| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

تحسين المنذري

Tahsin515@hotmail.com

 

 


 

                                                                                      الخميس 10/5/ 2012

 

إشاعة الخوف ... سلعة الاسلام السياسي

تحسين المنذري

لعل من العوامل التي ساعدت فكر الاسلام السياسي على الانتشار ماحدث مع نهايات القرن المنصرم من هزة فكرية عميقة أصابت مجتمعاتنا العربية تمثلت بظاهرتين: الاولى إنهيار الاتحاد السوفيتي وبقية دول المنظومة الاشتراكية الذي أدى الى تزعزع كبير بالثقة بالفكر الاشتراكي ومدارسه المتنوعة ، والثانية هي القضاء الاخير على بقايا الفكر القومي العربي وذلك بإجتياح صدام حسين للكويت وإحتلالها وما تلى ذلك من تداعيات خطيرة على عموم المنطقة ، فالفراغ الذي نجم عن هاتين الهزتين فسح المجال كثيرا لبروز فكر الاسلام السياسي كملاذ للشعوب العربية التي وجدت في حلوله الاخروية خير تخدير لكل هواجسها المضطربة ونوازعها نحو الاستقرار والطمأنينة ، لكن ذلك كما تقول الكاتبة السورية "ديمة ونوس" في المقدمة التي كتبتها للطبعة الثانية لكتاب  " نقد الفكر الديني "  لصادق جلال العظم ( أسهم في تداعي الحياة السياسية والاجتماعية وفي خنق آخر حفنة أمل في التغيير الديمقراطي والاصلاح .... وربما يفسر الان لجوء عدد كبير من الشباب الى الدين للهروب من الواقع الاقتصادي السيئ لان الجو العام يجعل الشباب تلجأ الى التطرف والتشدد في القضايا الدينية ، وهو نوع من الهروب المخدر الذي يساعد الشباب على إستعادة توازنهم مع غياب بدائل وطنية ، رغم إن رجال الدين لايملكون بدائل أو حلول وكلامهم مبني على عواطف ومشاعر مستمدة من الدين ) ويظهر من ذلك إن ما تقدمه قوى الاسلام السياسي ليس حلولا بل ربما زيادة في حجم المشاكل التي يعاني منها المجتمع بشكل عام ، والتي قد تنقلب يوما الى عوامل محركة لقوى المجتمع المسحوقة والمهمشة لتنتفض في يوم ما على قوى الاسلام السياسي التي ليس فقط برزت في واجهة الحياة السياسية بل إن بعضها تسلم دفة الحكم في بلدانها . يظهر إن قوى الاسلام السياسي تعاني من نقص كبير في مشارعها وبرامجها المستقبلية ، بل هي لا تمتلك حتى ولا رؤية مستقبلية في تقديم بدائل علمية تتماشى مع تطور العلم وإجتياحه كل مناحي الحياة ، لذلك فهي تلجأ الى أساليب عدة لتثبيت سلطانها على عقول الناس ولعل من أبرزها إشاعة الخوف الجماعي أو المجتمعي وهو ما يصطلح عليه في علم النفس بـ ( الرهاب الجماعي ) ، ولديها من أجل ذلك أساليب عدة منها إشاعة الخرافة وتهويل الظواهر الطبيعية ، وتشجيع العنف كوسيلة لحل الاشكاليات العالقة واللجوء الى تطوير ذلك بمختلف الاساليب مثل إنشاء ميليشيات مسلحة أو غض الطرف عن تشكيلها وعملها ، أو إستخدام أجهزة الامن في قمع المتذمرين ، أو إفتعال مواجهات عنفية بين المحتجين أنفسهم ، أو البحث عن عدو حتى وإن تم خلقه من أقرب حلفاء الامس وتوجيه وسائل الاعلام المملوكة للدولة أو لها شخصيا لتأجيج حدة الخلافات وتركيز إنتباه الناس ومشاعرهم إزاء تلك القضايا الخلافية لصرف أنظارهم عن مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية المستشرية ، ومن أجل إستكمال تحقيق ما تصبو اليه من تعزيز وإيغال أكبر في إشاعة الخوف فإنها تلجأ الى التضييق على الحريات العامة وحرية الرأي والصحافة وتهديد المعارضين بالصاق شتى التهم جزافا ، كل ذلك من أجل ليس فقط ترهيب المختلفين عنها بل وأيضا لكي يسود جو من الرعب والترقب يصيب الفرد والمجتمع على حد سواء ، إشاعة الخوف الدائم ، الخوف من المجهول ، الخوف من أي شئ وكل شئ ، الخوف من القادم المبهم . الخوف كما يعبر عنه الدكتور المصري "عادل صادق "أستاذ الطب النفسي ( إنه ينسف الثقة بالنفس ويجعل الانسان الخائف حائرا عاجزا منطويا يراقب ذاته المنهارة ) وفي مكان آخر من كتابه "اعرف نفسك" يقول الدكتور عادل صادق ( إن الانسان الخائف يشعر بأنه قليل وضئيل وهزيل ومحدود ) عند ذاك سيبحث الخائفون عن ملجأ ، عن قوي يحميهم ، عن أي شئ يلوذون به بحثا عن الطمأنينة والاستقرار ولو مؤقتا .والشواهد على ممارسات الاسلام السياسي التي تشيع الخوف كثيرة منها على سبيل المثال :

