موقع الناس http://al-nnas.com/
باب البعث الدوّار
تقي الوزان
الأربعاء 27 /9/ 2006
قانون "تحرير العراق" الذي اصدره الكونكرس الأمريكي
عام 1998 في فترة رئاسة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون , كان يراد به " تحرير "
العراق ليس من ايدي صدام وطغمته كما كان يصوّر , بل " تحرير " العراق من مجموعة
القيّم التي تتحكم فيه , والتي جعلته عصيا على الكسر , وابرز هذه القيّم, الوطنية
,الاخوة القومية , الدين , التاريخ , الجغرافية ,النفط , الثروة , التمرد , رفض
الظلم ..الخ . ولم يتيسر لصدام الدخول في هذا المشروع الأمريكي بعد ان ابدى
استعداده وتوسل الأمريكان لذلك , لأنه لم يكن مثل القذافي في طموحاته المحدودة حتى
تقبل استدارته , فقد اراد الدخول في نادي الكبار من خلال اجتياحه للكويت والتحكم
بربع مخزون النفط العالمي , فأسقطت عنه الثقة بالكامل .
الحصار الذي فرض على العراق في بداية التسعينات كان البداية الحقيقية ل " تحرير"
العراق على الطريقة الأمريكية . وتظافر الحصار مع الأساليب الدموية للنظام المقبور
في تفكيك هذه القيم . ومنذ الأجتياح وسقوط النظام ازدادت سرعة وسائل " التحرير "
وتنوعت اكثر , وكان ابرزها تنشيط الصراع الطائفي وايصاله للمشهد الدموي الحالي ,
وغض النظر عن جرائمه التي فاقت كل تصور . ولاشك ان العنف الشيعي جاء كرد فعل على
العنف السني الذي يقف خلفه بهذه القوة والأستمرارية العنف البعثي الذي بدء يكشف عن
نفسه في الفترة الاخيرة بشكل اوضح .
ولعل اخطر وسائل " التحرير " هذه هو وصول بعض قيادات الأحزاب السياسية الشيعية
والكردية الى قناعة التمترس داخل منجزهم الطائفي والقومي , وتجردهم من الهم الوطني
. في نفس الوقت الذي يجري فيه اعادة تأهيل البعث على رافعة المحافظة على وحدة
العراق . ولا شئ اخطر من ان يكون للبعثيين برنامج عمل سياسي يستطيع ان يستحوذ على
بعض التأييد , رغم معرفة العراقيين بدمويتهم , ومسؤوليتهم في وصول العراق الى هذا
الدرك .
الفشل الذي رافق هذه القيادات طيلة الثلاث سنوات الماضية في الأنتشار على مجموع
المساحة الوطنية مكن جلاوزة النظام المقبور من الحصول على هذه الفرصة في اعادة
تسويق انفسهم . وهم يعرفون جيداً ان العناصر الديمقراطية والعلمانية التي تتبنى
المشروع الوطني الحقيقي حوربوا وحجموا من قبل نفس الأطراف التي خلقت لهم هذه الفرصة
" الذهبية ". ومثلما تمكن صدام من انهاء احزاب المعارضة وقياداتها , وحول الحركة
السياسية العراقية الى حركة كسيحة .تعاد دورة الحياة وتعوّق هذه القيادات في رؤيتها
الوطنية , وتفقد الجماهير مرةً أخرى البوصلة التي ترشدها للطريق الأسلم , بعكس
البعثيين الذين وجدوا طريقهم بعمى الآخرين .
الأمريكان من جانبهم مستمرين في اساليب " تحريرهم " للعراق , وتحقيق رؤيتهم بجعل
العراق القاعدة التي يتحركون منها للسيطرة الكاملة على الشرق الأوسط " الجديد " .
ولا يوجد افضل من اشغال هذه الشعوب بصراعات دينية واثنية ومذهبية تبعدهم عن الصراع
الحقيقي " الطبقي " , والفقر الذي اخذ برقاب الشعوب اكثر من اية فترة سابقة نتيجة
السياسات الجديدة للعولمة . وحالهم حال اغلب شعوب الأرض التي انطلت عليهم هذه
الأساليب بعد انتهاء الحرب الباردة وتفردهم " الأمريكان " بالساحة السياسية
العالمية .
لم يخطر ببالي ولا واحد بالمليون ان يكون ظافر العاني احد الناطقين بأسم النظام
المقبور حتى بعد التاسع من نيسان , ويتحول الى هارب مرعوب , ثم يتحول مرة اخرى
وبهذه السرعة الى نائب في اول برلمان عراقي دائم , وناطق رسمي بأسم جبهة التوافق
السنية " البعثية " , ويتحدث بأسم الوطنية العراقية التي " ترعرع " في ظلالها , و
"رضع " حليب امومتها , و " تشمس " بشعاع عينيها , و " تدفأ " بنار شوقها وأمل
العودة لأنسانيتها المفقودة طيلة الأربعين سنة الماضية , ونحن الذين ولغنا بدم
العراق والعراقيين , وثكلنا النساء , ويتمنا الأطفال , وسممنا الماء والهواء ,
وجعلنا من العسل زقوماً لأبناء المقابر الجماعية , والأنفال , وضحايا الكيمياوي ,
وكل شهداء العراق بمن فيهم البعثيين الذين سقطوا على عتبة مقاومتهم لفاشية المنبوذ
والمطرود يومياً حتى من قفص الأتهام . فشكراً لزعامات بعض الأحزاب , وكل من تموضع
في كرسيه وزكى القتلة .
المحنة كبيرة , وكبيرة جداً , وليس الوقت وقت ملامة , ولكن أرونا حياً واحداً وليس
مدينةً واحدة حالها أفضل مما كان عليه قبل سقوط النظام في كل الوسط والجنوب الذي
تريدون اقامة الفيدرالية الطائفية عليه , وهو تحت سيطرتكم منذ سقوط النظام ولحد
الآن .