| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

ثامر قلو

 

 

 

 

الأحد 24/ 9 / 2006

 

 

يتكلمون عن فيدراليات الكبار ، فماذا عن فيدراليات الصغار ؟

 

ثامر قلو

يتداول أبناء الشعب العراقي في هذه المرحلة من تأريخهم مصطلح الفيدرالية بكثرة قل نظيرها ، سواء في الاوساط الشعبية أو في مؤسساتهم الرسمية ، انطلاقا من أن الدستور العراقي الجديد يكفل للجماهير العراقية انشاء فيدرالياتهم الخاصة في أقاليمهم ، وقد تكتنف العبارة الواردة في الدستور من أن العراق بلد ديمقراطي فيدرالي الكثير من اللغط والابهام ، فقد يمكن اعتبارها كلمة فضفاضة تقبل تأويلات كثيرة ، من بينها تشكيل اقاليم جديدة بين بعض المحافظات ، كأن تشكل على سبيل المثال ثلاثة محافظات أقليما ، وقد يكون من بين التفاسير المحتملة للفيدرالية وانشاء الاقاليم كما ورد في الدستور العراقي الجديد ، تشكيل واستحداث محافظات جديدة من قرى وبلدات متقاربة .
لكن الملفت للنظر ، أن المؤسسات الرسمية العراقية كالبرلمان والحكومة وغيرهم يتدارسون ويتناقشون مطاليب الكبار وأهواءهم بغض النظر عن مشروعيتها من عدمه ، ويتجاهلون عن استخفاف مطاليب المكونات الصغيرة وهي مطاليب مشروعة وضرورية يكفلها الدستور الجديد الذي نقش في أتونه أن المواطنين العراقيين سواسية في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والطائفية ، فما هي الحقوق التي نالها حتى هذه اللحظة المكونات الصغيرة من أبناء الشعب العراقي مثل المسيحيين والايزديين والشبك وغيرهم ؟
مسيحيو العراق الذين يتكونون من طوائف عديدة ، أهمها الكلدان والاشوريين والسريان ، لهم حقوقهم ومطاليبهم ، كما للمكونات الاخرى حقوقهم ، وهم يستقطنون منذ الازل، مناطقهم التأريخية في شمال العراق ، المنطقة التي سميت في فترة ما المثلث الاشوري ، والتي كان أهلها على وشك نيل حقوقهم التأريخية حسب الاتفاقيات الاستعمارية في أوائل القرن الماضي ، لكن الاستعمار كعهده نكث بهذه الحقوق وجر على أبناء هذا الشعب المآسي تحت أشكال عدة ، فتم ارغامهم على الهجرة الى وسط العراق وجنوبه على خلفية الحروب المستديمة في المنطقة بين الحكومة والاكراد منذ منتصف القرن الماضي حتى سقوط النظام الدكتاتوري في العام 2003 حيث كانت قراهم وبلداتهم مسرحا لمعارك وغزوات لا تنتهي ، وقد وقف الفقر والجوع وراء هجرة نسبة كبيرة منهم الى بغداد ، فمن الخطأ حصرأسباب هجرتهم من مناطقهم التأريخية بالحروب والاوضاع القلقة ، فقد كان البحث عن فرص جديدة للحياة حافز كبير ، دفع اعدادا كبيرة منهم للهجرة الى بغداد ، فبغداد هي عاصمتهم ، وهي مدينتهم كما دهوك والموصل والبصرة .
أما القسم الاعظم من مسيحيي العراق يستقطن مناطق سهل نينوى * * الواقع في الشمال الشرقي من مدينة الموصل وقد يشكلون في الآغلب الآعم البقايا من مواطني أشور الذين حكموا دهورا طويلة امبراطوريات العراق وكانت عاصمتهم التأريخية مدينة نينوى التي يتغزل بها حبا آشوريوا العراق حتى هذه الايام ،وتتراوح أعدادهم من القاطنين في سهل نينوى بين مائة ومائتي الف مواطن ، وهي مرشحة للزيادة في المراحل المقبلة .
