| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

تقي الوزان

Wz_1950@yahoo.com

 

 

 

 

الثلاثاء 10 /4/ 2007

 

 

الأمريكان والطرق المبهمة


تقي الوزان

عند قيام الحرب العالمية الأولى في بداية القرن العشرين , ودخول الدولة العثمانية فيها الى جانب الألمان . جرى أحتلال العراق من قبل الجيش الأنكَليزي وهزيمة الجيش العثماني . وفي بداية القرن الواحد والعشرين , وقبل أربع سنوات جرى أحتلال العراق من قبل الجيش الأمريكي وتم أسقاط النظام الفاشي المقبور . وفي الحالتين حدث الفراغ الأمني , وأختلفت طريقة معالجته من قبل الأحتلالين .
المؤرخ العراقي الدكتور علي الوردي يصف في الجزء الرابع من [ لمحات أجتماعية من تاريخ العراق الحديث] الصفحة 118 كيف استنجد وجهاء البصرة بقيادة الحملة الأنكَليزية للأسراع بأحتلال البصرة بعد هروب الحامية التركية فيقول : " في 21 تشرين الثاني عام 1914 تم أخلاء البصرة , بعد ان أغرق الأتراك ثلاثة بواخر في شط العرب لسد الطريق على الحملة الأنكَليزية القادمة . ولم يكد غوغاء البلدة وأبناء العشائر القريبة يسمعون بنبأ أخلاء البصرة حتى تهافتوا على مخازن الكَمرك ودوائر الحكومة ينهبونها ويشعلون النار فيها , واصبحت البلدة كلها في خطر , فمن طبيعة الغوغاء انهم لايقفون في اندفاعهم عند حد , فهم بعد انتهائهم من نهب املاك الحكومة قد يتجهون الى نهب الأسواق ثم البيوت , وقد يعمدون بعد ذلك الى القتل وأنتهاك الحرمات " .
كان هذا في بداية القرن العشرين , واسقاط نظام صدام والأحتلال الأمريكي في بداية القرن الواحد والعشرين , اي بعد قرن . ونحن نعرف ان في الخمسة والعشرين سنة الأخيرة تطورت البشرية فيها أكثر من تطورها في كل التاريخ . وليس من المعقول ان لايدرك الأمريكان وهم الذين يتربعون على عرش العلم والتطور خطورة انحلال الدولة على سلامة المجتمع , وترك الحبل للغوغاء دون ايجاد سلطة تطبق القانون وتحفظ سلامة الممتلكات . وكلنا نذكر كيف كانت صورة [ أبو تحسين ] الوحيد الذي يعبّر عن حقيقة مأساة العراق , ومن حوله المئات , بل الآلاف الذين يذهبون للفرهود من المؤسسات الحكومية امام الكاميرات . ويقف رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق ويقول : انها مسألة طبيعية . نعم بين لحظات أنهيار السلطة القديمة , وفترة استبدال السلطة الجديدة يتواجد الفراغ الأمني , ويحدث فيه الخلل . ولكن سرعان ما آلت السلطة الجديدة اليكم, فلماذا أستمر هذا الفراغ الأمني طيلة هذه السنوات ؟ لماذا أستمرت صورة ابو تحسين وحوله الأوباش , وفي جنبات صوته الفرح , والأمل , والأعتراف بالجميل لقوات الأحتلال التي انقذتنا من طغمة الحكم المقبور , والخوف , نعم الخوف من سلطات الأحتلال ذاتها لأنها لن تتم للعراقيين ما يرتجون . لماذا أستمر ابو تحسين وحيداً بين آلاف النهابين ؟ ليتطور بعدها النهب الى صراع دموي للأستحواذ على المال والجاه والسلطة ,
ولافرق بين ابن الشارع والوزير , وانتم الذين تديرون السلطة والعملية السياسية ؟؟؟
ويكمل الدكتور علي الوردي :"أتفق جماعة من وجهاء البصرة فركبوا زورقاً بخارياً وتوجهوا نحو قائد الحملة البريطانية حيث طلبوا منه الأسراع في أحتلال البصرة لأنقاذ اهلها من خطر الغوغاء , وقد استجاب الجنرال [باريت] لطلبهم فأوعز الى المركبين الحربيين [ اودين] و [ سبيكل] بأن يتحركا نحو البصرة بأقصى سرعة ممكنة . وقد وصل المركبان الى مقربة من البصرة قبيل الغروب . وكان الدخان يتصاعد من بعض انحاء البلدة والغوغاء منهمكين في النهب . فأطلق المركبان بعض القنابل للأرهاب مما كان له اثره في انقاذ البلدة . وفي اليوم التالي وصلت طلائع الحملة وأخذ جنودها يلقون القبض على افراد من الغوغاء , وشنقوهم حالا ً ليجعلوهم عبرة لغيرهم . فأستتب الأمن في البلدة ! " وأنتهى فلم الأنذال . الا ان الأمريكان اتونا بمفارخ ليس للدواجن واطعام الجياع , بل لتكثير الأنذال , وجعلوه سباقاً ينسينا حتى النسيان .
فهل كانت قلة خبرة ؟ ام سياسة مدروسة تسهل تمرير الأشياء .
وياليت الأمور توقفت عند هذا الحد , الا ان بذورالمشروع الأمريكي في تقسيم العراقيين الى سنة وشيعة واكراد , تم استنباتها بخبرة الفلاح المتراكمة للنظام الايراني , وبات صوته الأكثر دوياً من العراقيين . وفات الامريكان ان التربة العراقية التي هيئها المقبور صدام هي الأخصب لهذا النوع من المزروعات .
وأصبح العراق المشروع الأول للنظام الايراني لتحقيق احلامه في الهيمنة على المنطقة , ولأعتقاده ايضاً بأن مشروعه النووي يمكن ان يدمر في عملية عسكرية .
وما يهمنا نحن العراقيين هو في كيفية الخروج من هذا المأزق , فالأمريكان والايرانيين على قدم المساواة بأعتبارهم العراق هو الحد الفاصل لنجاح مشاريعهم , او القضاء عليها نهائياً في حالة الفشل . لذا سيكون الصراع بين الطرفين اكثر وحشية من الوضع الحالي , ولم يبقى امام العراقيين وقواهم الوطنية اي خيار آخر غير الأسراع في بلورة مشروعهم الوطني قبل لحظة التصادم الأكيدة بين المشروعين , وعسى ان يتبلور المشروع الوطني رغم تأخره الطويل ويكون مصدا لحماية العراقيين .