| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

تحسين المنذري

Tahsin515@hotmail.com

 

 


 

الجمعة 15/2/ 2008



لمناسبة يوم الشهيد الشيوعي

رسالة مفترضة من زنزانات الموت

تحسين المنذري

سلامي ومحبتي
اتصور ان هذه الكلمات ستكون اخر ما سيصلك مني ، ذلك ان الجلادين ومنذ يومين مضت صاروا معنا اقل قسوة ، بل ان بعضهم صار لطيفا ، ويبتسمون احيانا ، وتلك مؤشرات الغدر الاخير ، فقد فعلوها مع من سبقنا ... فاحذر ابتسامة الجلاد .
هذه الرسالة ليست وصية ، بل هي اخر مافي صدري أحبا كان ام غيضا ، وقبل كل شئ كيف هو(ذر) وكيف (ود) اتصور انهما كبرا قليلا ، فاذا سألا عني قولوا لهما سيعود حتما ،،، وان شعرا باليتم يوما قولوا لهما  :
" اللي مامش ابو عنده
الحزب ابوه .... الحزب بيته
"
نعم قولوها بلا وجل ولا تردد ، فالحزب سيعود بي او بغيري ، وانا لست اول المغدورين وربما لن اكون الاخير ولو اني اتمنى ذلك ، سلم لي على امي ولتغفر لي قسوتي معها ، اذ كنت اقول لها دائما ، انسيني ، انسي لك ابنا اسمه بديع ، بل انها كانت تعرف تلك الحقيقة ولا تريد الاعتراف بها ، عَرَفَتها منذ اعتقالي الاول .... هل تتذكر حين داهم جلاوزة الامن بيتنا عام 1970 اي منذ عقد ونيف وقبل ان تعرف امي من المطلوب منا صرخت " يمه بديع " ..... واسوها بالانتظار وهي ستواسي نفسها بالحزن ، اي عاشقة للحزن هي ، حالها حال امهات رفاقي هنا زملاء زنزانتي فخالد اطيمش يقول ان امه تحمل على كتفيها مذ ولدت جبلا من الحزن احنى ظهرها ولا تريد التخلص منه بل هي لا تستطيع العيش بدونه ، رحيم علي " ابو اماني " يقول تعلمت الغناء من حداء امي الحزين ، فاضل الخليلي يتمنى اطلاق سراحه ولو لدقائق فربما كما يقول ارى على وجه امي فرحا ... لِمَ هكذا كل امهاتنا والحزن توائم ؟
قبل ايام نفذوا جريمتهم القذرة برفيقيك وصديقيك احمد الهاشمي وحميد عبد الله ، احمد الربع القامة هذا حينما نادوا عليه استطال وعرض ولم تسعه بوابة الزنزانة للخروج وصرخ بوجوه جلاديه ستسقطون ونحيا نحن .... حميد الهادئ الصامت ابتسم بوجوهنا مودعا وبصق بوجوه الجلادين ...
وصديقك خالد يوسف متي نفذوا جريمتهم فيه يوم وصولي الى هنا ، خرج من الزنزانة باتجاه المقصلة وهو يغني"سالم حزبنا" اغاضتهم الاغنية فنفذوا غدرهم به رميا بالرصاص وهو في الطريق الى المقصلة مع ان حكمه كان شنقا ... يا للمهزلة الغدر واحد ويتفنون في تنفيذه حتى جعفر ابن عمي لم يسلم من غدرهم ، ذلك الرجل الوديع المسالم ، سقوه الثاليوم بدم بارد ، سمعت الحكاية ممن جاء بعدي الى هذه الزنازين ، تألمت كثيرا ، من لايتامه الثمانية الذين تركهم ؟ لكن ما يؤلمني اكثر ويحز في نفسي تساؤل كبير اخر : بأي طريقة سينفذون جريمتهم بمنذريتنا الصغيرة ليلى ، نعم لقد عرفت انها في قسم النساء ، بأي قلب صخري سيغدرون بها ، اي ذنب اقترفت فراشة الزهور هذه ، فيا لجبن الطغاة ، يخافون من فلقة القمر ليلى ... لكنها كما علمت كانت جسورة شجاعة ، اغاضتهم وهي اسيرة ، اخافتهم ومعصميها مثقلين بالحديد ، احتقرتهم واهانتهم بصمت من جليد .
اخيرا ، اعلم اني اثرت فيك المواجع ، عذرا ، فقط اريد ان اقول اني لست نادما ، لست خائفا من الموت ، لكن في صدري غصة ، هي اني احب الحياة ولي فيها مشاريع لم تكتمل .
ختاما اوصيكم الثقلين .... الحزب والطفلين

التوقيع
المنذري بديع
التاريخ ساعة من الليل الطويل

قرأت انا هذه الرسالة الف مرة والظلام مطبقا ، لكن في المرة الاولى بعد الالف رأيت الفجر ينبلج ، هرعت الى شوارع مدينتي الصاخبة ، مدينتي ذات الازقة المعطرة بالوفاء والحنين ، رأيت جموعا من الرفاق، وجوها اليفه، قاماتٍ تحتضن النور ، رأيت بديع وخالد ورحيم امام بيت في زقاق وخلفهم سعيد متروك بطبعه الحاد المنفعل دائما يوجه بيده لتعليق يافطة على باب الدار كتب عليها :

الحزب الشيوعي العراقي
مقر محلية الكاظمية
 


 

Counters