شئنا أم أبينا هناك بلبلة في الساحة المسيحية ، وهي الساحة الكلدانية الاشورية السريانية ، والبلبلة في المفهوم الشعبي تعني الحديث والنقاش في الاوضاع الملبدة والقلقة منذ سقوط النظام الدكتاتوري ، فهم يتحدثون عن وجودهم و حضورهم وهجرتهم وبقاءهم ومستقبلهم والدور المنتظر لهم في العراق الجديد .
هذه الكلمات على بساطتها ، تشكل الهاجس اليومي للمسيحي العراقي الذي يعيش حياة غير آمنة طالما يلقى الاهمال والتجاهل من قبل المؤسسات العراقية ، وقبلها من قبل الحكومة العراقية ، ولا يجد أذانا صاغية تسمع هموم ومطاليب وحقوق هذا المكون الاساسي والاصيل من مكونات الشعب العراقي .
مطاليب وحقوق الكلدوآشوريين السريان في العراق الجديد تعد بسيطة ومشروعة في آن ، رغم أنهم يتجنبون الخوض رسميا في الدعوة لها في المؤسسات والقنوات الرسمية للبلد ، ولعل الظروف المعقدة والمتشابكة التي يجتازها العراق تقف في المقدمة من العوائق ، وكذلك فقدان مسيحيي العراق لوجود قيادة ممثلة لهم تعبر وتدافع بشفافية عن حقوقهم ومطاليبهم ونأي الكنيسة عن الاظطلاع بالدور الضروري لها للنهوض بهم في هذه المرحلة ، وهو الدور الذي كان يقتضي تحفيز ومساندة القوى السياسية لتوحيد كلمتهم في المحافل العراقية ، نجد الكنيسة تدخل طرفا أو أطرافا في الانحياز لهذا الطرف أو هذاك ، مما يفقد قدرتها على التأثير ، وتعرض هيبتها ان سارت على هذا النحو للتراجع ، وقد تكون دوافع الكنائس العراقية على اختلاف مشاربها الطائفية مفهومة ، فالقائمين على ادارتها لا تسرهم في جانب التخلي عن سلطاتهم المسيطرة على رعيتهم منذ عهود المسيحية الاولى لصالح قيادات دنيوية بدأت تسحب البساط من تحت أقدامهم رويدا رويدا ، كما يجب أن لا ننسى وهو الاهم الذي يعيق تقدم ممثلي هذا الشعب ، والمقصود هنا بممثلي الشعب ليس حتما النواب المسيحيون في البرلمان ، فهؤلاء لا صوت لهم ولا قدرة لهم على تحريك بوصلة ما لافتقارهم للقاعدة الشعبية وافتقارهم لاتخاذ القرار المستقل بعيدا عن مرجعياتهم ، مما يفقدهم الصفة الحقيقية للتمثيل المسيحي في البرلمان العراقي، هذا العامل هو حرص مسيحيوا العراق على مستقبل البلد ويجدونها غضاضة حين المطالبة في هذا الوقت بحقوق هي مشروعة وضرورية لبقاءهم في بلدهم العراق لكنها قد تفسر من جانب الاخرين بأشكال اخرى ، مما يمكن اختزال مبررهم ، انهم لا يريدون اضافة هم هلى هموم العراق الكثيرة والمعقدة في هذه المرحلة .
على أن السكوت والتمهل ، لا يلغي وجود البلبلة كما قلنا في الاوساط الفكرية والسياسية لمسيحيي العراق فما يتداولونه كثير ويلهمهم السعي لتحقيق الطموحات المشروعة منها ، فمن بين هذه الطموحات هو استحداث محافظة بأسم كلدوآشور في سهل نينوى تضم القرى والبلدات المسيحية ، وقد يتجاوز طموحات بعضهم تشكيل المحافظة الى تأسيس فيدرالية خاصة بهم ، ففي لقاء مع الاستاذ نمرود بيتو وزير السياحة في حكومة الاقليم الكردستاني نوه الى مشروع كبير ، يتجاوز الطموحات