موقع الناس http://al-nnas.com/
سوق"مريدي" للأوراق الوطنية
تقي الوزان
الجمعة 12 /5/ 2006
مريدي , تصغيرمن مردي . والمردي قصبة طويلة يستخدمها
أهل الأهوار لقياس عمق الماء , ولدفع المشحوف أو القارب, وتوجيهه في مسارات الأنهر
الصغيرة في الأهوار . وبهذا المعنى التسليكي إكتسب سوق "مريدي" في مدينة الصدر "
الثورة " سمعته الحالية , والتي تفوق سمعة أكبر الأسواق في العراق ، ليس لكونه
يمتلك تاريخاً عريقاً ببيع المواد المستعملة وصادرأسم " سوق الهرج " وأصبح بديلاً
عنه . وفي فترات أخرى متأخرة, أصبح أكبر سوق لبيع المواد المسروقة .
رغم كل هذا التاريخ العريق للسوق , لم يتمكن أن يبرز كأحد المولدات الرئيسية للحياة
العراقية الحالية لولا تمكنه من أن يكون مجموعة " دوائر" تصدر الوثائق " الرسمية "
التالفة , أو المفقودة للعراقيين وغير العراقيين . فبعد سقوط النظام الفاشي ,
وإنهيار أجهزة الدولة ومؤسساتها , إستطاعت مجموعة من " وجهاء " هذا السوق من مصادرة
وشراء, أو صناعة أختام دوائر الدولة المهمة , التي تصادق على صحة كل ورقة إثبات
رسمية . إضافة لتوفير نماذج هذه الوثائق . فأنك تستطيع الحصول على جنسية , شهادة
جنسية , جواز سفر , دفتر خدمة عسكرية ...ألخ . بتكلفة أقل من نصف ما تدفعه للدوائر
الرسمية.
في أكثرالأحيان مستمسكات ووثائق سوق" مريدي " أكثر وضوحا , وخطها أجمل من وثائق
دوائر الدولة . لأن بائعيها أكثر خبرة ومهارة من الموظفين الجدد في دوائر الدولة ,
وتجد الوثيقة " ملبلبة " ومثل ما تريد . ومن ناحية أخرى , أن بائعي هذه الوثائق
يقسمون لك أغلظ الإيمان بأن وثائقهم غير مزورة وأختامهم أصلية . وهم صادقون فيما
يقسمون , فأن الأختام نفسها أختام الدولة المنهارة , ونماذج الأوراق الرسمية نفسها
أيضاً . ويقول البائعون ايضاً, أنهم يعملون هذه الوثائق في سبيل الله ,إضافة للأجور
. حتى تستطيع الجماهير المنكوبة من تمشية أمورها الرسمية . لأن الدوائر الرسمية,
إما عاجزة عن أكمال هذه الوثائق, أو يطلبون رشاوي عالية .
في سوق " مريدي " للأوراق الوطنية, تجد الكثير من هذه الوثائق المزوّرة , والكثير
من باعة هذه الوثائق . وفي مهزلة يندر وجودها في التاريخ الأنساني , يستمر الصراع
لخمسة أشهر على إجراء الأنتخابات, لتشكيل حكومة " الوحدة الوطنية " , والتي أبرز
ملامحها لحد الآن, وثائق وباعة "سوق مريدي" من الطائفيين , والقوميين, والقتلة في
الليل , وبائعي الوطنية في النهار من البعثيين . ويقسمون بأغلظ الإيمان على انهم
وأحزابهم في خدمة العراق . وفي هذه الأنقاض , نسمع صوت السيد المشهداني رئيس
البرلمان الجديد , بعد أن نبهه السيد حميد مجيد موسى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي
, الى ضرورة رفع بعض المفردات الدموية من الخطاب الأول لرئيس البرلمان في الجلسة
الأفتتاحية , ما دمنا نبغي بناء عراق التسامح والمحبة . وبدل أن يشكره على هذه
الألتفاتة الكريمة , يقول المشهداني على احدى القنوات الفضائية . أن الشيوعيين هم
من علمنا ثقافة السحل . مردداً شعارات أسلافه البعثيين الذين أختطفوا العراق بهذه
الشعارات نفسها . وهو يعرف جيداً أن الحزب الشيوعي العراقي هو أعرق من يساهم
بالعملية السياسية اليوم , والشيوعيين العراقيين هم الوجه الناصع للوطنية العراقية
لأكثر من سبعين عاماً .
وعلى نفس الأنقاض , نسمع القطب الآخر. في تصريح السيد بيان جبر وزير الداخلية لقناة
"الجزيرة", ولاغيرها . رداً على سؤال حول قرار إنهاء المليشيات وحلها , فيقول : أنه
أتصل بالحزب الشيوعي وأخبرهم بضرورة حل مليشياتهم . وستنتهي المشكلة . وقد ظن البعض
ان جواب الوزير هذا للتخلص من حرج السؤال وتشتيته بالجواب الساخر, وغير المعقول .
لأن الوزير يعلم قبل غيره ان الحزب الشيوعي ليست لديه مليشيات . والشيوعيون أول من
أنخرط في العملية السياسية السلمية إيماناً منهم بوحدة العمل الوطني المشترك ,
ونبهوا منذ البداية لخطورة وجود الميليشيات على سلامة سير العملية السياسية وعلى
سلامة العراق .
إن النجاح الذي حققه سوق " مريدي " في هذه المرحلة سوف لن يستمر طويلاً . وستنكشف
كل الوسائل الخبيثة التي أستخدمت في تزوير الحقائق, وفي أقرب مما يتوقع المزورون .
ولا يوجد أكثر من حزب البعث وصدام , زور التاريخ , وتجنى على الوجود . لكنه الآن
يقبع ذليلاً في قفص الأتهام . وعسى أن يكون درساً أمام أعين المزورين , ومن فقد
الضمير .