الوقود عامة ، كما إن وصفة البنك وصندوق النقد الدوليين تقضي بإلغاء ما يسمى بالقطاع العام والتوجه نحو الخصخصة والذي قامت به مصر وتونس فيما سبق ويتجه العراق الان نحوه ، وهذا يعني تقليل عدد العاملين في تلك المؤسسات التي أمست مملوكة للقطاع الخاص حيث البحث عن الربح على حساب راحة ووقت قوة العمل ، وبالتالي إزدياد البطالة في المجتمع ، وتقضي إتفاقية منظمة التجارة العالمية الى إلغاء الحواجز الكمركية بين أعضائها مما يساعد الدول المتطورة صناعيا وزراعيا على تصدير منتوجاتها الى البلدان الاخرى وذلك لجودة النوعية مع رخص في الاسعار حيث كميات المنتج الكبيرة ، وهذا يتم بالتزامن مع منع الدولة من دعم المنتوج المحلي ، وبالاخر فإن الدول تتحول تدريجيا الى دول مستهلكة لا منتجة ويعني أيضا إزدياد معدلات البطالة والفقر في المجتمع . وبين هذا وهذاك تأتي موضوعة فتح الابواب على مصراعيها للاستثمارت الاجنبية بقوانين تسنها الدول على حساب الرأسمال الوطني ( عام وخاص ) والذي يعني إزدياد هجرة الارباح الى خارج البلد والتي جاءت من إستغلال الثروات الوطنية بشرية كانت أم مادية ، وهذا أيضا من شأنه أن يزيد من معدلات الفقر في بلدان الاطراف .

إن هذه العوامل مجتمعة كانت الاسباب الرئيسية التي أدت الى الانتفاضات الشعبية في بلدان الشرق الان ، والتي يتوقع بعض المراقبين إمتدادها الى دول خارج المنطقة مثل جنوب شرق أسيا والدول التي إستقلت عن الاتحاد السوفيتي وبعض دول المنظومة الاشتراكية السابقة خاصة تلك التي مست الاجراءات الاقتصادية لحكوماتها مفاصل حياة المواطن اليومية وأدت الى إزدياد ثروات الشرائح المالكة في المجتمع على حساب مداخيل الطبقات والفئات ذات الدخل المحدود والتي إزدادت فقرا خلال الفترة المنصرمة ، وهنا جاءت اللعبة الاميركية ، حيث إعلانها الاصطفاف الى جانب الشعوب المنتفضة وليس الحكومات التي رعتها بالامس وصانت وجودها، وذلك في محاولة بائسة لإظهار موقفها وكأنه الموقف المساند لقضايا الشعوب المضطـَهدة ، إلا إن الخطاب الرسمي الاميركي لم يتطرق مطلقا للاسباب الحقيقية لتلك الانتفاضات ، فقط جرى التركيز على الحريات العامة والديمقراطية حتى ذهب الرئيس الاميركي أوباما الى التصور بأن شعاره الذي رفعه خلال الانتخابات الاميركية (التغيير) هو الذي يجري إستنساخه في هذه البلدان ، وكأن التغيير كفكرة أو كلمة لم يكن لها مكان في قواميس لغات العالم إلا بعد أن نادى بها أوباما !!! متناسيا إنه الهدف الاكثر شهرة والاهم لكل نشاطات الانسان منذ بدء الخليقة والى الان وسيستمر كذلك . نعم إن الديمقراطية والحريات بكل أشكالها كانت عواملا هامة من عوامل الانتفاضات المتعددة والتي تشهدها المنطقة الان ، لكنها ليست أهم من حق العمل والعيش بالحد الادنى من الكرامة الانسانية كتوفر الغذاء والسكن والخدمات وبأسعار ملائمة لذوي الدخول المحدودة والفقراء خاصة . إن محاولات الادارة الاميركية وسياسييها مكشوفة تماما وهي ليست الا محاولات للتمسك بالحكومات القادمة والتي ستتولى شؤون بلدانها لما بعد التغيير ، والابقاء على حالة التبعية الاقتصادية وبالتالي السياسية لكل منظومة تلك البلدان ، وهذا يعني إستمرار نهج العولمة الاقتصادية والانفراد بالعالم كقطب واحد ، فالاقطاب الاخرى مهيأة للظهور في أي لحظة ( الصين مثلا ، أو اي تحالف لليابان مع دول أخرى لها قوة إقتصادية ، بل وحتى الاتحاد الاوروبي إذا ما تخلص من تبعيات أقتصاديات بعض بلدانه لأميركا ) .

هنا يتحتم على القوى التي شاركت في التغيير الاستمرار بنهج الدفاع عن مصالح الفقراء والمهمشين وعدم التهاون مع أي محاولة للاجهاز على بعض المكتسبات التي بدأت تلوح بوادر تحقيقها في الافق الان. والتأكيد دائما على الاسباب الرئيسية لتلك الانتفاضات وليس الاكتفاء بتحقيق مكاسب جزئية .

 

 

free web counter