| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

تقي الوزان

Wz_1950@yahoo.com

 

 

 

                                                                                  الجمعة 15/4/ 2011

 

بعيدا عن المناكفات

تقي الوزان

تعرف السياسة بأنها العمل في الشأن العام , ولكن كان هذا في السابق , أما الآن فأصبحت حرفة تجارية . وفي العراق تجاريتها ليست بما كان يمتلكه تجار الشورجة سابقا من صدق وأمانة يكونان جزء من رأسمالهم التجاري , بل ببياع المفرد وفي سوق مريدي , حيث يكون الفرق في سعر ذات السلعة بين بياع وآخر لا يقل عن خمسة عشر الف دينار , وهي يومية عامل البناء الذي يعيل عائلته بها . وأخلاق باعة مريدي هي التي تطبع سلوكيات اغلب القيادات السياسية العراقية الحالية , ولم يبق على أمانة وصدق تجار الشورجة إلا الحزب الشيوعي وبعض السياسيين الآخرين . وقد يقول احدهم : وماذا سيحقق الصدق والأمانة في سوق المضاربات الحالية ؟ وهذا هو جوهر المشكلة الذي يجب أن تدركه .

هل على الحزب الشيوعي أن يتخلى عن الصدق والأمانة , لكون غيره يبحث عن كسب خاص ؟! ويستخدم مختلف الطرق الطائفية, والقومية , وشراء ذمم رؤساء العشائر , واستخدام رشوة التعيين والترشيح للوزارات , ونهب المال العام , وتشجيع الفساد , وغيرها الكثير . هذا الطريق لا يستطيع السير فيه , فكيف تريد منه ان يترك الصدق والأمانة ؟! فماذا يبقى له من وسائل عمل ؟! وكيف يمكن التعامل مع الوطنية, والدفاع عن حقوق المحرومين – وهما سبب وجوده – بدون هاتين الصفتين ؟! فالوطنية هي النهر الذي تعيش فيه السمكة الشيوعية , ولا تغرك الآفاق الوهمية لمحاولات تمزيق الوطن وتحويله إلى كانتونات طائفية وقومية . الشيوعيون يقفون على ارض صلبة , ولن تقوم للمشروع الوطني قائمة ويقف الشعب على رجليه , وستخسر جميع الأحزاب التي تدعي الوطنية وهاجرت إلى مستنقعات الطائفية والعشائرية , ما لم تعود إلى الأرض التي يقف عليها الشيوعيين مهما طال الزمن.

الدفاع عن الأرض التي يقف عليها وراء موقفه المطالب برحيل القوات الأمريكية مثلما نصت الاتفاقية , رغم إدراكه لضعف القوات الأمنية العراقية , وحجم المخاطر والتحديات التي تواجه وحدة الشعب والوطن . وهو نفس الإدراك والحرص الذي رفض فيه التدخل الأجنبي لإزاحة صدام , وقال في وقتها : إننا نرفض إسقاط النظام بقوات أجنبية , لأننا ندرك ان ثمن الاحتلال سيكون كبيرا . وكم من المتحمسين للقضاء على صدام انتقدوا موقفه هذا , بمن فيهم بعض رفاقه . وبعد كل هذه السنين التي قاربت العقد , تكتشف الأغلبية من العراقيين بان الاحتلال كان وراء اختيار من يشرفون على سير العملية السياسية , التي فرضها دون ان يراعي مرحلة انتقالية يتنفس فيها العراقيون لكي يحددوا اختياراتهم بشكل صحيح , ولفلفوا الانتخابات وكتابة الدستور, وما تبعها من اهتمام القيادات السياسية في الاستفادة من نمو الفساد , وترك إعادة بناء مؤسسات الدولة , والانشغال الكامل في الصراع على السلطة , وتحت ذات الرايات التي أخذت تخفق عالية عند إزاحة النظام , وهي تعبر عن كبتها الطائفي والقومي والعشائري , وتشكل المليشيات والعصابات لحمايتها . ورغم كل هذا التردي , وإكمال تهديم المقومات المادية والأخلاقية العراقية التي بدء بهدمها النظام المقبور , فلا يزال البعض تأخذه العزة بالإثم ويعتبر الاحتلال تحريرا .

لا شك ان العراقيين وقياداتهم السياسية تتحمل القسط الأكبر في هذا التردي , ولن ينقذ العراقيين غير أبنائه , والانسحاب الأمريكي الكامل قد يؤدي إلى اختراقات طائفية إيرانية , ويشجع تنشيط جرائم عصابات بقايا البعث , وستكون أكثر ضررا من الوضع الحالي , وهذا محتمل . ولكن الحزب الشيوعي كما يؤكد يأمل ويناضل من اجل إنهاء الطائفية بكل أشكالها , وانتشال العملية السياسية من تعثرها الحالي ووضعها في الطريق الديمقراطي السليم الذي يجب أن تسير عليه . والابتعاد عن صراخ المزايدات الوطنية الداعي لإخراج الأمريكان بقوة السلاح , ولا الانجرار وراء تهويل دور ( الإنقاذ ) الأمريكي الذي كانت ابرز ثمراته , استمرار فقدان المرجعيات الوطنية الشاملة , بما فيها الرئاسات الثلاث الغير قادرة لحد الآن على إيجاد الآليات الكفيلة بصنع القرار الوطني , ومما لا جدال فيه إن أصحاب التهويل يطالبون بتمديد أو تجديد الاتفاقية الأمنية .

لا يزال البعض يتصور ان الموقف الوطني الذي يلزم الحزب الشيوعي نفسه باتخاذه هو الذي سيقرر كيفية سير الأمور, وينسى ان ميزان القوى ليس في صالح الحزب , واستمرار صراع المشروعين الأمريكي والإيراني هو الذي لا يزال يمتلك القول الفصل في تحديد التوجهات العراقية , نتيجة ضعف المشروع الوطني , وعدم اكتمال بناء وعمل المؤسسات العراقية . والحزب الشيوعي مطالب باستخلاص الموقف الوطني ليس أمام جماهيره فقط , بل وأمام الشعب العراقي بأجمعه , وأمام كتابة تاريخه النظيف , الذي لم يدنس بأي موقف يسئ للوطنية .




 

 

free web counter