الأربعاء 9 /5/ 2007
الشراكات الخاسرة
تقي الوزان
العراق ساحة الصراع الرئيسية بين النظام الايراني والامريكان كما تؤكده الاحداث , وقد صبت أغلب الأخطاء التي رافقت الوجود الامريكي في العراق لصالح النظام الايراني , الذي أستغلها منذ اللحظة الأولى . ولعل أبرز أشكال هذا الاستغلال ان سفينة الحكومة العراقية غرزت في وحل المحاصصة الطائفية , وبات من الصعب عليها ان تتحرك بقواها الذاتية . وقد حاول مؤتمر " شرم الشيخ " ان يجند الطاقات الدولية لمساعدتها وسحبها الى مجرى المياه العميقة لتعاود مسيرها الطبيعي , واندفاعها في جريان نهر الحضارة والتطور , وأمل الوصول الى موانئ السلام الانساني . وقد فات المشرفين على حركة السفينة من امريكان ودول تحالف وامم متحدة أن أغلب بحارة السفينة لايعرفون العمل في السفن الحديثة , وأمضوا أغلب حياتهم في تجذيف الزوارق الصغيرة وسط السواقي والمستنقعات الضحلة , وادواتهم لاتتجاوز المردي والمجذاف والفالة التي يستخدمونها في صيد بعض الاسماك ليعتاشوا عليها في المياه الراكدة لضفة الشاطئ الايراني .
النظام الايراني عمل ما بوسعه لمد الجسور الى السفينة , ويحاول تجفيف المياه المحيطة بها لمنعها من الابحار مرة أخرى . وهذا هدف الضغوطات الكبيرة التي تمارس على حزب "الفضيلة" الذي رفض هذه السياسة وأصر على خروجه من قائمة "الائتلاف" , وهو الحزب الشيعي الابرز الذي لا يتمول من النظام الايراني كما تقول بعض المصادر الشيعية .
والقيادة القومية الكردية التي طغت عليها دفقات فرح الابحار في السفينة , واستنتجت في ظل عنفوان هذه المشاعر ان الميناء القادم هو ميناء الاستقلال القومي , وما عليها الا ان تحزم حقائبها وتتفق مع الاقوى من البحارة الذي يمكن ان يسيّر السفينة للوصول الى الميناء القادم, ولاعليها بباقي الرحلة . وتناست ان القوي من البحارة هو الأكثر تمسكاً بعدم سير السفينة , وأبقاءها منغرزة على شواطئ الجرف الايراني , لأن قوته يستمدها من تواجده على هذا الجرف . وليس من مصلحته مطلقاً الانطلاق في مسارات المياه العميقة والى عوالم الحضارة الجديدة التي لايستطيع ان يتنفس فيها .
وفات القيادة القومية الكردية ايضاً ان الميناء الآمن الذي يبحثون عنه هو في آخر مطاف الرحلة وليس في بدايتها , والمطلوب هو العمل على تقوية السفينة , والتعاون مع البحارة الاصلاء الذين هدفهم انجاز الرحلة لأنقاذ العراق والعراقيين . وليس مع المرتزقة والسراق والمجرمين والباحثين عن الجاه والأغتناء , سواء بأتكائهم على الجرف الايراني , أو على جرف الجرائم البعثية و"القاعدية" المدعوم من الأنظمة العربية الرسمية والهيئات التكفيرية . وعندها فقط يمكن مواصلة الطريق للوصول الى الميناء الأسلم الذي تبغيه التطلعات القومية المشروعة للشعب الكردي . ان الاعمال الدموية التي ترتكبها منظمة"جند الاسلام" السنية في كردستان , والتي تنطلق من الاراضي الايرانية كما اكدتها بعض المصادر الكردية, توضح ان الصراع هو بين العراقيين واعداء تطلعات العراقيين ومرتزقتهم .
والمالكي الربان الذي نأمل ان لاتصدعه كثرة الضغوطات المتصارعة , بين الراغبين في الابحار من الوطنيين العراقيين ومعهم المجتمع الدولي والامريكان , وبين البحارة الذين يختطفون السفينة ويبقونها راسية . ولاشك انها لحظة تاريخية صعبة, وتتطلب الافصاح الأكثر جرءة عن توجه الربان , ولا احد يشك بوطنية المالكي وتاريخه النظيف في مقارعة النظام المقبور طيلة العقود الماضية . الا ان الطبيعة المعقدة للصراع , والخوف من ارتكاب الأخطاء وتحمل مسؤولية دماء الابرياء , يضع اتخاذ القرار في تردد يكاد ان يكون عاجزاً في حسم الامور. الا ان الأمل يبقى معقوداً على قوة ادارة الربان للأزمة , واتخاذ القرارات الصائبة , وحشد الطاقات الخيرة للخروج من هذا المأزق الرهيب .