| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

تحسين المنذري

 

 

 

 

الخميس 15 /2/ 2007

 

 

لمناسبة يوم الشهيد الشيوعي
ليلة عرس


تحسين المنذري

ـ حكمت المحكمة حضوريا على ليلى عبد الباقي المنذري بالاعدام شنقا حتى الموت ...... بالاعدام رميا بالرصاص ....... بالاعدام كهربائيا .......... بالاعدام ثرما ....... بالاعدام بالغاز السام ........... بالاعدام دفنا وهي تضحك .............. بالاعدام ....... بالاعدام ......... بالاع
استفاقت ليلى مفزوعة ، هذا الكابوس تكرر مرارا ، يبعد عنها النوم ، مسحت بكفيها عينيها العسليتين ، استدارت يمنة ويسرة ، الكل نيام .... زميلات الدراسة ، صديقات الطفولة ، هاهي ياسمين كاظم الشيخ تغفو جوارها .... ربما تحلم حلما ورديا ، على مقربة منها الهام محمد الوردي تدفئ نفسها ببطانية سوداء مهلهلة ... في الجوار الاخر كانت بتول الخزعلي واختها سمية يلفان بعضهما اتقاء البرد ورطوبة القاعة ، بتول وسمية هكذا في النهار والليل متلاصقتان لا تفترقان ابدا ، لكن بتول( ام جماهير) هي اختنا الكبيرة كلنا ، تتفقد احتياجات كل منا ، تقص علينا الحكايا ، تواسي فراق الحبيب اذا تذكرته احدانا ، تعطي حنانا دافقا ، تدثرنا اذا بردنا هي تقول انا امكن هنا لاتبتأسن ، شدة وتزول ، ،،،، على مقربة منها تنام سحر عبد المجيد ، لاتكفيها البطانية السوداء غطاءا، دائما ما تخرج قدميها من تحتها لذلك فهي تقرفص نفسها تلمها بشدة لكي تدفأ قليلا ، سحر طويلة فارعة ، جميلة، ينبهر الناظر اليها ، تحدثنا كثيرا عن اخيها الاصغر منقذ حتى انها تحلم به ليليا ، حلمت به مرة عريسا وهي تقص علينا عرسه ضحكنا منها كيف لصبي يتزوج ، غضبت ، استشاطت ، ردت انه رجل يغيض اشباه الرجال هؤلاء والا لما وضعوه في قاعة الرجال المقابلة لقاعتنا حاله حال احمد علي الهاشمي وحميد عبد الله وجبار الشطري ومنعم ثاني وبديع .....
اه يا بديع يابن عمي
نتسلق واحدة فوق الاخرى كل يوم لنرى من كوة صغيرة في اعلى قاعتنا مسيرة الرجال اليومية، قبل اسبوع كان دوري ان اكون من يشاهد في ذلك اليوم ، وصادف ان رأيت بديعا يخرجه الحراس ببدلة حمراء مكبل اليدين مرفوع الرأس هادئا هازئا بمن حوله ساروا به لا ادري الى اين لكنهم عادوا بعد قليل بدونه وكانوا يتحدثون فيما بينهم بما آل اليه مصيره :
هتف : يحيى الشعب ، يعيش الحزب الشيوعي العراقي
وحينما استطالت رقبته بالحبل لم يهدأ ، لم يسكت بل صارت الكلمات تخرج اكثر وضوحا .... اننا في الحزب الشيوعي العراقي لم نحمل هما يوما سوى مصلحة الشعب العراقي ، لم نكن الا من اجل الطبقة العاملة والفلاحين .... لم نغدر باحد نعمل كل ما يمليه علينا الواجب من اجل وطن حر وشعب سعيد ، قالوا ان ذلك اثار غضبهم ففكوا الحبل ودفعوا به الى حوض التيزاب بقي يهتف عاش الشعب عاش الحزب حتى ذاب شعر رأسه وبقي الصوت يرن يرن ، سقطت مغشية علي لا ادري ما حصل فيما بعد ، لكني عرفت لاحقا انهم اخرجوا من بعده احمد علي الهاشمي وصديقه حميد عبد الله ، بدأوا بأحمد وما ان سقط من الحبل حتى اقترب منه حميد يقلب جفنيه فقد هزه بياض عيني صديقه ، اقترب يبحث عن الزرقه الصافيه فيهما ، اغاظ بذلك الجلادين كما سمعنا فعاجلوه بصلية رشاش غفى حميد بها على صدر احمد ... في اليوم التالي قصت علينا سمية وكانت هي من تنظر من الكوة ان الجلادين اقتادوا منقذ شقيق سحر ولؤي طبلة