موقع الناس http://al-nnas.com/
بين الخديعتين
تقي الوزان
الخميس 13 /7/ 2006
الأنحدار الى الجحيم , وبهذه السرعة الجنونية , يدفع للأعتقاد
بأن كل الأطراف المشتركة في جريمة تمزيق العراق في عجلة من أمرها . وكأنهم على
موعد محدد ونهائي يريدون الوصول اليه .
سلطات الأحتلال وعلى مر التاريخ تبغي احكام سيطرتها من خلال خلق التناقضات
وتعميقها بين مكونات المجتمع . وفي بداية الأحتلال تركت الباب مفتوحاً لتشكيل ,
وتقوية المليشيات . وحفزت هذه المليشيات للسباق فيما بينها لزيادة مساحة نفوذها
, وتوسيع رقعة سيطرتها على أرض الواقع, بغض النظر عن عدم شرعيتها, وما حققته
أحزابها من أصوات في البرلمان . ولو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر سلطة " جيش
المهدي " فهي أضعاف مضاعفة على حجم أصوات التيار الصدري في البرلمان ومجالس
البلديات . هذه الحالة كانت سبب رئيس في خلق العداوات والتناحر , وكلنا نذكر
الصراع الدموي الذي سقط فيه الكثير من الأبرياء بين التيار الصدري والمجلس
الأعلى للثورة الأسلامية , وكلهم ابناء مذهب واحد , وقائمة أنتخابية واحدة .
سلطات الأحتلال أرادت من خلال العملية الديمقراطية وأجراء الأنتخابات,الحصول
على حكومة تحقق لها المحافظة على العراق , وعدم أنزلاقه الى الحضن الايراني .
وتحقيق شروط الأحتلال بشكل قانوني , وجعل الحكومة مصد للرفض الذي سيرافق
أستغلال النفط بشكل غير منصف , ودمج الأقتصاد العراقي الضعيف بسوق الرأسمال
الأمريكي العملاق عبر سلسلة من من القوانين يصدرها البرلمان المنتخب . أضافة
للطلب ببقاء القوات الأمريكية في قواعد ثابتة تمكنها من فرض سيطرتها على كل
المنطقة .
ايران من جانبها أستغلت رغبة سلطات الأحتلال القاضية [بغض النظر] عن توسيع
سلطات المليشيات, وبشرط ان تبقى في حدود السيطرة , ودفعت بكل امكانياتها في
تغذية أغلب مليشيات الأحزاب الشيعية الموالية لها . وجعلتها تمارس سلطات أكبر
من [ حدود السيطرة ] وباتت تشكل خطراً حقيقياً على سلطات الأحتلال ذاتها . وبدل
الدخول في مواجهات ساخنة مع هذه المليشيات , التي أخذت تعبر بوضوح عن رغبة
النظام الإيراني في افشال المشروع الأمريكي في العراق.
توجهت سلطات الأحتلال الأمريكي لمد يدها لأحتياطيها الذي لن يتأخر , وأبن
خطيئتها الأولى في العراق عام 1963 حزب البعث وتشكيلاته الدموية . وبهذا ترجع
التوازن الأشد لضبط خيوط لعبتها السياسية , وتحصيل حقوق ديونها من العراقيين
حيث أنقذتهم من حكم الطاغية صدام . وكذلك أفشال محاولة جعل العراق تابع لثاني
دول محور الشر ايران . أضافة لتفكيك وحدة التحالف الذي نشأ بين منظمة القاعدة
والسنة التكفيريين من جهة , والبعثيين المتضررين من فقدان السلطة من جهة أخرى .
وسيكون البعثيين أدات الأمريكان ليس لمحاربة مجرمي القاعدة والسنة التكفيريين
فقط , بل ومحاربة ايران مرتاً أخرى اذا طلب منهم ذلك .
التحالف القديم الجديد لهذه القوى , سلطات الأحتلال الأمريكي والقتلة من
البعثيين سيحتاج الى وقت أكبر , ودماء أكثر للأعلان عنه . دماء عراقية بريئة
خدعت مرتين . الأولى عندما أنتخبت من أدعى تمثيل مصالحها , وصدقت الشعارات
الطائفية والقومية , وهي التي خرجت لتوها من عقود التجهيل والأستلاب . والثانية
أنطلاء أدعاءات سلطات الأحتلال بتطبيق الديمقراطية , وتحقيق الرفاه والتقدم
الأجتماعي . والى أن يجد هذا الأتفاق أو التحالف الجديد موضع القبول لدى
العراقيين عن طريق هذا القتل والأحتراب الطائفي . كفر العراقيون بالأنتخابات ,
وبمن أنتخبوا . ولو كانت الظروف تسمح لخرجت الجماهير بمظاهرات تطلب من
الأمريكان والأمم المتحدة حكومة أنقاذ وطني تلغي نتائج الأنتخابات , وتعيد لهم
الأمن , وتكون لهم جسراً يعبرون عليه للضفة التي تعيد لهم أنسانيتهم , وتدمجهم
مرتاً أخرى بحركة الشعوب .
سلامة العراق ليست مسؤولية سلطات الأحتلال الأمريكي , وعصابات القتلة من
البعثيين والسنة التكفيريين , والطائفيين من الشيعة , ودول الجوار . أنها
مسؤولية أبناء الحركة الوطنية العراقية, وورثة المقابر الجماعية , والأنفال ,
وعذاب ودماء الخمسة والثلاثين عاماً تحت ظل الحكم الفاشي .