| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

تحسين المنذري

Tahsin515@hotmail.com

 

 


 

الأثنين 1/11/ 2010



عندما لا يكون الحل عراقيا ً

تحسين المنذري

منذ ثمانية أشهر تقريبا والعراق يعاني من حالة شلل سياسي متمثل بعدم تشكيل الحكومة ، وبين تجاذبات القوى السياسية وصراعاتها فقد المواطن العراقي كل أمل مرتجى في رؤية الاستقرار وعودة الروح الى البنى الاقتصادية وسيادة القانون وتعزيز النهج الدستوري في إدارة الحكم بعد كل الخروقات والتعطيل والمماطلة التي انسحبت مجتمعة على الوضع العام من كل نواحيه والوضع الامني بشكل خاص ، وفي ظل هذه الازمة عادت الى السطح وبشكل اقوى من ذي قبل نزعة الروح الطائفية والتقاسم المحاصصي للسلطة ، وظهرت الى العلن مرة أخرى الرموز الطائفية بوصفها الأداة التي من خلالها سيتم حلحلة الوضع وإيجاد صيغ تعتبرها هي فقط مقبولة ولا مناص منها . ولم يكن كل ماجرى بمعزل عن تدخل اقليمي فض برعاية أمريكية معلنة تارة ومستترة في أخرى ، مما دفع المواطن العراقي الى التعبير عن تذمره وعدم رضاه عما يجري ، بل وإعلان رفضه لكل تلك الممارسات من خلال جملة الاعتصامات التي شملت عدة محافظات عراقية توجت بإقامة دعوى قضائية ضد البرلمان الحالي من قبل منظمات المجتمع المدني التي تصدرت حملة المطالبة بالاسراع بتشكيل الحكومة والتي كسبتها بإجبار مجلس النواب على الانعقاد بموجب قرار المحكمة الاتحادية وإعتبار الجلسة المفتوحة التي أقر بها رئيس السن للمجلس غير قانونية ، وترافق كل ذلك مع المبادرة المعلنة من قبل رئيس أقليم كردستان والتي إعتبرها البعض أساسا ممكنا للتفاوض عليه وقرب إعلان التحالفات النهائية لتشكيل الحكومة ، في خضم كل هذا جاءت الدعوة من قبل العاهل السعودي للاجتماع في الرياض بعد عيد الاضحى تحت مظلة الجامعة العربية لغرض إيجاد حل للازمة المستعصية . ورغم إن الحراك السياسي العراقي في الفترة المنصرمة لم يكن مقتربا تماما من الحل النهائي إلا إنه في جميع الاحوال كان حراكا عراقيا يخضع للضغط الشعبي سواءا أقر بذلك المتنفذون في العملية السياسية أم لا ، فهل جاءت الدعوة السعودية لغرض تنشيط هذا الحراك أم لشئ أخر ؟

تشير كل التجارب السابقة التي تولتها جهات خارجية لغرض حل الاشكاليات الوطنية الى إنها لم تكن سوى محاولات لحل الازمة أدت في الكثير من الاحيان الى تعقيدها وليس تفكيكها ، فالمبادرة المصرية لحل الاشكالية الفلسطينية لم يكلل لها النجاح بل زادت تعقيدا في حدة المشهد السياسي الفلسطيني ، وإجتماعات الدوحة للمساعدة في مشاكل السودان لم تستطع أن تغير في الموقف شيئا بقدر ما إزداد الوضع تشابكا مع دعوة جهات وإستثناء أخرى ، وكذا الحال مع إجتماعات الطائف عام 1989 والتي أريد لها أن تضع حدا نهائيا للحرب الاهلية اللبنانية حيث نجحت بشكل مؤقت في إيقاف نزيف الحرب لكنها في الوقت ذاته عززت من التقسيمات الطائفية للمجتمع والدولة على حدٍ سواء وتمتين الدور القيادي لبعض الزعماء الطائفيين وسهلت التدخلات الخارجية بشكل كبير في الشأن اللبناني مما جعل الساحة اللبنانية مكانا لتصفية حسابات القوى المتناحرة إقليميا بل وحتى دوليا . فهل سيضع إجتماع الرياض المزمع عقده حدا للتناحرات السياسية العراقية المتشابكة مع الصراعات المسلحة ؟

إن تتبعا بسيطا لجذور الازمة العراقية يجد إنها تتمثل في شيئين رئيسيين هما : التقسيمات الطائفية ـ المحاصصية للمناصب السياسية جميعا والدستور العراقي بما يحمل من هنّات وثغرات ، وهذا يعني إن أهل مكة أدرى بشعابها ، فهل ستدعو الجامعة العربية متمثلة بالسعودية العراقيين الى إلغاء المحاصصة أم إنها ستعزز تمثيل الطوائف في مؤتمرها المزعوم ؟ وهل سيتم تعديل الدستور العراقي وسد نواقصه في الرياض ؟ أم هو بحاجة الى آلية عمل عراقية لإتمامه ؟

إن التجربة اللبنانية تقول لم يكن مؤتمر الطائف حلا للنزاعات الطائفية بقدر ماكان تهدأة مؤقته للصراعات المبنية على أسس طائفية ، لكن في نفس الوقت ترك مؤتمر الطائف ثقلا كبيرا على عاتق الاجيال التي تعيش الان مشاكل المحاصصة المقيتة . إن حل المشاكل العراقية لايمكن أن يستوي الا بأيدي عراقية وكل ماضاق الخناق الشعبي على السياسيين المتنفذين كلما يدفعهم مرغمين على التخفيف من حدة إنحيازاتهم الطائفية ، وما النمو البطئ لكن الرصين لقوى التيار الديمقراطي الا مشعل يزيل بإنارته ظلام المحاصصة المسيئة للعراق وشعبه ويسحب البساط تدريجيا من تحت أقدام القوى المستفيدة من تكريس النظام المحاصصي ، والتجارب تشير الى إنه كلما تقادم نظام المحاصصة في البقاء كلما كانت إمكانية إزالته أضعف ذلك إن قادة الكتل الطائفية سوف يستطيعون مع الايام تركيز وجودهم إقتصاديا وإجتماعيا وأيضا سيقيمون علاقات سياسية مع دول الاقليم وغيرها تعزز من مكانتهم السياسية بما يؤهلهم للاستمرار في إدارة دفة الحكم بوقت أطول ، لذا فإن البقاء في صراع سياسي داخلي حتى وإن طال قليلا خير من اللجوء الى قوى خارجية تعزز من وجود المحاصصين ونظامهم .


 

free web counter