الى استحداث محافظة أو فيدرالية تضم مناطق غرب دجلة بما فيها مناطق عديدة في مدينة الموصل فضلا عن القرى والبلدات المسيحية والحاقها بأقليم كردستان ، ومن جانبي لم أكن أود التطرق للموضوع وطرحه للرأي العام لولا موافقة الاستاذ نمرود وزير السياحة الذي أزاد انهم بصدد الترويج للمسألة ، مما يعني أن الاتحاد الوطني الاشوري الذي يقوده القس عمانوئيل بيتو من الخارج ، وشقيقه نمرود في الداخل العراقي يطرحون فكرة الحاق البلدات المسيحية بأقليم كردستان ، وهي الفكرة التي تلقى رواجا من قبل كثيرين، مثقفين وسياسيين لآسباب عديدة ليس هذا المقال مكان بلورتها .
وفي الجانب الاخر ، كان الرأي حول الموضوع مختلف تماما لدى الحركة الديمقراطية الاشورية ، والذي يمكن اعتباره حزبا جماهيريا في الساحة المسيحية ، فقد استبعد الفكرة وشوهها الاستاذ يوسف سميلي البازي العضو القيادي في الحزب المذكور ، عندما افصح لي عن مخاوفه من تحقيق الفكرة ، حيث قال مبررا مخاوفه بالتساءل التالي، ماذا لو اسند الاكراد المحافظة الوليدة لمسيحي من طراز سركيس أغا جان ؟ من يمنعه من توزيع الاف القطع السكنية على الاكراد مثلا او غيرهم ، وفي غضون سنوات يصبح مسيحيوا المنطقة أقلية تفقد امتيازاتها المشروعة !
ما بدأ يفهمه الناس في العراق أن الكبار يبحثون عن مصالحهم ، ويا ليتها كانت مصالح مشروعة تخدم الناس والبلد معا ، يبحثون عن تأسيس الفيدراليات الطائفية التي تمزق البلد وتقسمه ، في وقت يشكلون هم أغلبية الشعب التي لا تحتاج حسب كل الاعراف حماية ، لانهم الاقدر على حماية انفسهم بل التعدي على الاخرين ان راودهم حلم شرير ، ويتجاهلون في الوقت ذاته الحقوق والمطاليب للمكونات العراقية الصغيرة ومن بينهم المسيحيون الذين يحتاجون الحماية فضلا عن توفير الطمأنينة لهم تلك التي تحثهم على البقاء في بلدهم وتجعلهم يشعرون بالمواطنة الحقيقية .
مطالب مسيحيي العراق هي استحداث محافظة كلدوآشور في سهل نينوى أو على الاقل طمأنتهم على استحداثها في المستوى المنظور ، وجعلها منطقة آمنة تستقبل المسيحيين الهاربين من الفوضى العراقية في المناطق الاخرى ، وربما تمهد لعودة المهجرين الى بلدان الجوار من المسيحيين الذين ضاقت بهم السبل في بلاد الغربة ويسعون للعودة يوما ما ، وليس من العقل والمنطق في شيء ، أن يبخل العراقيون الوطنيون والمخلصون لعراقيتهم على مسيحيي العراق حقهم الصغير هذا ، فان تحقيق مثل هذه الوعود وطمأنتهم على مستقبلهم كفيل بمناصرة المسيحيين لخيارات البلد الجديدة ، ولا تدخل في باب التقسيم والانقسام أبدا لان ارتباط المسيحي العراقي بوطنه العراق يفوق أي ارتباط فهو ارتباط وجداني وتأريخي ومصيري .
هذه ليست غير دعوة ومقترح يقتضي المؤازرة وخصوصا من الكتاب الوطنيين والتقدميين العراقيين الذين ستضيق بهم مناطقهم يوما بسبب المد الطائفي والديني والرجعي ، وتوفر لهم كلدوآشور سبلا جديدة للاحترام والراحة والاقامة والامان ، وهي في الوقت ذاته دعوة للكتاب المسيحيين ومؤسساتهم لابداء دلوهم وآراءهم في الموضوع .