كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

الخميس 11/8/ 2011

من أوراق امرأة رمضانيات (1)   طريق حين كنا صغارا نفرح لقدوم رمضان بشكل عجيب ،لأن العيد سيعقبه بعد ثلاثين يوما، كنا نفرح لمائدة الأفطار الشهية وللروائح الزكية مما لذ وطاب من مأكولات ومشروبات، اتذكر بعد اسبوع من رمضان من ذلك العام قررت ان اصوم .احتج الصغير قبل الكبير، اولا لصغر سني وثانيا لنحافة بدني، لكني قررت ولا اتراجع عن قراري. ضحك الجميع لأنهم راهنوا على خسارتي الحتمية، كنت في التاسعة من عمري، اما لماذا كل هذا التصميم وانا متعودة على تناول الوجبات مع اخوتي وهم لايشجعون على الصيام، وكيف اخالفهم لأول مرة ..! فلأن ذلك جاء نتيجة تحدي صديقتي نضال. هي الوحيدة التي كانت من بين افراد عائلتها تلتزم الصيام، والدها كان يصرخ بأعلى صوته ويقول (طالعة على اهل امها) نضال تحدتني واستهزأت بقدرتي على التحمل ،وانا اردت ان اثبت لها العكس. في منتصف تلك الليلة ايقظوني للسحور وانا اتوسل بهم ان يؤجلوه الى ساعة اخرى، ضحكوا جميعا وقالوا انه لايجوز ، ذلك ان موعد الامساك سيحين، وشرحوا لي معنى ذلك. اكلت قليلا وشربت عصير التمر هند مع قليل من الماء .حاولوا اقناعي ان استمر في تناول السحور، لكن النوم كان الاهم بالنسبة لي .. في الصباح الباكر استيقظت وانا فرحة جدا بصيامي وناديت نضال لكي اريها لساني الجاف، كما كانت تفعل معي حين اجادلها حول صيامها، حان الوقت لأن اثبت لها قوة ارادتي. ناداني اخي وركضت لدخول البيت مسرعة، فسحبني من يدي واجلسني جنبه لنتناول معا، كعادتنا دائما، الفطور الصباحي، صرخت به بزهوٍ: انا صايمة اليوم .. فرجاني بلطف ان اعدل عن قراري وطلب مني التراجع،لكني بقيت اتشبث برائيي اكثر... لالالا ، اني صايمة اليوم. ثم بدأ يحاول ان يثنيني عن الصوم طوال اليوم واستبداله الى الظهر وقال هذا صوم العصافير، وهو مخصص للصغار، ويحسب كصيام الكبار .. توسلت اليه ان لا يجبرني على الافطار. هز رأسه وقال ستندمين. بعد الواحدة ظهرا بدأ الجفاف يجتاح حلقي ، فيما عصارات معدتي تتقلص وتنبسط. وانا اتحداه بقولي (اني صايمة).. ذهبت لنضال ثانية وانا اكرر عليها قولي ..اني اليوم صايمة، بدأت نضال تنصحني بان لانلعب اليوم ولايجوز القسم ولا نمضمض افواهنا كثيرا ولكي نتجنب ابتلاع الماء ووو...!! شعرت بدوار وغثيان وقلت لها (لازم اروح انام) ..! قالت نعم علينا ان ننام، صارت نضال مرشدتي ومرجعيتي وانا اقلدها بكل شيئ! حاولت ان انام لكني عجزت امام ظمأي وجوعي .. تمنيت لو ان اخي يناديني لتناول وجبة الغداء...لكنه لم يفعل ! وبقيت انظر للساعة حتى غفوت .اتصور انني نجحت اخيرا في خلودي للنوم ساعة .. في تمام الرابعة عصرا، سألتهم عن موعد الافطار، فأجابوني انه في السادسة والنصف. تذكرت بأني لم اشتري بمصروفي الجيبي اليوم، ففرحت وانا اركض باتجاه الدكان واشتري حامض حلو.. وسارعت بدفع واحدة في فمي .وبسرعة البرق بصقت كل شئ من فمي وركضت لنضال! هي الوحيدة تحل لي هذه المعضلة.. قالت لي "ان جدي يقول مادام بدون تعمد (مو باطل صيامها)" فرحت جدا وتحسست بأناملي بقية الحامض حلو الذي كان بداخل كيس في جيبي وانا انتظر ساعة الافطار بفارغ الصبر لكي التهم محتويات الكيس بالكامل.. كان الوقت يمر بطيئا، حسبته دهرا، وبات الاحساس بالعطش والجوع يتضاعف واحسست كأن ذبابة دخلت رأسي وبدأت بالطنين .. لم اعد اتحمل اكثر من هذا، ركضت للثلاجة وانا اريد ان اشرب الماء فلاحظت اختي ذلك وصرخت بي (ما باقي غير ساعة ونص) كنت سأقبل يديها لو تركتني اشرب ولو جرعة واحدة، تعمدت ان تذكرني بسخرية نضال مني وكيف ستفرح لخسارتي، فقلت لها لا استطيع ان استمر كيف لي ان اصبر..؟ فنصحتني ان اتمضمض بالماء.. وانا اشعر بدوار هائل براسي، يحطم جمجمتي.. كان حالي يرثى له وكل دقيقة تمر يزداد المي ، ملم يبق شئ (عمر العدو) ليس لي عدو ونضال صديقتي ! فلماذا ومن هو هذا العدو.. ؟ فضحكت وقالت الشيطان الخبيث الذي يجبرك على كسر الصيام ..صدقتها ولعنت الشيطان الذي عمره اطول من الجميع ويسخر من دعواتنا عليه. بدات اراقب الساعة مرة اخرى الى ان غفوت ولا ادري ماذا جرى سوى ان صوت امي وهي تولول دخل مسامعي مع اصوات اخواتي وهن يصرخن واخوتي يلومون والدّاي لسماحهم لي بالصوم . فتحت عيناي وانا اشعر باني شربت كمية كبيرة من الماء وروائح الطعام واشكاله المغرية، "ها صار الافطار؟" سألتهم بصوت واهن.. قالوا يالله تعالي اكلي ... بعد تناول لقمتين شبعت والشئ الاول الذي فكرت هو الماء ولكن والدي منعني من ذلك مشيرا باصبعه للشوربة اولا . لم اكن احب الشوربة في صغري ولكني كنت مجبربة على تناول القليل وان لا اعاند ابدا.. بعدها قلت لهم سأستمر بالصيام ..ضحكوا وقالوا (باجر تموتين لو تركناج) اليوم فقدتي الوعي وكنت في غيبوبة ...وشربناك ماء، لا بل اغرقناك بالماء.. فتلفت وسألت اذا ما نضال عرفت ذلك ؟ضحك الجميع واجابوا بالنفي . . "بس بعد ماتعيديها" ...كل رمضان والجميع بألف خير...