موقع الناس http://al-nnas.com/
المشروعان والأفق المفتوح
تقي الوزان
الثلاثاء 29 /8/ 2006
منذ المؤتمرالوطني الخامس والحزب
الشيوعي العراقي يضع اقدامه في مسار التجديد , ويحاول استيعاب مستجدات المرحلة
التاريخية الجديدة بعد انهيار الأتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الأشتراكية , وما
تبعها من نتائج سلبية كادت ان تشعل الحروب بين مكونات شعوب هذه المنظومة لولا
انسحاب الأحزاب الشيوعية التي كانت تقود السلطة , واعترافها بفشل ادارتها للصراع في
داخل مجتمعاتها , ومع النظام الرأسمالي العالمي . واليسار العالمي لايزال يبحث في
اسباب هذا الفشل , ويحاول الوصول الى الأجوبة المقنعة والعلمية التي يمكن على ضوئها
ايجاد السبل التكافلية الجديدة التي توحد نضالات الشعوب امام تكالب وشراسة اخطبوط
العولمة الرأسمالية , والوقوف قدر المستطاع لأنتزاع ما يمكن انتزاعه من مخالب هذه
الكواسر .
الشيوعيون العراقيون انتبهوا لضرورة التجديد بشكل مبكر , وبرزت هذه الدعوات بعد
انهيار تجربة " الجبهة الوطنية " مع البعثيين عام 1979 وما تبعها من خسارات دموية ,
وجعلت عناوين التجديد في البحث عن اسباب الكارثة , والمطالبة بمحاسبة القيادات
المسؤولة , وايجاد طرق جديدة لأتخاذ القرار تضمن مشاركة اكثرية افراد الحزب بها .
وكان لتجربة الكفاح المسلح في كردستان التي جمعت بين قيادات الحزب وأهم ما موجود في
القاعدة الحزبية "البيشمركة " آنذاك , اسباب حقيقية عجلت بأنضاج مشروع التجديد .
ان الصراع داخل الحزب حول هذه المسألة تنامى بشكل كبير قبل انهيار الأتحاد السوفيتي
, وكانت الأمور غير واضحة , وكلمة التجديد تفسر بالخروج على الثوابت , والطريق
الجديد فيه الكثير من المطبات , وموازين القوى ليست في صالحه ولاتزال المنظومة
الشيوعية متماسكة في وقتها , وسلوكه يعني اكتشافات جديدة ينبغي التحقق من صحتها قبل
تثبيتها .
ونجاح الحزب في اقامة مؤتمره الخامس " مؤتمر الديمقراطية والتجديد " لم يكن نتيجة
رد فعل لكثافة حالة انهيارات النظم الأشتراكية عام 1990 وما تبعها , بل نتيجة صراع
طويل وعميق داخل تنظيماته وجماهيره , وكان الكل يشعر بضخامة حجم الأزمة الفكرية
والسياسية والتنظيمية التي يمر بها الحزب , وبالتوازي مع تعاظم الأزمة الوطنية
العراقية الخانقة .
ان الكثير من الشيوعيين العراقيين ولمختلف الأسباب والدوافع لم يتابعوا مسيرة الحزب
بشكل مباشر , ولم يتعرفوا على الجوانب الايجابية الكثيرة التي رافقت عمله بعد
مؤتمره الخامس ولحد الآن . ولعل جوانب الضعف التي ترافق عمل الحزب الآن نتيجة ضيق
المساحة المتعلقة بأمكانياته , هي التي تمنع وصوله بالشكل الأرحب الى كل الشيوعيين
وجماهيرهم .
ان المشروعين " البرنامج السياسي والنظام الداخلي " اللذين طرحهما الحزب للنقاش
لبلورتهما , واقرارهما في المؤتمر الوطني الثامن سيثيران الكثير من النقاش للأفق
الواسع الذي ينفتحان عليه . وستكون المساحة كبيرة لهذا النقاش , بين من يهاجمهما
ويعتبرهما ردة وانتكاسة عن المسلمات والشرانق , وبين من يطالب بالأنفتاح الأكثر ,
ويعتبرهما لازالا دون المستوى المطلوب , ويطالب الحزب ان يكون حركة وليس حزب .
ويعتقد البعض من الشيوعيين بعدم جدوى النقاش على هذين المشروعين , لأن هذه النقاشات
ستصطدم بالعناصر الدوكما التي لاتزال تعشعش في بعض مفاصل الحزب . ولكن الواقع يقول
بعكس ذلك , والمتتبع لمسيرة الحزب في السنوات الأخيرة يجد الكثير من المرتكزات التي
تطمح لعودة الحزب ان يلعب الدور المنشود في بناء العراق الديمقراطي الفيدرالي
الحقيقي , والمشروعين يؤكدان الأنفتاح على الأفق الديمقراطي الأوسع , ويطمحان
لتحقيق العدالة بكل ابعادها لأبناء هذا الشعب المنكوب .