موقع الناس http://al-nnas.com/
تجريف كردية الفيدرالية
تقي الوزان
السبت 9 /9/ 2006
مشكلة العلم ليست المشكلة الأهم , وتبقى رغم الحجم
الكبير الذي استحوذت عليه لاتتجاوز في ثقلها النوعي اكثر من اشكالية تقاسم السلطة ,
ونوع النظام السياسي . واثارتها في هذه الفترة بالذات من قبل رئيس الأقليم السيد
مسعود البرزاني يرجح لها للف الشارع الكردي , وتطمين ثقته بالقيادة السياسية التي
تواصل السعي لأنجاز وتثبيت مكتسباته القومية . هذه الثقة التي تخلخلت في الفترة
الأخيرة نتيجة عدم وجود تقدم حقيقي في الحياة المعيشية لأغلب جماهير كردستان رغم
وجود الأمن الذي يفتقد في باقي مناطق العراق . وتجلت عدم الثقة هذه في المظاهرات
الأخيرة التي عمت الكثير من المدن الكردستانية , وسقط فيها قتلى وجرحى وسجن اخرين .
استغلال قرار عدم رفع العلم من قبل مجموعات غير قليلة في الجانب العربي , والتحشيد
العاطفي الذي رافق الأعتراض , وصوّر القرار كونه احد تجليات روحية الأنفصال عند
القيادة الكردية , يشي برغبة التنكر من قبل بعض هذه الجماعات الى رفض مبدأ
الفيدرالية ذاته , ووصل الأمر بالبعض البعثي مثل "صالح المطلك" بالتهديد في
الأنتقام عند استلام السلطة مرّة اخرى , وناسياً استحالة العودة الى عصرهم "الذهبي
" . والمهم هو كيفية تثبيت الفيدرالية بالشكل الصحيح والذي لايترك مجالاً للتراجع
عنها مرة أخرى , ونحن امام لجنة دستورية ستعيد النظر ببعض مواد الدستور .
بعودة قصيرة الى الوراء, وبالذات الفترة التي سبقت اسقاط النظام , واللقاءات
والأجتماعات التي رافقتها في كردستان ولندن وواشنطن لأطراف الحركة الوطنية المعارضة
للنظام المقبور , وطلب القيادة الكردية من الآخرين اقرار صيغة الفيدرالية لكردستان
والتي هي امر واقع بالنسبة للخريطة السياسية العراقية . ونذكر محاولات التهرب من
الأقرار بها بأتفاقات مكتوبة من قبل الأحزاب الأسلامية الشيعية , وكيف حوقلت
النقاشات بعد النظرات بأنتظار اقرارها بعد التغيير .
وجاء التغيير , ومسكت السلطة باليد الامريكية التي وعدت الاكراد بالفيدرالية ايضاً
. ولم يبقى امام الأحزاب المتلكئة او الرافضة لها الا الموافقة , وبدل ان تتجه
القيادة الكردية لتبني واحتضان المشروع الديمقراطي العلماني , وبالذات برنامج الحزب
الشيوعي العراقي الذي اقر الفيدرالية , وحق تقرير المصير, قبل اقرارها من قبل
الأحزاب القومية الكردية , وبفترة ليست قصيرة , وتبعها بأجراء عملي يفصل فيه منظمته
في كردستان لتكوّن "الحزب الشيوعي الكردستاني " , هذا البرنامج الداعي الى حل
المسألة القومية الكردية بالشكل الجذري والعادل بأقرار الفيدرالية الكردية .
بدل هذا اتجهت القيادة الكردية لأقرار الفيدرالية بشكل عشوائي , وبدون تحديد لأسس
خصوصيتها الكردية , في مسعى منها لكسب اعتراف بعض الأصوات الشيعية القوية "المجلس
الأعلى " , او للأعتقاد بكونها الوسيلة الأسرع للوصول لحلم الدولة الكردية بعد ان
يكون العراق قد تجزء . وهذا الأتفاق لأقرار هذه الصيغة , واستعجال تثبيتها في
الدستور جعل من الفيدرالية اداة قلق اكثر مما هي اداة تثبيت لمسيرة واقرار الحقوق
الديمقراطية لعموم الشعب العراقي .
هذا التجريف لكردية الفيدرالية انعكس مباشرة بطلب قائمة" الإئتلاف "التي يقودها
السيد عبد العزيز الحكيم رئيس "المجلس الأعلى" بأقامة فيدرالية "الوسط والجنوب "
الطائفية , ليتفجر "اللغم" وترفض من قبل احزاب شيعية وسنية , ويتشضى الموقف من جديد
في مفهوم الفيدرالية , ويعيد قلق الشارع الكردي على منجزهم القومي .
يقول السيد عبد العزيز الحكيم في الذكرى الثالثة لأستشهاد شقيقه السيد محمد باقر
الحكيم رحمه الله , الفيدرالية اما الكل يأخذها او يحرم الكل منها .
ولاننسى ان النظام الايراني يهدف لافشال" الفيدرالية الكردية " بكل الوسائل ,
ومثلما هو معروف ,ان الذي يهدد وجود ايران كدولة هي المسألة القومية , وايران تحوي
ستة قوميات رئيسية , ونجاح الفيدرالية في العراق سيحفز القوميات الايرانية وبشكل
سريع للحصول على حقوقها القومية . ولما لم يعد هناك مجال لايقاف الأعتراف
بالفيدرالية الكردية في العراق , فاللجوء الى تفجيرها من الداخل ومحاولة اقامة
الأقليم الشيعي , وبعدها الضغط على الأحزاب الشيعية التي تقود الأقليم لفصله
واستقلاله عن العراق , وتكون نتيجة اقرار الفيدرالية هو تمزيق وحدة البلد . وهذا ما
يطرح ك"كلام حق يراد به باطل " من قبل القوميين العرب والبعثيين .
قلق الفكر القومي للقيادة الكردية أراد الوصول بأسرع وقت لأنجاز الطريق , دون النظر
الى وجوب صب الطريق بالأسمنت المسلح قبل اكسائه بالأسفلت , لأن هذا الطريق ستعبر
عليه الشاحنات والأثقال القومية في كل المنطقة , بما فيها اثقال القومية الكردية
المتوزعة على اربعة بلدان , وانجاز الطريق بدون الأساس الصلب يكون عرضة للتآكل
السريع , وحفر المطبات , وهذا ما حدث في بداية السير عليه . والقيادة الكردية تعلم
جيداً ان الوقت لايزال مبكراً جداً لتقرير المصير كما هدد به رئيس الأقليم السيد
مسعود البرزاني . وتحولت القضية اقرب الى لعبة "جر الحبل " من تثبيت الأسس
الديمقراطية الصحيحة لأقرار حقوق الشعب الكردي .