| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

تقي الوزان

Wz_1950@yahoo.com

 

 

 

الأثنين 23/3/ 2009

 

تداعيات ما بعد الانتخابات

تقي الوزان

النتائج التي افرزتها انتخابات مجالس المحافظات – وبغض النظر عن كل السلبيات التي رافقتها – اكدت على افلاس الخطاب الطائفي بشقيه الشيعي والسني , وبات واضحاً ايضاً ان الكسب الذي حصل عليه حزب " الدعوة " برئاسة المالكي ليس بسبب امتلاكه للسلطة وتحقيق انجازات عملية فقط , بل ويعود في جزء كبير منه للخطاب السياسي البعيد عن الطائفية . والمتتبع لخطابات المالكي في جولاته الانتخابية التي بدأت قبل اجراء الانتخابات بفترة طويلة وفي مختلف المحافظات العراقية , لم يذكر اسم حزبه " الدعوة " الذي يوحي بالظلال الطائفية الشيعية , بل رسخ بدلها " ائتلاف دولة القانون " التي توحي بالعلمانية .

بعد ان تم تجاوز فورة الانفعال السلبي على نتائج الانتخابات للاحزاب التي تراجعت حضوضها ومنيت بالخسارة , تحاول هذه الاحزاب ان تدرس اسباب الوصول الى هذه النتائج , وبرزت في الايام الاخيرة اتجاهات غير متكاملة تحسباً للانتخابات البرلمانية القادمة , وهي الاهم في اعادة بناء البلد . فمن جهة الاحزاب الشيعية التي مزقت شرنقة قائمة " الائتلاف " ووجدت نفسها امام هاوية الخسارة التي قد تكون افدح في الانتخابات القادمة , يجري الحوار حول امكانية عودة قائمة " الائتلاف " الشيعية ولكن ليس بزعامة " المجلس الاعلى " , بل بزعامة حزب "الدعوة".
الاتجاه الآخر توجه حزب " الدعوة " لمحاورة اطراف علمانية واخرى من الجانب السني والبعثيين , وبالذات جبهة " الحوار " برئاسة صالح المطلك , في محاولة ظاهرها خلق تعاون يخرج العملية السياسية من اطارها الطائفي .

كلا الاتجاهين يدور حول الرابح الاكبر ( الجوكر ) السيد رئيس الوزراء وحزبه " الدعوة " , وكلا المشروعين لا يبتعدان عن استمرار الصراع بين المشروعين الرئيسيين الايراني والامريكي . الايرانيون يحاولون المحافظة على كتلة " الائتلاف " الشيعية لانها الاضمن في استمرار نفوذهم الفاعل داخل العملية السياسية و الحكومة , والثاني يريد اخراج العملية السياسية من اطارها الطائفي لتحجيم النفوذ الايراني واضعافه من جهة , ومن جهة اخرى اضفاء صفة التآلف الوطني الذي يمكن تصنيعه بمنح بعض السلطة التي هي هدف اغلب هذه الاطراف , ويبقى المشروع الوطني الديمقراطي الحقيقي الذي لا يزال يحبو , يحتاج الى وقت اطول كي ينمو ويشتد عوده . ولو قدر للاتجاه الثاني ان يكون اكثر جذرية فهو الاسلم لاعادة بناء العراق في المرحلة الحالية , خاصة وان الامريكان امام استحقاق اقناع العراقيين بجدوى الاتفاقية الامنية معهم من جهة , وضغوط الازمة العالمية التي تدفعهم للاسراع بسحب جزء من قواتهم من جهة ثانية .

التوجه الاول سيكون تحقيقه اكثر صعوبة لعدة اسباب , من بينها تجاوز اطراف " الائتلاف " ذاتها للاطار الطائفي الذي ا صبح لا يلبي المصلحة الذاتية التي توسعت لكل طرف . ومن الاسباب المهمة ايضاً الخبرة والامكانية والاثرة في عدم التنازل التي يمتلكها " المجلس الاعلى " داخل العملية السياسية , واهم حلفائه القائمة الكوردستانية التي تعتبر تجريد مفهوم الفيدرالية من كورديتها شأن يهم الآخرين , بل تسعى لمنع ربط الفيدرالية بكوردستان فقط , وتحالفها مع " المجلس الاعلى " الذي يريد تنفيذ مشروع التسع محافظات الطائفي لكي يتم تجريد الحكومة الاتحادية ( المركزية ) من اغلب صلاحياتها , ويسهل للاقليمين وضعاً يكاد ان يكون مستقلاً . وهذا التكتل يمكن ان يسحب اليه ( بصورة اكثر جذرية ) الحزب الاسلامي السني . والحزب الاسلامي سيقرر بعد ان يعرف ما يحققه من نفوذ داخل الوسط السني .

توحد رغبات الحزبين الكورديين الرئيسيين و" المجلس الاعلى " ستساعد في اتفاق الاطراف المناوئة الاخرى التي تعمل على قيام حكومة اتحادية قوية , ومن هنا تأتي امكانية اتفاق رئيس الوزراء وحزبه مع الاطراف السنية وبعض العلمانيين . ويبقى عامل الزمن عنصر مهم في هذه المعادلات , حيث لم يبقى على الانتخابات البرلمانية الا القليل , وستكون مجازفة كبيرة ل"المجلس الاعلى " لو سار بهذا الاتجاه , وذلك لكون اكثرالعراقيين اخذوا يميلون لوجود حكومة مركزية قوية تفرض الامن والنظام , بعد ان ذاقوا نعمة الامن عن طريق الحملات العسكرية التي قادها المالكي في محاربة العصابات الخارجة على القانون في بغداد والبصرة والموصل وديالى وباقي المناطق الملتهبة , وهو سبب جوهري ايضاً يضاف لاسباب فوز المالكي وحزبه في الانتخابات الاخيرة . ولعل فشل التصويت على مشروع اقليم البصرة الذي روّج له الاستاذ وائل عبد اللطيف ما يؤكد هذه الوجهة , رغم تصوير المشروع من قبل القائمين عليه على انه المنقذ الحقيقي للجماهير البصرية المنكوبة بنار الفقر والحرمان , وكل بصراوي سيرفه مثل اي مواطن في دول الخليج . الا ان المشروع سقط في هاوية لا يرجى منها اية شفاعة . وسيخسر " المجلس الاعلى " الكثير من اصوات مؤيديه لو اصر على السير في هذا الطريق , وطعم الخسارة المرّة لا يزال طرياً ويفرض عليه مراجعة عسيرة .


 

free web counter