| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طريق

 

 

 

الخميس 2/12/ 2010

 

أوراق من العراق

عذراً أيها الوطن ... لقد تحوسمت بغداد

طريق

قبل سفري وعودتي الى الوطن، والذي طال غيابي عنه اكثر من ربع قرن.. وافاني اخي بشيئ من التفاصيل عن زيارته للعراق.. اخي غادر العراق منذ بداية السبعينيات ليكمل دراسته الجامعية.وعاد للوطن حين انظم للأنصار، ولكن لم يزر بغداد اكثرمن ثلاثين عام.

شرح لي بالتفصيل عن كل شيئ، وكأني اشاهد فلما وثائقيا عن العراق.

ولكن ان ترى بعينيك الواقع وما آل اليه حال العراق شيئ مختلف ومخيف جدا، لِكم كنت اتمنى ضم حفنة من ترابك ايها الوطن، كنت اردد دوما قول الشاعر حين انظر الى المناظر الخلابة في الخارج، (بلاد الفناها على غير رغبة.. وقد يؤلف الشيئ الذي ليس بالحسن.. ونستعذب الارض التي لا هواءها ولا ماءها عذب لكنها وطن )..انا حملت فكر اليسار، و تعلمت المصداقية والنزاهة من ارقى حزب في العراق.

ذاك الحزبالذي قاوم ضربات البعث الفاشي . وحملنا نحن ابنائه روح المحبة والسلام . هل يبلغني اليأس يوما ! وان كان هذا حال الوطن..؟

لأننا مسالمون فالعراق نبذنا ، ولأننا اعطينا ولم نأخذ فلم نحصل على بغيتنا.

حين نظرت من نافذة الطائرة الى وطني ، لم ارَ غير بقعة حمراء حزينة..

وحين وصلت مطار بغداد تذكرت ليلة مغادرتي العراق.. لم تكن عبر المطار.. حملت وقتها القليل من المتاع، كانت آمال بالعودة والرجوع والبقاء والعمل الجاد والمثمر، نحن نعيش بالأمل ونهب ونعطي، وصفة ملاصقة بنا هي نكران الذات.. هذا ما تعلمناه من رفيقنا الخالد فهد ، ذاك المعلم الذي انار لنا الطريق.

يوم رجوعي للوطن كنت بصحبة ابني، ولطالما تحدثت لأولادي عن حب الوطن وعن حنيني اليه.. اثقلني الهم والحزن في ابتعادي الأجباري عنه، رجعت لكي احُتجز ثلاث ساعات في المطار!

يسألون ويعيدون في الجدل والتكرار، ابنكِ لا ينتمي للعراق ، ولادته خارج العراق ؟ نعم صحيح ثم ماذا ؟ اجيبهم ولكن من ابوين عراقيين أي من اصول عراقية.. ولكن لا يوجد دليل على ذلك فعليكم الرجوع ، ذكروا اشياءا تافهة من الأسئلة والأقوال..

عرفت وتأكدت من اسلوبهم ومن طريقة الحوار بان جذور البعث مازالت قائمة ، بعد ثلاث ساعات طلب مني محاوري ضابط البوليس في حال عودتي لابد ان احضر له مستمسك يدل على عراقية ابني.. واكثر من مرة يستوقفونا ونحن نتجول في بغداد ويطلبون الهوية ؟ وطبعا الشرطي يسأل عن كل شئ لأنه ببساطة لا يعرف قراءة الجواز.. وكأننا متهمين وامام التحقيق!

ما سبب زيارتكم للعراق... هذا السؤال الذي لاحقني في كل مرة ؟ فهل لعراقيين ان يُسألوا هكذا سؤال..؟ تباً لزمنٍ اغبر، وتباً لمخلفات البعث من غربة في الوطن ، لم نجنِ فيه غير المرارة والأوجاع ...

غير جامع ام الطبول لم اتعرف على شبرٍ من بغداد. بغداد حبلى بالنفايات والقاذورات ، سألت عن اصدقائي الآشوريين والكلدان . فلم اجد حتى ابواب بيوتهم ! منهم من قتل ومنهم من هاجر ومنهم من تفرق في البلاد.

رباه... لقد تحوسمت بغداد.

وما الديار غير خراب ، تنعق فيها الغراب.

لم ارَ دجلة ولكن رأيت الطين والاوحال

طرق مسدودة ، شوارع تحتجزها موانع تسمى (صبات)

ابنية عشوائية في كل مكان ، سألت عنها فسموها (بسطات ودكات)

ازقة بغداد صارت حفر ومستنقعات ، بؤرٌ للقطط السائبة والفئران

اين الأعظمية وراس الحواش ؟ اين المكتبة الوطنية ، ومتحف الصالحية ، وباب المعظم والمنصور والرشيد ونصب جواد سليم.

كيف يبدو الآن شارع فلسطين وجسر القناة.. والكرادة والبتاوين وفاتن وغسان ووصال ، اين هم..؟

والثورة... وكريمة وفاطمة وخلود ونجاة...؟

الثورة صودرت وصارت للصدر مُمتلكات..

فهل هناك من معالم بقيت لصورة بغداد ؟

يكاد يرحل عنها الرصافي وابو نؤاس

عند عودتي وقبل التحقيق الأخير أوقفتني شرطية اميركية للتفتيش ، كنت احس بيدها دبابة تخترق جسدي ، فأي زمن هذا يفتشني المحتل ، ويبحث في داخلي عن ممنوعات ؟ بغداد اقسم بعينيك رحلتي كانت مآساة.


 

 

free web counter