موقع الناس     http://al-nnas.com/

كل شئ بأذن الأمريكان

 

تقي الوزان

الثلاثاء 20 /6/ 2006

طيلة سنوات وجود النظام الصدامي كانت هناك معارضة. ورغم ضعفها , وتشتتها , وعدم وجود برامج واضحة لدى بعض فصائلها , إلا أنها حملت شرف لواء معارضة النظام الدموي المقبور , ولاذت بسدها مجموعة القيم الوطنية والديمقراطية . وأستطاع الأمريكان من الألتفاف على الكثير من هذه الأحزاب الوطنية , مستغلة ضعف الحركة وتشرذمها, وعدم تمكنها من إسقاط النظام بقواها الذاتية المبعثرة . وعدا الحزب الشيوعي العراقي, وقسم من حزب الدعوة كان الكل متحمس للتدخل الأمريكي . وقد تعرض الحزب الشيوعي بسبب موقفه الرافض من تغيير النظام عن طريق التدخل الخارجي فقط الى إنتقادات كثيرة من بعض أطراف الحركة الوطنية , وحتى من بعض رفاقه الذين أضناهم طول النضال .

سقط النظام , وأندفعت الرغبات المكبوتة لعقود من السنين . لتعبر عن نفسها بتجليات قومية ومذهبية بمديات لم يسبق لها مثيل . كانت السلطة الحقيقية ولا تزال بيد الأمريكان , ولا توجد قوة سياسية أخرى تشكل خطورة جدية على سلطات الأحتلال . القوة الحقيقية الوحيدة التي يمكن أن تفرض أجندتها على سلطات الأحتلال هي قوة تنظيم الجماهير في مؤسسات المجتمع المدني , مثل النقابات المهنية والأحزاب السياسية وجمعيات حقوق الأنسان والجمعيات الأنسانية الأخرى . ويمكن لهذه القوة لو تشكلت أن تحدد أولويات بناء الدولة , وتحقيق الأمن , والموقف من الأحتلال .

غياب قوة الضغط هذه دفعت الكثير من الجماهير الشيعية للتشبث بالبدائل الفردية . وكان الشهيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الأسلامية في العراق الذي مهد لقدومه من ايران بأسابيع من التحضير والأستعدادات والشحن المذهبي أن يؤسس للمصلحة العامة , المذهبية والوطنية . قبل أن تتحول المذهبية الى طائفية منغلقة وتُستغل حسب الرغبات والمصالح الأنانية الشخصية .
لقد أتهمت أطراف كثيرة بإغتيال الشهيد محمد باقر الحكيم , كان على رأسها الأمريكان , السنة التكفيريين , عصابات النظام المقبور , ايران , أطراف شيعية قسم منها في قيادة المجلس الأعلى للثورة الأسلامية . وكل هذه الأتهامات قابلة للتصديق , لأن كل هذه الأطراف أستفادت من إستشهاده .

كان الأندفاع المذهبي الشيعي لا يزال في عنفوانه , وأستطاع أن يتوحد مرّة أخرى خلف عباءة آية الله العظمى السيد علي السيستاني . وبمرور الوقت وأستنفاذ حدود الممكن من شرعية المرجعية الدينية , وإستلام الأدارة الحكومية المتمثلة برئاسة الوزراء والوزارات الأخرى , تعززت الطموحات والنزعات الشخصية لزعامات الأحزاب الشيعية المؤتلفة في قائمة "الإئتلاف" , إضافة للأرادة الأيرانية المتخفية خلف مطالبات بعض الأحزاب الشيعية والتي منعت أيضاً من خلق تراكمات تؤدي الى بلورة ارادة وطنية وشعبية موحدة . ووجدنا أنفسنا وسط مجموعة من الجماعات المنفلتة , والتي تتقاتل فيما بينها للأستحواذ على الجاه والسلطة والمال الحرام . لتتحطم وحدة القوى المذهبية التي كانت يمكن أن تشكل خطورة على أجندة سلطات الأحتلال . حيث كان بأمكانها مثلاً الدعوة لأضراب عام , أو غيره من الفعاليات الأخرى.

قوات الأحتلال ومنذ البداية قسمت العراق الى أكراد وسنة وشيعة . وهو تقسيم أريد به تحفيز هذه المكونات للركض وراء أنجازاتها الفئوية والشخصية فقط . وترك الوطن وباقي مكونات الشعب لاحول لها ولا قوة .
الأمريكان جاءوا ليكملوا تهشيم مجموعة القيم التي بدء بتهشيمها صدام , جاءوا ليغيّروا مفاهيم الوطن والقومية والدين , ويجردوها من جوهر معانيها التي شكلت وجود وحدة الشعوب , ويفككوا نسيج علاقاتها , ويمزقوا نسقها التضامني , ويتحول كل فرد الى عالم خاص . وهذا أحد أوجه التحديث الذي يتحدثون عنه لمنطقة الشرق الأوسط .

لقد تمكن الأمريكان خلال الثلاث سنوات المنصرمة من تخدير الكثير من الزعامات السياسية التي كان يحسب لها الحساب لطول فترة نضالها ضد النظام المقبور عن طريق السلطة والنفوذ والمال . وأصبحت أغلب هذه الزعامات تلهث وراء القوات الأمريكية للحفاظ على مكتسباتها الشخصية . ومن جهة أخرى يجري تأهيل البعث مرة أخرى بأسم السنة , ومن قبل الأمريكان أنفسهم حتى يعادلوا الميل الطائفي لبعض الأحزاب الشيعية بأتجاه ايران . والقوى الديمقراطية واليسارية لم تتمكن لحد الآن من توحيد صفوفها . والزعامات الكردية ثقتها بأمريكا أكثر من ثقتها ببعضها , رغم توحيد الأدارتين . والشعب العراقي الذي طال فقدانه للأمن والضرورات المعيشية فقد المبادرة , والمبادرة بيد العصابات والمليشيات , وهذه يسهل القضاء عليها عند الضرورة . الشعب يتطلع للقوات الأمريكية بالحفاظ على وحدة الوطن بتنفيذ القرارالأممي المرقم 1546 والقاضي أيضاً ببناء الديمقراطية وصيانة حقوق الأنسان . ومجموع هذه النقاط هو النجاح الحقيقي للسياسة الأمريكية في العراق .

ورأي آخر يقول أن القوات الأمريكية ليست عاجزة عن ايقاف المسلسل الدموي اليومي في العراق . خاصة بعد تفاهم هذه القوات مع شراذم عصابات البعث , وكذلك مصرع الزرقاوي وما جره من ضعف على تنظيمات القاعدة والسنة التكفيريين . إلا أن الأمريكان يبغون الأستمرار في سلب الأمن لغرض إسقاط حكومة المالكي , والمجئ بحكومة أنقاذ وطني لقطع الطريق أمام النفوذ الايراني . وهذا أيضاً ليس ببعيد عن السياسة الأمريكية ما دام النجاح لايزال حليفهم في العراق .