| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

تقي الوزان

Wz_1950@yahoo.com

 

 

 

الأثنين 31/5/ 2010

 

اليسار بين التهويم والنحت في الصخر

تقي الوزان

تسحبك في بعض الأحيان عناوين كبيرة لمقالات كتاب يساريين , وعند الإطلاع عليها لا تجد سوى التنظير والتثاقف, وتشخيص النواقص , والملامة للحزب الشيوعي وباقي المنظمات اليسارية والديمقراطية رغم صغرها , والأغلبية تعتقد ان الحزب الشيوعي وبقية اليسار والديمقراطيين لا تزال تمتلك التأثير الفعّال لتوجيه الجماهير وقيادتها . ومن هذه النقطة تصب ملامتها , وتأكيداتها , على ضرورة تطوير علاقة الحزب بالجماهير , والنقابات , والجمعيات و و ..الخ , من النصائح التي فقدت قيمتها من كثرة التكرار . دون الإشارة إلى هذا الركام الجماهيري, الذي انعكست اتكاليته على التنظيمات الديمقراطية الحقيقية , وقلب المعادلة رأسا على عقب. كانت الجماهير هي السياج الذي يحمي التنظيمات الحزبية , يوم كان الشعب موحدا , وتربط الوطن وحدة المصير. اليوم الجماهير تبحث عن الحزب الذي تحتمي به, وينجز لها المعاملات, والتوظيف, وتحصل منه على ما يمكن الحصول عليه من مكاسب مادية , ولا علاقة لها بالآخرين. وكأن الحزب لم يدرك هذا من خلال عمله اليومي , ومؤتمراته , وموسعاته التي بلغت الأربعة سنويا, كما هو معلن . ولا اعتقد ان كان في تاريخ الحزب , أو الأحزاب الشيوعية الأخرى , ان القيادة تعمل أكثر من باقي الهيئات الحزبية إلا في هذه المرحلة من تاريخ الحزب . وهي إحدى المفارقات في عمل أي حزب .

هنالك خلط بين ما تحتاجه الجماهير لانتشالها من الواقع البائس الذي زاد تدهورا, والذي يناضل من اجل تغييره الشيوعيون واليسار بشكل عام , وبين اليسار كحركة سياسية تعرضت للفشل والإحباط , وتواجه مرحلة تاريخية جديدة , تتطلب وسائل وأساليب نضالية جديدة ايضا . وفي العراق المسألة اكثر تعقيدا , وعلى سبيل الاستدلال, رأينا ان البعض من الشيوعيين العراقيين تركوا التنظيم رغم استمرار ولائهم للحزب , لأسباب ودوافع كثيرة , يمكن فهمها وإدراك خياراتها . ولكي لا يفسر هذا الكلام من قبل الدوكما والسلفيين الذين لا يزالوا يعتقدون ان وجود حزبين شيوعيين او يساريين في بلد واحد يعني ان احدهما انتهازيا في تفسير اكبر من حجمه , فان هؤلاء الشيوعيين بعد عمليات الأنفال الدموية التي شنها النظام الصدامي على كردستان حال انتهاء الحرب العراقية الإيرانية , وتبعها فشل الانتفاضة في عام 1991 , تحول اغلب الرفاق والأنصار إلى المنافي . ثم جاء انهيار المعسكر الاشتراكي ليخلق حالة تراجع وانكفاء ومراجعة , ليس للشيوعيين العراقيين فحسب , وإنما لمجمل الحركة اليسارية في العالم كما هو معروف . ان تضافر واقع الفشل للحركة الثورية العالمية مع الفشل الوطني في عدم إسقاط النظام , فرض على الحزب ان يتراجع ويتحول الى منظمة ليست كما هو موجود في التصور السابق من كفاحية ثورية , وهو الذي دفع البعض للشعور بعدم الجدوى من التنظيم . بعدها اخذ الحزب يلملم نفسه ورفاقه ويعقد مؤتمره الخامس عام 1995 الذي سمي بمؤتمر " الديمقراطية والتجديد " , والذي نفض فيه الكثير من مسببات الفشل , ولكن, بعد الخسائر الجسيمة , وانعكاس ترسباتها , سواء بعدم الجدوى من التنظيم لدى البعض , او التشبث بالسلفية لدى آخرين , الذين لم يجدوا الطريق لتطبيق ما جاء به المؤتمر الخامس لتجاوز المحنة . أما الذين وجدوا الطريق, فهم الذين ينحتون في الصخر, وسيعيدون لليسار عنفوانه , رغم كل العقبات , وطول الزمن .

من جانب آخر , اخذ البعض من الشيوعيين الذين تركوا الحزب يتحولون تدريجيا الى معاداة الحزب , ويحملونه حتى أسباب خسائرهم وفشلهم الشخصي . وكأن المسألة ليست فشل تجربة اشتراكية تاريخية, والحزب الشيوعي العراقي جزء منها , واخذ البعض يعتقد انه ما دام يتهجم على الحزب , فقد أصبح ديمقراطيا وليبراليا . ولم يدرك انه اشد سلفية من السلفيين المعاقين فكريا الذين لا يدركون غير الأبيض والأسود , ويتهمون كل من ترك التنظيم على انه شخص معادي , ولا يعرف كيفية النهوض مرة أخرى , وفهم الواقع الجديد كما يكون .

من المؤلم ان تجد المواقع اليسارية والصحف الالكترونية الديمقراطية لم تتمكن لحد الآن من إيجاد صيغة تعاون بينها , وهي الخطوة الأولى والاهم للم شمل تشتت اليساريين والديمقراطيين والعلمانيين . والأغرب, ان هذه المواقع التي يفترض انها رأس الحربة في الثقافة والأعلام لهذا الوسط , تدخل في سباق من الحرفية أكثر ضراوة مما تدخله مع المواقع الرجعية المعادية من مرتزقي السلطة والمال , ومروجي كل ما يسئ للعراق , لا بل وفي بعض الأحيان تسهل نشر البعض من المقالات التي تسئ لهذا الوسط , وتزيد من شدة الصراع غير المبدئي بين أطرافه .

لا اعرف لماذا لا تبادر هذه المواقع , او إحداها على الأقل , لدعوة الآخرين للقاء يمكن ان يتطور الى لقاء أسبوعي عبر الانترنيت لنصف ساعة فقط , للتنسيق , والمناقشة في إيجاد أفضل السبل لتحديد المسارات التي يمكن ان تنهض بالواقع الإعلامي الراهن لليسار . وسأل لينين قبل مئة عام : بم نبدأ ؟ وكانت الصحيفة . وفعلا تمكن من نقل الحركة الثورية الروسية عبرها الى آفاق الانتصار . فما بالكم وانتم تملكون أكثر من خمسة صحف الكترونية , ولا تجدون الجرأة لتبني التحشيد للخطاب الصحيح ؟!

 

 

free web counter