ومنعم ثاني وخالد يوسف ، كانوا جميعا ابطالا متحدين هتفوا وسمعت هي هتافهم عاش الشعب عاش الحزب يسقط الخونة العفالقة ولا تدري كيف اختفى الصوت لاحقا .... سحر زغردت فرحا ، هذا هو عرس اخي ، هو الرجل، هو من لم يخب ظني به ابدا ... وهكذا كل يوم تقص علينا احدى رفيقاتنا ما ترى من الكوة ، بطولات يسطرها اماجد ، عبد الرسول حسين ، نافع الصكر ، احمد علي الجاسم ، رعد ثجيل ، صبار نعيم ، جبار نعيم ، فاضل الخليلي ، رحيم علي رحيم ..... لكن صوت صرير الباب يُفتح ، تتوقف ليلى عن التفكير ، صوت جلاد ينادي : ليلى خذي والبسي بدلتك هذه ......
حينما البست ام ليلى صغيرتها الجميلة القميص الابيض والصدرية الزرقاء في اول يوم مدرسي من عمر ليلى ، حلمت الام ببدلة عرس ليلى ، تصورتها بيضاء طويلة تمتد من خلفها ، تحملها فتيات صغيرات جميلات مشرقات ، وحينما شدت ظفائرها بالشريط الابيض تصورت اكليل العرس ، سيكون ابيضا مطرزا باللؤلؤ ، سوف لن تسعني الفرحة في هذا اليوم ، لِمَ لا ، ليلى صغرى بناتي فرحتها ستكون الكبرى ، سنزفها بدموع الفرح ، سنزفها فخورين بها وبشهادتها العليا ... وحينما خرجت ليلى في يومها الاخير من بيتهم الى الجامعة بقيت امها تنتظرها طويلا ليتناولا الغداء سوية وطال الانتظار ،،،،،،،،،،،، لكن ليلى لم تعد ،
ليلى ترتدي الان بدلتها التي رماها الجلاد لها .... بدلة عرسي هذه اذن ، رددت ليلى ... يايمه لا تبجين دومج حزينه .... ها اني أُزف الان كما حلمتي يوما ، هذا اليوم هو يومي ، ، انا انتظرت كثيرا ، حفلتي ستبدأ بعد قليل انه العرس ، اجمل عرس .....
ينادي الجلاد : هيا ليلى وانت يا سمية ، يا بتول ، يا سحر خذوا بدلاتكن فأنتن من بعدها وبعدكن ستكون ياسمين والهام ، هيا ليلى الوقت من ذهب ،،،،،
لكن اين الذهب ، الست انا العروس ؟ اين الذهب في معصميّ اين قلادتي ؟ ..
يقتاد الحرسُ ليلى ، مازالت السماء سوداء تدخل قاعةً ً سوداء تحيط بها وجوه لم تمر عليها يوما استدارة الطفولة ، تحدق بها عيونٌ لم تعرف التماعة البراءة لحظة ً تقلب ليلى ناظريها ، حبال ممدة من السماء ، جدران سوداء تنحني قليلا لترى بدلتها ... انها حمراء ، حمراء ،
( حمراء لون الدم
لون الدم........ لون الدم
والخطر
) *
هو الخلود اذن هو المجد باعلى استحقاقاته ، السماء مازالت مظلمة ، تقترب ، تقترب ، تنطبق على الارض ، اهتزازات ارضية ، سواد كالح يلف الجميع ، اختناقات ، الهواء قليل ، ويقل.. يقل ، العيون تجحظ ، ماء ... ماء ... لاقطرة ماء في الافواه ، دوي انفجار هائل ، يختل التوازن ، يهتز الكون ، دمار ، لاشئ .. لاشئ .. كل شئ انتهى ... ودوي انفجار هائل يصك الاسماع ، وبريق يغشي العيون ، لا احد يدري ما يحدث ، لا احد يعرف ما يفعل ، لكن البريق يزداد ، يزداد تألقا ، انها الشمس ، هاهي الشمس تشرق من جديد ، النور يغطي الارض ، خيوط الظلام مازالت هنا وهناك ، لكنها الشمس ، تطغي ، تسود ... في اول اشراقة للشمس شوهدت ليلى تطوف اروقة الجامعة ، توزع العدد الاول من طريق الشعب ، شوهد ايضا صبار وبديع وجبار واحمد يفتتحون مقرات الحزب ، ام جماهير وسمية وياسمين وسحر تتأبط ذراع اخيها منقذ يطرقن الابواب ، يستنهضن النيام ، الكل يخرج الى الشوارع والحارات ، يتجمعون ، يلتأم الشمل ويغني الجميع :

بوية كضه اللي جان يحسب كضانا
بوية كضه اللي جان يحسب كضانا

* النص مقتبس من قصيدة للشاعر الراحل هاشم صاحب