في تونس : ما إن إستتب الامر لاحزاب الاسلام السياسي حتى شرعت بتشكيل هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبرزت ميليشيات تقارع المحتجين السلميين بالعنف مثل مهاجمة تجمعات طلابية وشبابية في ساحات الكليات والاماكن العامة ،  وتمت محاصرة مبنى الاذاعة والتلفزيون الرسمي من قبل تلك الميليشيات لارهاب العاملين فيها وتحويلهم الى إمعات يرددون ما يريده حزب النهضة وحلفاؤه ، الاعتداء على الحريات الشخصية في الملبس وخصوصا النساء وغيرها الكثير

في مصر :الشروع مباشرة بعد الانتخابات النيابية بالتضييق على الحريات العامة والشخصية عن طريق منتسبي أحزاب الاسلام السياسي وترويع الناس في مجمل ممارساتهم المعتادة يوميا ، ومحاولة خنق الحريات عن طريق إستخدام العنف في مواجهات مفتعلة مع الشباب في ساحة التحرير ، وأخيرا المواجهة المفتعلة مع المجلس العسكري ( حليف الامس) قرب مبنى وزارة الدفاع مما أدى الى سقوط بعض القتلى ومئات الجرحى ، كل ذذلك من أجل ترويع الناس وإنكفائهم .

في العراق : الشواهد على ذلك كثيرة بدءا بتشكيل الميليشيات من قبل أحزاب الاسلام السياسي نفسها ورعايتها وخلق المواجهات فيما بينها وبينها وبين أجهزة الامن ، التضييق على الحريات العامة والمنتديات الثقافية ، مواجهة المحتجين بأساليب عنفية ولصق التهم بهم ، الاغتيال بالكاتم لعدد كبير من العلماء والاعلاميين والشخصيات العامة والتي يعمل بعضها حتى ضمن أجهزة السلطة التي تتحكم بها قوى الاسلام السياسي ، إفتعال مواجهات بين الكتل السياسية الحاكمة وبث تهم التخوين والولاء للغير ورعاية الارهاب والتهديد باللجوء للعنف وترويع الناس بإشاعة فكرة المواجهات المسلحة وصولا الى الحرب الاهلية ، إقتحام مباني ومقرات لقوى سياسية مسالمة بدون إذن قضائي ، إعتقالات كيفية للمحتجين وتوجيه تهم باطلة اليهم ، وأخيرا لكنه ليس آخرا سماح السلطة رسميا لكل عائلة لامتلاك قطعة سلاح أي اللجوء الى العنف في أي قضية أو خلافات حتى وإن كانت شخصية .

إن كل تلك الممارسات ستفضي في الاخر الى شيوع الخوف والريبة وتردي الاوضاع الامنية أكثر مما هي متردية وإذا ما إقترن إنتشار الخوف بين الناس بنقص حاد في الخدمات ومستلزمات تأمين الحد الادنى للعيش بكرامة إنسانية فإنه يؤدي حتما كما يشبر الباحثون الى تبعية الخائف المحروم الى المالك ، والذي هو هنا يتمثل بالسلطة ، سياسية كانت أم عشائرية ، او إقتصادية ، أو غيرها التي تمتلك مفاتيح قيادة المحرومين هؤلاء الى السير خلفهم بطريقة لا إرادية ، تبعا لخوف آخر من مجهول أو تشبثا بالحصول على ما ينتقص الانسان ، او محاولة لاستدرار عطف القوة المالكة ، أو إن علاقة ما ستتكون كعلاقة السجين بالسجان ، لذلك فرغم معرفة الشعوب بمسبب أزماتها فإنها تسير خلفه خاصة إذا ما أقترن ذلك بشيوع الغيبيات والوعود الاخروية والعقاب والثواب في دنيا الآخرة . وعلى هذا أتصور إن قوى الاسلام السياسي تتعمد عن قصد ودراية مسبقة بإشاعة كل أشكال الخوف في المجتمع في رغبة منها بالتمسك بأبدية السلطة السياسية حيث المال والنفوذ والوجاهة . إلا إن كل ذلك لا يمكن أن يكون أبديا فمهما حاولت قوى الاسلام السياسي التمسك بمفاتيح السلطة فإن التطور الاجتماعي وحراك الصراعات القائمة على توفير لقمة العيش بكرامة وإزدياد حجم المطاليب الضرورية للحياة ، الى جانب تطور العلم وشيوعه وقدرته على إقتحام أصعب القلاع تحكيما مع شيوع وسهولة وسائل الاتصال والاعلام الحديثة ، حيث سيخلق كل ذلك وعيا شعبيا بضرورة التغيير والذي لابد أن يقترن ببرنامج وطني شامل لا يسعى الى تغيير فوقي في السياسات العامة بل إحداث تغيير جذري في علاقات الانتاج وسبل تعميق نهج إحترام الاخر ورأيه وعدم التمييز على أي أسس غير إنسانية ، مع فرض تبني هذا البرنامج من قبل قوى سياسية ـ مجتمعية قادرة على النهوض وطرح نفسها بديلا أمثل لتلك القوى التي تشيع الخوف والتردي والفرقة وتحقيق المكاسب الذاتية على حساب مصالح جموع الشعب بكل فئاته وطبقاته وأطيافه المختلفة .

 

 

 

 

free web counter